زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
يا لروعة أجسامنا
حدثتكم بالأمس عن حمية قوامها عصير الليمون في معدة خاوية، وأتناول اليوم أمرا يتعلق بالبطن الخاوية ولكن من دون ليمون أو بطيخ، وأقول إنه وبسبب قولوني سيء السيرة والسلوك، وصاحب السمعة غير المشرفة، فإنني مضطر للخضوع مرة كل أربع أو خمس سنوات لفحصه بالمنظار كي يتأكد اختصاصي أمراض الجهاز الهضمي بالنظر بالعين المجردة، بأنه لم يتقرح أكثر، أو لرؤية ما إذا كانت هناك زوائد لحمية طيبة أو خبيثة نبتت فيه، ومثل هذه الزوائد يتم قطعها بالمنظار ثم وضعها في إناء معقم لفحصها للتأكد من أنها بنت ناس (أي غير خبيثة).
ولن أنسى آخر مرة طلب فيها مني الطبيب الصوم 24 ساعة توطئة للقيام بأعمال تنقيب عن الأحجار غير الكريمة في جهازي الهضمي، وكان مباحاً لي تعاطي السوائل، ولكن وكما هو معلوم، فإن موعداً يحدد في الساعة الثامنة في عيادة طبيب، قد يعني الحادية عشرة والنصف، وهكذا امتدت ساعات صومي عن الطعام من الثامنة مساء حتى الثانية من بعد ظهر اليوم التالي، أي أنني لم أتناول طعاماً صلباً ثلاثين ساعة، ودخلت على الطبيب في الساعة الثانية عشرة ظهراً واستغرقت عمليات التنقيب والإفاقة منها نحو ساعة، ثم عدت إلى البيت في الثانية بعد الظهر حيث تناولت قضمة من تفاحة وشعرت بالامتلاء. وشعرت بالانتشاء.
الساعات الأولى من الصوم (الذي بلا حسنات) كانت مزعجة نوعا ما، فعند نقطة معينة ترفض بطنك السوائل حتى لو كان عصيراً من نوع تشتهيه، ولكن كان لابد أن أبقي بطني خالية من الطعام لـ30 ساعة، وسبق لي أن صمت عن الطعام ثلاثة أيام متتالية لم أتناول خلالها سوى الماء العادي، على وجه الدقة شاركت في إضراب عن الطعام عندما كنت في السجن في عهد الدكتاتور جعفر نميري، وكانت لدينا مطالب عادلة تجاهلتها إدارة السجن فكان الإضراب، وبنهاية اليوم الثالث كان أبو الجعافر قد فقد الإحساس بالألم والزمان والمكان، ودخلت في تلك الحالة الغريبة التي يدخلها من يسافر جواً في رحلة طويلة متواصلة فيفقد الرغبة في القراءة أو مشاهدة برامج التلفزيون المعروضة داخل الطائرة ويتوقف عن النظر إلى الساعة لمعرفة الوقت. وفي السنوات الأخيرة لم يعد الأكل يعني بالنسبة إلي أكثر من لقيمات قليلة تمنع الجهاز الهضمي من الاحتجاج أو الإضراب عن العمل، ومن ثم فإنني من النوع الذي «يأكل» نحو ست مرات في اليوم. لم يعد يعنيني أن أتناول وجبة رئيسية بل أتناول ما تيسر وتوافر من الطعام بكميات قليلة على فترات قصيرة، وهذا الأسلوب في التعامل مع الأكل يجعلك تحس بالجوع كثيراً لأنك لا تملأ بطنك في وجبة معينة، بل تظل بطنك شبه فارغة معظم ساعات اليوم.
ولكن تجربة الصوم ثلاثين ساعة (وهي بالنسبة لي إنجاز كبير بينما هناك أناس يستطيعون صوم ضعف تلك المدة من دون ماء أو طعام).. تلك التجربة وتجربة الإضراب عن الطعام جعلتني أدرك أن الشحم الأبيض المختزن في السنام البشري ينفع في اليوم العصيب. قبل أيام قليلة قرأت حكاية أسترالي كان يقود سيارته في طريق صحراوي عندما استوقفه ثلاثة أشخاص واستولوا على السيارة وتركوه في منطقة صحراوية وظل يمشي على غير هدى نحو أربعة أيام بلا ماء أو طعام حتى عثر على نبع ماء وظل هناك يأكل السحالي والضفدع وصغار الثعابين «طازة» أي بدون طبخ، وعندما عثروا عليه بعد أربعة أشهر كان قد فقد نحو 60 كيلوجراما من وزنه. معنى كل ذلك أن الله زود أجسامنا بنظم وآليات وميكانيزمات تجعلها تتغذى ذاتياً باستهلاك مخزونها من الدهون والسوائل.
جسمك يا عزيزي بنيان رائع وبه أنظمة طوارئ ودفاع وهجوم فعزز تلك الأنظمة ولا ترهقها أو تخربها حتى لا تخذلك عندما تحتاج إليها.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك