زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
حكاية تيس آخر
هذه الزاوية الغائمة المتواضعة أصبحت بعبعا يخيف الدجالين والمحتالين والفاسدين والمفسدين. هل تذكرون ذلك التيس في الضفة الغربية الذي حدّثتكم عنه قبل سنوات قليلة؟ أعني ذلك التيس الذي بدأ يدر حليباً، وزعم صاحبه أن حليبه يزيل العقم فتكالبت الجماهير لتنهل من بركاته؟ حسنا، ظهر تيس مشابه في الشام ولكن الأفاق، المخادع، الحيوان ابن الحيوان لقي حتفه. صاحب التيس زعم أن منظمة إرهابية خطفته وقامت بتصفيته جسدياً. وتقول بعض المصادر أن بعض «المريدين» أرادوا لأنفسهم جرعات كبيرة من «البركة» فقاموا بذبح التيس والتهام لحمه، على طريقة صاحبنا الذي كانت لديه دجاجة تبيض بيضة ذهبية كل يوم، فأراد أن يضع يده على الكنز الذي في جوف الدجاجة فذبحها فطارت الدجاجة وطار معها البيض الذهبي. وقالت بعض المصادر إن التيس انتحر احتجاجاً على وصفي أخاه الفلسطيني بـ«الاستهبال»، وأنه كتب رسالة قبل انتحاره يناشد فيها مريديه الثأر لكرامته، وقد وصلتني بالفعل بعض رسائل التهديد، وجميعها تقول ما معناه: إن أي مساس بكرامة «الشهيد» يعتبر عبثاً بالمقدسات والثوابت، لا يمكن السكوت عليه، وجاء في إحدى الرسائل: لئن مات التيس فكلنا تيوس، وعلى دربه نصول ونجوس.
أيتها الجماهير الباسلة الوفية، أنا أعرف أن مصابكم عظيم، ولست من الذين يشمتون بالموتى، بل وأنني على استعداد للاعتذار لكم بنشر نعي لصاحبكم في الصحف السيارة، رغم اني لا أعرف الفرق بين الصحف السيارة والصحف الطائرة، ربما كانت الصحف السيارة هي تلك التي تصدر عندنا، و«تسير على العجين من دون أن تترك أثراً عليه». وبالمقابل، تكون الصحف غير السيارة، أو «الطائرة» تلك التي طار بها أصحابها إلى المهاجر بعد أن أعياهم السير على العجين.
على كل حال أكرر اعتذاري لمريدي الراحل المقيم، وعزاؤنا جميعاً أن أمتنا ليست عاقراً، ولا شك في أننا سنجد عوضاً عن «الفقيد»، فهناك آلاف التيوس المغمورة القادرة على ملء الفراغ، ولا يخامرني شك في أننا سنجد تيساً بديلاً ينتج جبناً ولبنة وزبادي وروباً مبستراً، وإذا تعهدنا أمثال تلك التيوس بالرعاية فإنها ستنتج الحليب بكميات تجارية تمكننا من تجفيفه وتصديره إلى الدول الأوروبية التي تعاني من انخفاض عدد المواليد، وبعد أن تعم الخصوبة أوروبا ببركات تيوسنا المعطاة فسيحدث انفجار سكاني في الدول الغربية كافة، ويعقب ذلك تفشي البطالة والاضطرابات الاجتماعية والسياسية فتتدهور أوضاعهم، وتصبح تلك الدول ضمن مجموعة العالم الثالث فنتمكن نحن من القفز من العالم السفلي إلى العالم الخامس، فيصبح الفارق بيننا وبينهم ضئيلاً، ومن المؤكد أن ذلك الفارق سيزول تماماً بعد أن تسري جينات التيوسة في التكوين الفسيولوجي للسلالات الأوروبية فيصبحون مثلنا، بمعنى أن عطاءهم سينحصر في مجال التناسل والتكاثر.
والشاهد في كل ذلك أن لدينا إمكانيات هائلة ولكنها غير مستغلة، وامكانياتنا بلا حدود في مجال «البركات» والكائنات «المباركة». في جميع مدننا ترتفع الرايات والبيارق فوق آلاف الأبنية للتدليل على أن من بداخلها من الأحياء والأموات، من أصحاب الحظوة والبركة، حتى الأجناس الأخرى التي تحتك بنا تصيبها بركاتنا.
في السبعينيات كان فريق من المهندسين الصينيين يقوم بتشييد جسر في منطقة «الجزيرة» بوسط السودان، عندما غرق أحدهم في النهر وقرر زملاؤه أن يظل النهر قبره، ولكن سكان القرى المجاورة بحثوا عن الجثة ليل نهار حتى عثروا عليها، وتم دفنه بالقرب من الجسر فبنى له رفاقه مقبرة جميلة نقشوا عليها مقتطفات من أقوال الزعيم ماو تسي دونغ، وبعد حين من الدهر ارتفعت الرايات فوق قبر «الشيخ» الصيني (يسميه أهل المنطقة الفكي الصيني) وأصبح قبره مزارا تذبح حوله الذبائح طلباً للبركة والدعاء المستجاب، ولو لم يأت إلينا ذلك الصيني لما اكتشف هو أو ذووه إنه من «الصالحين».
المهم أن نفكر في طريقة نستثمر بها طاقاتنا الهائلة في مجال الاستخدام السلمي للبركات النابعة من مختلف المصادر، سواء أكانت أبنية مزركشة أو حيوانات أليفة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك