زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
كيف أكون ذكيا؟
وبلادي تتعرض للتفكك والبتر والنحر على أيدي متنافسين على السلطة وقليل الثروة المتاحة، أحمد الله أنني هاجرت بأسرتي الصغيرة عن أرض الحرب قبل سنوات بعيدة، وأسأل الله ان يحفظ بقية أهلي الذين اضطرتهم الظروف الى النزوح والتبعثر، وكانت هجرتي لأنني تعرضت للاعتقال والفصل من العمل وكثير من المضايقات على عهد الرئيس جعفر نميري، وبعدها تم قبولي كسكرتير ثالث في وزارة الخارجية بعد اجتياز سلسلة من الامتحانات التحريرية و(الإنترفيو)، ولكنني احترمت نفسي ورفضت الانخراط في السلك الدبلوماسي، كي لا أتعرض للطرد من الخدمة مجددا، ووصمني بعض معارفي بالغباء.
تقول خلاصة دراسات أجراها أساتذة من جامعتي ادنبره وغلاسغو في اسكوتلندا إن من لديهم معدل ذكاء (آي كيو) عال، يعيشون أطول من ذوي الذكاء العادي أو المتدني، وتذكرت أنني أحرزت 135 درجة في اختبار الذكاء الذي أجرته لنا الخارجية السودانية، وإذا عرفنا أن معدل الذكاء عند اينشتاين كان 150، وأن دماغه الذي مازال محفوظاً في متحف طبي كان أكبر من حجم الأدمغة العادية بنحو 15%، وإذا عرفنا أن أول اسم دلع أسبغته عليّ أمي كان «أبو رأسين»، اتضح بما يدع مجالاً للشك أن أبا الجعافر شخص «فلتة» وأن أمامه مستقبلاً عريضاً، وأن عمره بإذن الله طويل.
ثم قرأت بحثا أعدّه الدكتور توم كيركوود المتخصص في طب الشيخوخة في جامعة نيوكاسل البريطانية، جاء فيه أن التقدم في الأبحاث الطبية قد يؤدي إلى إطالة عمر البشر إلى 130 سنة خلال العشرين سنة المقبلة. وحدثت صديقاً لي بأمر ذلك البحث، فتساءل: «وانت مالك ومال البشر؟ يا عزيزي هؤلاء يتحدثون عن بشر يحظون برعاية طبية منذ أعمارهم بضع دقائق، وهل تم تطعيمك وأنت طفل ضد أي مرض؟». تذكرت أن «التطعيم» الذي نلته في المهد كان بحشو فمي بالفول المهروس كي أعتاد عليه، وهكذا أصبحت محصناً ضد الطعام «الفاخر»، وما أكلت شيئاً في مطعم فخم أو فندق إلا وتحول جهازي الهضمي إلى فرقة لموسيقى الروك.
وهب أن أبا الجعافر كان في ذكاء آينشتاين، هل يكفيه ذلك كجواز مرور إلى شيخوخة متأخرة بنصف قرن؟ لو علم أولئك الجهابذة بأمر جهازي الهضمي الذي هلهلته الأكلات المحظورة دولياً، لما أطلقوا الكلام على عواهنه وعمومياته، ولو كان في لجنة جائزة نوبل خير لمنحتني جائزة نوبل لـ«البقاء»، والتي كنت سأرفضها لأن أهلي النوبيين سيتفاخرون بأن (جافر أخدت جائسة نوبل للبغاء!). لأنهم يقلبون الزاي سينا والقاف غينا، كان لويس باستير على عهد طفولتي قد شبع موتاً، ولكن أهلي لم يكونوا قد سمعوا عن بسترة اللبن، بل لو حدثت أمي يوما عن ضرورة البسترة لصاحت في وجهي: بلاش مسكرة. (عند اهلي النوبيين حساسية ضد حرف الخاء)، وكان نيوتن قد راقب التفاحة وهي تسقط وتوصل إلى نظرية الجاذبية، ولكن أهلي لم يكونوا قد رأوا وقتها التفاح.
وكان ألكسندر فليمنغ قد اكتشف أن البنسلين يكمن في المواد المتعفنة، وكان أهلنا وقتها يطعموننا البنسلين الخام، ثم ما هو ذلك الآي كيو/ معدل الذكاء وما مدى مصداقيته؟ (جماعة اللغة يقولون «صدقية» وليس «مصداقية»، والرئيس والرئيسة وليس الرئيسي والرئيسية، ولكن ألا يودي في داهية أن أقول، مثلاً: العيب أو الخلل «الرئيس»؟ ونحن نعرف أن رجال المخابرات عندنا يستطيعون تشريح النملة بدون مشرط؟ ثم كيف أسمح لنفسي بإحلال كلمة رئيسة بدلاً من رئيسية وأنا ضد أي شيء يعطي الرئاسة للنساء، ألا يكفي أن نون النسوة تسببت عدة مرات في تدني درجاتي في امتحانات قواعد اللغة العربية؟!
من هو هذا الغر المغرور الذي يحسب أنه اخترع ميزاناً يقاس به ذكاء البشر؟ لو كان ذلك الميزان صحيحاً فإنه يعني أنني من أذكى أهل الشرق الأوسط؟ وكيف أكون ذكياً وأنا ما زلت أقيم في الشرق الأوسط؟.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك