زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
بعض موسيقانا خطر على الصحة
قلت في مقال قبل أيام إنه على ذمة اختبار الذكاء IQ فإنني من فلتات الزمان، وكتبت من قبل مقالا قلت فيه انني استمعت مصادفة لمعزوفات للموسيقار موزارت وعشقت موسيقاه، ثم أصيب رأسي بالاستسقاء عندما سمعت ان موسيقى موزارت تزيد معدل الذكاء، وقرأت مؤخرا نتيجة بحث لعلماء أمريكيين جاء فيه أن موسيقى شتراوس الهادئة تسبب لمستمعيها اضطرابات في وظائف القلب.
هذه كارثة يا جماهير أمتنا الباسلة. ميلوديات عبقري الموسيقى شتراوس تسبب أمراض القلب، فماذا تكون عاقبة الاستماع لجماعتنا؟ البواسير؟ الثعلبة؟ إسقاط الأجنة؟ أليس من الواجب على اتحاد الأطباء العرب دراسة تأثير «غثاء» شعبولا على الجهازين الهضمي والتناسلي؟ أليس من واجب الجامعة العربية سحب «الجنسية» من ذلك الذي تغزل بـ«حمار»؟ يعني حتى لو تغزل بحمارة (أتان) لقلنا «معليش فهو ثور يحب حمارة ولايقين على بعض، ولكنه يتغزل جهرا ونهارا بحمار «مذكر»، ما يعني أنه يستعر من الانتماء إلينا، وأن بناتنا لا يملأن عينه.
الغناء عندنا منافسة في الولولة، وليس هناك مغنٍ عربي واحد يؤدي أغنية من دون أن يستنجد بالليل: يا ليل. يا ليلي ياآآآ لييييلي، وكلما مطّ وجرجر وأكثر من الولولة استحسن الجمهور أداءه، ولم يفكر واحد منهم في استبدال «يا ليلي» بشيء مثل: يا نهاري، أو يا ظهري، أو يا مغربي. لكن كيف يحدث ذلك ونحن نشبّه المطرب الجيد بزرياب والموصلي، ومازال الجاحظ المثل الأعلى في النثر، والله لو قال أحدهم إنني اكتب مثل الجاحظ لضربته في أم بطنه حتى تجحظ عيناه.
عندنا في السودان كما في معظم الدول العربية، تلعب «الواسطة» دورها في إيصال أشخاص عارين من الموهبة إلى الميكروفون. فمن يتوقون إلى النجومية، ممن لا يملكون حساً فنياً، يختصرون المشوار بالتقدم إلى الإذاعة أو التلفزيون بنشيد «وطني»: يا ريس.. يا قائد.. يا ملهم.. يا بتاع كله.. إلخ، ولا يملك مدير الإذاعة أو التلفزيون إلا إجازة ذلك «النشيد» ثم قطع الإرسال بعبارة: بعد قليل سنوافيكم بأمر مهم. وبعد تكرار هذه العبارة خمس مرات يطل المذيع مجدداً ليقول: سيداتي، آنساتي سادتي.. جاءنا الآن ما يلي: طاخ طراخ.. يا وطن.. يا زعيم.. يا لطيف، وهكذا يدخل ذلك المغني التاريخ، كما دخله الزعيم صاحب البيان رقم (1). بالمناسبة، لماذا يصر المذيعون العرب على تقديم السيدات والآنسات علينا: سيداتي، آنساتي، ثم نأتي نحن في النهاية «سادتي». هذا محض نفاق ورياء، فالرجال دائماً في «المقدمة». وفي السوق وإذا تواضع الواحد منا واصطحب معه حرمه في جولة فعلى «الحرمة» أن تمشي وراء «البعل». (لو تجرأ أحدنا وقال لزوجته «يا بعلتي»، لفقد أسنانه الأمامية، فلماذا نرضى أن يكون الواحد منا «بعلا»، وأن يقال: السيدة فلانة، وبعلها؟). المهم نحن دائماً في الطليعة، في السوق، وعلى مائدة الطعام (لنا الطيبات ولهن الفتات).
موسيقى شتراوس تسبب مرض القلب، فماذا يمكن أن ينتج عن الاستماع المتواصل للمارشات العسكرية، وأناشيد الفداء والبطولة والتحرير، أنا شخصياً أعتقد أن جميع أناشيدنا الوطنية من كلمات وألحان تجار المخدرات فتأثيرها عجيب، تسمع النشيد الواحد فيسري في جسدك خدر لذيذ وتبدأ في الهلوسة واجترار أحلام اليقظة: الحمد لله جميع قضايانا محلولة ومحلحلة، والرفاهية تحققت. أما إذا سمعت عدة أناشيد دفعة واحدة فقد تراودك الرغبة في أن تخون وطنك، فمن الثابت تماماً أن المواطن العربي لا يسب بلاده إلا عندما يستمع إلى تلك الأناشيد، فإذا هرب منها إلى الغناء العاطفي وجده كله: يا ليلي.. يا عيني.. يا دانة، وكل هذا شكوى مستترة، حتى الغزل عندنا «بطيني». أي يتعلق بالبطن، فأجزاء جسم المحبوبة برتقال، أو تفاح، أو كرز، أو فراولة، ويصل فساد الذوق عند البعض إلى درجة يشبهون فيها الحبيبة بالليمونة، أي أن المغني يقول بشكل أو آخر إن حبيبته تسبب الحموضة، وربما القرحة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك