العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

أنا أيضا صرت مليونيرا

السؤال‭ ‬التالي‭ ‬موجه‭ ‬إلى‭ ‬نحو‭ ‬90‭ ‬بالمائة‭ ‬من‭ ‬القراء‭: ‬كيف‭ ‬يكون‭ ‬شعورك‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬راتبك‭ ‬خمسمائة‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬اليوم؟‭ ‬أو‭ ‬25‭ ‬ألف‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬الشهر؟‭ ‬واوووو‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬الخواجات،‭ ‬بمبلغ‭ ‬كهذا‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تتزوج،‭ ‬أو‭ ‬تأتي‭ ‬لزوجتك‭ ‬بضرّة،‭ ‬أو‭ ‬تستبدل‭ ‬سيارتك‭ ‬الكورية‭ ‬بأخرى‭ ‬ألمانية،‭ ‬أو‭ ‬تشتري‭ ‬أسهماً‭ ‬في‭ ‬شركة‭ ‬قال‭ ‬أصدقاؤك‭ ‬إن‭ ‬أسهمها‭ ‬ستطير‭ ‬فوق‭ ‬السحاب،‭ ‬وينتهي‭ ‬بك‭ ‬الأمر‭ ‬وعقلك‭ ‬طائر‭ ‬فوق‭ ‬السحاب‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يصيب‭ ‬سهم‭ ‬ساقط‭ ‬في‭ ‬اندفاع‭ ‬شديد‭ ‬دماغك‭ ‬ويسبب‭ ‬لك‭ ‬لوثة‭ ‬عقلية‭!‬

طيب‭ ‬ما‭ ‬رأيك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬شخصاً‭ ‬ما‭ ‬راتبه‭ ‬مائة‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬الدقيقة‭ ‬الواحدة؟‭ ‬ذلك‭ ‬الشخص‭ ‬اسمه‭ ‬لي‭ ‬آر‭. ‬رايموند،‭ ‬وكان‭ ‬حتى‭ ‬قبل‭ ‬بضعة‭ ‬أشهر‭ ‬المدير‭ ‬التنفيذي‭ ‬للشركة‭ ‬النفطية‭ ‬العملاقة‭ ‬إكسون‭ ‬موبيل،‭ ‬وخلال‭ ‬العام‭ ‬المنصرم‭ ‬وحده‭ ‬دفعت‭ ‬الشركة‭ ‬لرايموند‭ ‬هذا‭ ‬نحو‭ ‬350‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭ ‬كحوافز‭ (‬بونص‭) ‬وبعضها‭ ‬قيمة‭ ‬الأسهم‭ ‬التي‭ ‬أهديت‭ ‬له،‭ ‬بمناسبة‭ ‬أدائه‭ ‬المتميز‭. ‬وكما‭ ‬قال‭ ‬كاتب‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬نيويورك‭ ‬تايمز‭ ‬فقد‭ ‬ظلت‭ ‬شركة‭ ‬إكسون‭ ‬موبيل‭ ‬قائمة‭ ‬ورابحة‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يلتحق‭ ‬بها‭ ‬رايموند،‭ ‬وستظل‭ ‬قائمة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يتقاعد‭. ‬سبحانه‭ ‬مقسم‭ ‬الأرزاق،‭ ‬فمصائب‭ ‬قوم‭ ‬عند‭ ‬قوم‭ ‬فوائد‭: ‬حدث‭ ‬قبل‭ ‬سنتين‭ ‬أو‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬أن‭ ‬مات‭ ‬العراقيون‭ ‬والسوريون‭ ‬بالجملة‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬ساعات‭ ‬اليوم‭ ‬بينما‭ ‬كانت‭ ‬داعش‭ ‬تبيع‭ ‬برميل‭ ‬النفط‭ ‬العراقي‭ ‬والسوري‭ ‬بسعر‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬سعر‭ ‬برميل‭ ‬الماء‭ ‬المالح‭ ‬لسوريين‭ ‬وعراقيين،‭ ‬وتسبب‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬هبوط‭ ‬أسعار‭ ‬النفط‭ ‬في‭ ‬البلدين‭ ‬عموديا،‭ ‬ولكن‭ ‬ارتفع‭ ‬راتب‭ ‬مدير‭ ‬شركة‭ ‬نفطية‭ ‬أمريكية،‭ ‬ذات‭ ‬نزعات‭ ‬تسويقية‭ ‬داعشية‭.‬

كان‭ ‬آخر‭ ‬راتب‭ ‬تقاضاه‭ ‬ستيف‭ ‬جوبس‭ ‬مؤسس‭ ‬شركة‭ ‬أبل‭ ‬للكمبيوتر‭ ‬قبل‭ ‬رحيله‭ ‬عن‭ ‬الدنيا‭ ‬يبلغ‭ ‬875‭ ‬مليون‭ ‬دولار،‭ (‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬لجوبس‭ ‬هذا‭ ‬أي‭ ‬علاقة‭ ‬باختراع‭ ‬الآيفون‭ ‬والآيباد‭ ‬وغيرهما‭ ‬ولكنه‭ ‬كان‭ ‬شاطرا‭ ‬في‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬مهارات‭ ‬الآخرين‭)‬،‭ ‬بينما‭ ‬بلغ‭ ‬راتب‭ ‬مايكل‭ ‬إيسنر‭ ‬المدير‭ ‬السابق‭ ‬لشركة‭ ‬والت‭ ‬ديزني‭ ‬577‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬السنة‭. ‬وأنا‭ ‬وأنت‭ ‬وغيرنا‭ ‬ندفع‭ ‬لشراء‭ ‬الآيفون‭ ‬ومشاهدة‭ ‬أفلام‭ ‬أو‭ ‬زيارة‭ ‬مدن‭ ‬ديزني‭ ‬الترفيهية،‭ ‬وفلوس‭ ‬الملايين‭ ‬منا‭ ‬تدخل‭ ‬جيب‭ ‬شخص‭ ‬واحد‭!!‬

قبل‭ ‬نحو‭ ‬خمس‭ ‬عشرة‭ ‬سنة،‭ ‬شرع‭ ‬الجنيه‭ ‬السوداني‭ ‬في‭ ‬الانتحار‭ ‬البطيء‭ ‬بسبب‭ ‬الازدهار‭ ‬الاقتصادي‭ ‬وحالة‭ ‬السلم‭ ‬والاستقرار‭ ‬التي‭ ‬عمت‭ ‬ومازالت‭ ‬تعم‭ ‬البلاد،‭ ‬وتلقيت‭ ‬في‭ ‬نحو‭ ‬عام‭ ‬2003‭ ‬اتصالاً‭ ‬هاتفياً‭ ‬بأن‭ ‬حالة‭ ‬والدتي‭ ‬الصحية‭ ‬تستوجب‭ ‬نقلها‭ ‬إلى‭ ‬مستشفى‭ ‬خاص،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فلا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬أرسل‭ ‬نفقات‭ ‬علاجها‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬السرعة‭.. ‬قلت‭: ‬بالتأكيد‭.. ‬كم‭ ‬المبلغ‭ ‬اللازم‭ ‬لعلاجها‭ ‬كي‭ ‬أرسله‭ ‬على‭ ‬الفور،‭ ‬أو‭ ‬أطلب‭ ‬من‭ ‬صديق‭ ‬ميسور‭ ‬الحال‭ ‬أن‭ ‬يسلمه‭ ‬للعائلة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬أقوم‭ ‬بتحويله‭ ‬مصرفياً‭ ‬في‭ ‬غضون‭ ‬ساعات؟‭ ‬قالوا‭: ‬أربعة‭ ‬ملايين؟‭ ‬وات؟‭ (‬عندما‭ ‬أصاب‭ ‬باضطرابات‭ ‬عقلية‭ ‬ونفسية‭ ‬تتسلل‭ ‬كلمات‭ ‬إنجليزية‭ ‬قصيرة‭ ‬إلى‭ ‬لساني‭) ‬ماذا؟‭ ‬قالوا‭: ‬أربعة‭ ‬ملايين‭ ‬بس‭!!‬

أحسست‭ ‬بطعنة‭ ‬مؤلمة‭ ‬في‭ ‬صدري‭ ‬وضيق‭ ‬في‭ ‬التنفس،‭ ‬لسببين‭: ‬أولهما‭ ‬أن‭ ‬مطالبة‭ ‬المستشفى‭ ‬بمبلغ‭ ‬مهول‭ ‬كذلك‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬حالة‭ ‬أمي‭ ‬الصحية‭ ‬حرجة،‭ ‬وثانيهما‭ ‬أنني‭ ‬لو‭ ‬كنت‭ ‬مليونيراً‭ ‬لما‭ ‬بقيت‭ ‬‮«‬مهاجرا‮»‬‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬ولكنت‭ ‬قريباً‭ ‬من‭ ‬أمي‭ ‬في‭ ‬المنشط‭ ‬والمكره‭! ‬من‭ ‬أين‭ ‬لي‭ ‬بأربعة‭ ‬ملايين؟‭ ‬قلت‭ ‬لشقيقي‭ ‬الذي‭ ‬كلفني‭ ‬بإرسال‭ ‬ذلك‭ ‬المبلغ‭ ‬المهول‭: ‬عندي‭ ‬قطعة‭ ‬أرض‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬كذا‭ ‬فاعرضها‭ ‬للبيع‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬السرعة‭ ‬لتوفير‭ ‬نفقات‭ ‬علاج‭ ‬الوالدة‭. ‬فصاح‭ ‬في‭ ‬وجهي‭: ‬أنت‭ ‬مجنون؟‭ ‬أربعة‭ ‬ملايين‭ ‬هذه‭ ‬تساوي‭ ‬نحو‭ ‬700‭ ‬دولار‭.‬

كنت‭ ‬وقتها‭ ‬قد‭ ‬‮«‬قاطعت‮»‬‭ ‬السودان‭ ‬نحو‭ ‬12‭ ‬سنة‭ ‬متصلة،‭ ‬وما‭ ‬أن‭ ‬أدركت‭ ‬أن‭ ‬الملايين‭ ‬بالجنيه‭ ‬السوداني‭ ‬لا‭ ‬تبرر‭ ‬الإصابة‭ ‬بالسكتة‭ ‬القلبية‭ ‬حتى‭ ‬ذهبت‭ ‬إلى‭ ‬الصرافة‭ ‬وحولت‭ ‬لأهلي‭ ‬خمسة،‭ ‬وليس‭ ‬أربعة‭ ‬ملايين،‭ ‬كما‭ ‬طلبوا،‭ ‬ولأنني‭ ‬لا‭ ‬أفهم‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والأمور‭ ‬المالية‭ ‬فقد‭ ‬سعدت‭ ‬بتدهور‭ ‬قيمة‭ ‬الجنيه‭ ‬السوداني‭ ‬لأن‭ ‬ذلك‭ ‬جعلني‭ ‬مليونيراً‭ ‬ولو‭ ‬على‭ ‬الورق،‭ ‬طالما‭ ‬أن‭ ‬عدد‭ ‬الأصفار‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يحدد‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الرقم‭ ‬مليونا‭ ‬أو‭ ‬لا‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا