زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
عن نقد ونغز الشعوب
في وطني الثاني، مدينة Kosti (كتبت الاسم بالحرف الإفرنجي لأنها تحمل اسم صاحب اول محل تجاري فيها وهو تاجر يوناني)، وكانت في السودان الأوسط، ثم صارت بعد انفصال الجنوب، هي الجنوب الجديد للبلاد (ما موطن العلة في الانتماء للجنوب؟ لماذا بلدان جنوب الكرة الأرضية أكثر تخلفا ومشاكلا وعللا من النصف الشمالي؟ لماذا ظل جنوب السودان شوكة في خاصرة الوطن؟ لماذا شمال مصر وشمال الهند أكثر تطورا من جنوبهما؟ والله يستر على مدينتي كوستي التي صارت جنوب السودان الجديد، وهي حاليا الملاذ الآمن للهاربين من الحرب العبثية التي تدور رحاها في الخرطوم ومحيطها الجغرافي).
المهم أنه في تلك المدينة درج شخص مختل عقليا على رفع يديه بالدعاء: يا رب مليون جنيه، (وكان ذلك في زمان لم يكن فيه شخص في السودان يملك المليون) وعندما يسألونه ماذا سيفعل بذلك المبلغ، كان يقول إنه يريد أن يبني سورا عاليا مسقوفا للمدينة، ويحكم إغلاقه بالأقفال، ثم يطير فوق البحر (نسمي النهر في السودان بحرا) ويرمي بالمفاتيح حتى لا يعثر عليها أحد، ورغم أن أهل تلك المدينة شديدو التعصب لها، فإنهم لم يكونوا يغضبون من كلام ذلك المجنون بل يضحكون له، رغم أنه كان يحلم بعزلهم عن الدنيا وحرمانهم من الشمس والمطر.
وتذكرت صاحبنا ذاك وأنا أقرأ كلام القس الأمريكي فريد فيليبس الذي وصف السويد بأنها غدة سرطانية ينبغي اجتثاثها وتخليص البشرية منها، «لأنها بلد فاسق دنس وكافر»، ومرة أخرى أكرر ان الرجل قس مسيحي وليس داعشيا، وسر غضب القس الأمريكي هو أن كاهنا سويديا يمثل حاليا أمام القضاء لأنه شتم الشاذين جنسيا (مجاراة للعولمة «المثليين جنسيا») ودعا عليهم بالفناء، دون أن تتحرك أي جهة في السويد للدفاع عنه، ويقول فيليبس إن ألف سويدي هلكوا في كارثة التسونامي في تايلاند لأنهم فسقة وعاهرون وفاجرون، وتمنى لو أن المد البحري أهلك مئات الآلاف من السويديين، وأضاف أنه لو أن كارثة من أي نوع أبادت الشعب السويدي بأكمله «سترتاح البشرية» منه، وناشد فيليبس في تصريحات تم تداولها على نطاق واسع حكومة تايلاند على منع السويديين من دخول أراضيها حتى لا يدنسوها فيحيق بهم غضب السماء! (وكأنما تايلاند أرض الطهر والنقاء الأخلاقي).
السويديون تعاملوا مع كلام القس فيليبس كمزحة وتداولوه بلا غضب أو سخط! تخيل لو أن شخصا ما قال نصف ذلك الكلام عن إسرائيل، لا حول ولا قوة إلا بالله: الأسطول الأمريكي الثالث يتحرك لإلقاء القبض على القائل، مع فرض حظر اقتصادي شامل على البلد الذي ينتمي إليه قائل ذلك الكلام، وتخيل لو أن كلاما كذاك قيل في حق بلد عربي ستنفتح صنابير الردح والقدح دون الالتفات إلى حقيقة أن مثل ذلك الكلام لا يصدر إلا عن شخص ناقص العقل، يبحث عن الشهرة والأضواء.. فكل البلدان العربية -ولله الحمد- مثال للطهر والفضيلة والرجولة والبطولة والفحولة والكرامة، ولا يجوز التعريض بها بالحق أو من باب المداعبة والمناكفة. (من غرائب الإعلام العربي أنه إذا كتب مصري مثلا عن سوء الأوضاع في السودان، تصدى له عشرة كتاب سودانيين قائلين له: لماذا تحشر بوزك في شؤوننا، يا كذا وكذا، ولكن لو كتب امريكي في مجلة تايم او نيوزويك كلاما اقسى من ذلك عن السودان فما فيها شيء، فحلال على بلابل الغرب الدوح، حرام على العُرب من كل جنس).
ومع هذا فالفلسطيني يطلق النكات على أهل الخليل، والسوريون جعلوا من أهل حلب مادة للتندر، والمصري لا يمكن أن يلقي عشر نكات دون أن تكون سبع منها في أهل الصعيد، وفي السودان تصدر يوميا مجموعة من النكات عن أهلي النوبيين الذين يسميهم أهل السودان الأوسط «البرابرة»! وكلنا نقول في وعن بلداننا كلاما جارحا مثبطا ومحبطا ولكن يا ويل غيرنا إذا رددوا نفس ذلك الكلام.
ادعاء الكمال بالحق والباطل يجعلنا «على الهبشة» وسريعي الاشتعال وويلك ياللي تعادينا يا ويلك ويل.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك