زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
الصمود في محطة 39
في سلسلة مقالات لي هنا في (أخبار الخليج) تحدثت عن تجربتي كعربيقي (عربي- إفريقي) عندما زرت لندن اول مرة، وكيف إن والدتي -رحمها الله- عارضت لاحقا بشدة سفري إلى بريطانيا للعمل في تلفزيون بي بي سي، لا لسبب سوى أنها كانت تخاف عليّ الفتنة، فهي كغيرها من نساء المشرق تسمع بأن الاوروبيات ذوات عيون «زائغة»، وبما أنها تعلم أن ابنها يتمتع بجاذبية لا تقاوم فقد خشيت عليه من بنات بريطانيا، وليس في ما أقول ما ينبئ عن غرور، ولم تتوصل أمي إلى ذلك الاستنتاج لأن «القرد في عين أمه غزال»، بل لأنها تعرف أنني صاحب «سوابق»، فعندما كنت في مقتبل العمر لم يكن سرّاً أنني ارتبطت بعلاقة عاطفية مع الممثلة ناتالي وود، ولكن أمي ركبت رأسها وحرمتني من النقود التي كانت تساعدني على الالتقاء بها في دور السينما، وبعد أن تزوجت بإحدى بنات بلدي، انتحرت ناتالي.
مشكلة ناتالي أنها لم تكن تفهم أن الزواج قسمة ونصيب، وهي أيضاً لم تكن تفهم أنه ما كان ممكناً لي أن أتزوجها وهي توزع القبلات بسخاء على كل من يظهر معها على الشاشة. وبصراحة فإنني لا أعفي نفسي من اللوم، فقد كنت في تلك المرحلة من العمر أتمتع بجاذبية لا تقاوم، ومن ثم فقد كانت حسناوات السينما يتسابقن لغزو قلبي، وسرّ تلك الجاذبية أنني «دائم» الشباب، مثلا عندما بلغ عمري 29 سنة «ربطت» في تلك المحطة بضع سنين، إلى أن بلغت التاسعة والثلاثين، ومنذ يومها لم يزد عمري يوماً واحداً. عام 89 كان عمري 39 سنة وفي عام 93 كان عمري أيضاً 39 سنة، وقد تقدمت قبل سنوات قليلة بطلب للحصول على وظيفة مجزية، وبعد أن اجتزت الامتحان التحريري جاء موعد المعاينة «الإنترفيو» فسألني أحدهم عن عمري فقلت: 39 سنة فاحتج قائلاً: كيف يكون ذلك وأوراقك هنا تدل على أنك أكبر من ذلك فقلت له: تكذبني وتصدق الأوراق الخرساء، ما «دخلك» انت وعمري، فأنا لم أطلب يد ابنتك بل جئت طلبا لوظيفة معينة، وبالطبع لم أحصل على الوظيفة.
المهم طمأنت السيدة الوالدة بأن ابنها ذا الشباب الدائم لا خوف عليه من نساء لندن.. صحيح أن معظمهن رائعات الجمال والقوام. وصحيح ان معظمهن كاسيات عاريات، ولهن سيقان -يا أمي- شيء بديع، ولكن لم يكن ثمة مجال هنا للبصبصة. وكما يقول المصريون: «تشوف مين وتخلي مين»، فالبصبصة في لندن تحتاج إلى تفرغ، وهو أمر لا يقدر عليه إلا جماعتنا الذين يأتون اليها في الصيف للعمرة «بفتح العين».
الناس في لندن يمشون في الطرقات وكأنما لعنة تطاردهم، فمشيهم أقرب إلى الركض، ربما هم يفعلون ذلك هرباً من الضرائب، ربما كانت هناك ضريبة على السير البطيء. باختصار إذا حاول شخص أن يعطي كل حسناء لندنية نصيبها من البحلقة فسيفوته القطار ومواعيد العمل، وفوق هذا فإنه يحتاج إلى لياقة رياضي من الطراز الاولمبي لينجح في «ملء» عينه، وأكثر ما يثير دهشتي هو: من أين لهن هذه الاجسام وهن يأكلن طعام بلادهن الذي لا طعم له ولا رائحة، وقوتهن الرئيسي هو البطاطس، وهي ثمرة يؤدي الاكثار من تناولها إلى الروماتيزم وانسداد قناة فالوب والتهاب اللثة، ولكن لأمر غريب فإن البريطانيين لا يصابون بتلك الامراض برغم إدمانهم للبطاطس والبقدونس. وهذا الاخير عشب كريه الرائحة سرّبه الاستعمار الفرنسي إلى منطقة الشام فأصبحوا يستخدمونه في الكفتة والكبة والشاي، فقلّدهم بقية العرب في ذلك، والخواجات أيضاً علّمونا أكل الخس الذي يحتوي على القيمة الغذائية نفسها الموجودة في مناديل الورق، وبالتالي فهو يسبب الامساك والتهاب المصران والمثانة.
على كل حال صارت الوقائع أعلاه في ذمة التاريخ، وبحمد الله لا مبرر لأن يخاف أحدهم عليّ من الفتنة، فلطول الثبات عند سن التاسعة والثلاثين أصبحت العين كليلة وتقلص مدى الابصار. والأهم من ذلك أن التفريق بين البنات والشبان في هذا الزمان أصبح صعباً، ولا يجوز لمثلي أن يقع في المحظور!!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك