زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
بيبي بـ13 ألف$ يا بلاش
إذا كنت تحوز في جيبك او حسابك البنكي ثلاثة عشر ألف دولار، تفضل اقرأ المنيو (كثيراً ما أنصح القراء بأن تطعيم الكلام بمفردات إفرنجية يعطي الانطباع بأن المتكلم «مثقف».. والمنيو هو قائمة الطعام ولكن لو جلست في مطعم وقلت: أعطني قائمة الطعام فإن الجرسون سيصاب بالحول والذهول ما لم تستدرك وتقول: سوري.. أقصد المنيو، وحاول ان تقول لشخص تريد زيارته لأول مرة: رجاء أرسل لي الموقع، وسيأتيك الرد مصحوبا بـ«إموجي» لوجه عليها تعبير الدهشة: أي موقع؟ ولكنك لو طلبت منه اللوكيشن لجاءتك خريطة الموقع خلال ثوان).. المنيو أبو 13 ألف دولار لا علاقة له بالأكل، رغم أن هناك من يجلس في مطعم في باريس مع صديق له (يعني شخصين) ويدفع مثل ذلك المبلغ وفوقه البقشيش. ليش لأن زجاجة الواين (اسم الدلع للنبيذ) قيمتها 10 آلاف دولار واللوبستر (عقرب البحر القبيح) بثلاثة آلاف دولار.
باختصار فإنك بـ13 الف دولار أخضر، تستطيع ان تحظى باستقبال يليق بـ«في. آي. بي.» (أنصح القراء دائما بالحرص على اكتساب لقب مثقف بتطعيم الكلام بمفردات إنجليزية، وفي. آي. بي. هي كبار الشخصيات ولكن مغني الحي لا يطرب)، المهم أنك بمبلغ كذلك تفوز بالترحاب في بنك في سان أنتونيو في ولاية تكساس الأمريكية وتشتري ابن آدم من دون ان يطولك القانون، ولا تتعجل وتستنتج أن تجارة الرقيق عادت إلى الولايات المتحدة، أو ان الاتجار بالبشر صار على المكشوف، (الأمريكان المحرومون من الأمومة والأبوة يشترون الأطفال من العائلات الفقيرة في أوربا الشرقية وإفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، ولا يرون بأسا في ذلك).
ابن آدم الذي تستطيع شراءه من بنك سان انتونيو بذلك المبلغ «مشروع بيبي». لا تتهمني بالهذيان والتخريف، فالبنك هذا تديره جمعية اسمها ابراهام سنتر أوف لايف (مركز ابراهام للحياة). هذا البنك -لا مؤاخذة- يمارس نشاطا تستطيع أن تسميه «زنا إلكترونيا» فلديه موقع على الإنترنت تستطيع أن تدخل فيه وتقدم مواصفات الطفل الذي تريده، قد تسأل: وما الذي يجعلك تدخل مثل هذا الموقع يا شايب يا عايب؟ كي تعرفوا معزّتكم عندي (منعا للالتباس كي لا يحسب أحدكم انني اعترف بوجود معزة أي عنزة تخصه عندي فإنني أتكلم عن المَعَزّة بتشديد الزاي المفتوحة يا أعزائي)، المهم أنني قرأت لاحقا حكاية زوجين من بريطانيا رتبا للحصول على طفل من ذلك البنك عبر التخاطب بالإنترنت، حيث بإمكان الزبائن والعملاء تحديد مواصفات البيبي بحيث يأتي تحفة وآية في الوسامة والذكاء: عيون جعفر عباس (انظر صورتي وقل: عيني باردة) وخدود شعبان عبدالرحيم ورشاقة داوود حسين، عنصر العهر هنا في أن الزوجين البريطانيين وغيرهما من زبائن البنك، بعد تحديد المواصفات يستعرضون قائمة أسماء الرجال «المتبرعين» بحيواناتهم المنوية والنساء المتبرعات ببويضاتهن ويطلعون على تفاصيل السير الذاتية لهم/لهن. وبعد ذلك تحديد الطلب: نريد بويضة من مسز فلانة مخصبة من مستر فلان. هذا ما فعله الزوجان البريطانيان.. وقد أبلغهما البنك أن البيبي الذي طلباه سيكون جاهزاً خلال أسبوعين «بط نو هاري».. لا داعي للعجلة. تعالوا على راحتكم ليتم زرع الجنين في رحم الزوجة.. بعد شهرين.. سنتين.. ثلاثة مش مهم.. الجنين سيكون في الفريزر.. مثلج آخر حلاوة... وبعبارة أخرى ستأتي تلك السيدة من بريطانيا ليزرعوا في رحمها جنيناً تم تشكيله بالإنترنت.. أي أنها ستكون مجرد جراب.. محفظة.. كيس.. برميل.. قربة.. قفة.. طيب ممكن نقول: أن الست هانم هذه على الأقل ستحمل الجنين في بطنها وتغذيه كما تفعل كل أم! ولكن ماذا نقول عن الزوج التيس الذي يرضى أن تحمل زوجته بذرة رجل لا يعرفه (أو حتى يعرفه) بل ويدفع تكاليف السفر ورسوم شراء البيبي من المنيو! هناك بيت شعر لأحمد شوقي يحضرني دائماً كلما كتبت عن البلاوي التي صارت ترتكب باسم العلم الحديث وقاله في قصيدة له عن الغواصة:
وأفٍّ على العلم الذي تدَّعونه *** إذا كان في علم النفوس رداها.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك