زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
أنا أيضا صرت مليونيرا
السؤال التالي موجه إلى نحو 90 بالمائة من القراء: كيف يكون شعورك لو كان راتبك خمسمائة دولار في اليوم؟ أو 25 ألف دولار في الشهر؟ واوووو كما يقول الخواجات، بمبلغ كهذا تستطيع أن تتزوج، أو تأتي لزوجتك بضرّة، أو تستبدل سيارتك الكورية بأخرى ألمانية، أو تشتري أسهماً في شركة قال أصدقاؤك إن أسهمها ستطير فوق السحاب، وينتهي بك الأمر وعقلك طائر فوق السحاب بعد أن يصيب سهم ساقط في اندفاع شديد دماغك ويسبب لك لوثة عقلية!
طيب ما رأيك في أن شخصاً ما راتبه مائة دولار في الدقيقة الواحدة؟ ذلك الشخص اسمه لي آر. رايموند، وكان حتى قبل بضعة أشهر المدير التنفيذي للشركة النفطية العملاقة إكسون موبيل، وخلال العام المنصرم وحده دفعت الشركة لرايموند هذا نحو 350 مليون دولار كحوافز (بونص) وبعضها قيمة الأسهم التي أهديت له، بمناسبة أدائه المتميز. وكما قال كاتب في صحيفة نيويورك تايمز فقد ظلت شركة إكسون موبيل قائمة ورابحة قبل أن يلتحق بها رايموند، وستظل قائمة بعد أن يتقاعد. سبحانه مقسم الأرزاق، فمصائب قوم عند قوم فوائد: حدث قبل سنتين أو ثلاث سنوات أن مات العراقيون والسوريون بالجملة على مدار ساعات اليوم بينما كانت داعش تبيع برميل النفط العراقي والسوري بسعر أقل من سعر برميل الماء المالح لسوريين وعراقيين، وتسبب هذا في هبوط أسعار النفط في البلدين عموديا، ولكن ارتفع راتب مدير شركة نفطية أمريكية، ذات نزعات تسويقية داعشية.
كان آخر راتب تقاضاه ستيف جوبس مؤسس شركة أبل للكمبيوتر قبل رحيله عن الدنيا يبلغ 875 مليون دولار، (ولم تكن لجوبس هذا أي علاقة باختراع الآيفون والآيباد وغيرهما ولكنه كان شاطرا في الاستثمار في مهارات الآخرين)، بينما بلغ راتب مايكل إيسنر المدير السابق لشركة والت ديزني 577 مليون دولار في السنة. وأنا وأنت وغيرنا ندفع لشراء الآيفون ومشاهدة أفلام أو زيارة مدن ديزني الترفيهية، وفلوس الملايين منا تدخل جيب شخص واحد!!
قبل نحو خمس عشرة سنة، شرع الجنيه السوداني في الانتحار البطيء بسبب الازدهار الاقتصادي وحالة السلم والاستقرار التي عمت ومازالت تعم البلاد، وتلقيت في نحو عام 2003 اتصالاً هاتفياً بأن حالة والدتي الصحية تستوجب نقلها إلى مستشفى خاص، ومن ثم فلا بد أن أرسل نفقات علاجها على وجه السرعة.. قلت: بالتأكيد.. كم المبلغ اللازم لعلاجها كي أرسله على الفور، أو أطلب من صديق ميسور الحال أن يسلمه للعائلة على أن أقوم بتحويله مصرفياً في غضون ساعات؟ قالوا: أربعة ملايين؟ وات؟ (عندما أصاب باضطرابات عقلية ونفسية تتسلل كلمات إنجليزية قصيرة إلى لساني) ماذا؟ قالوا: أربعة ملايين بس!!
أحسست بطعنة مؤلمة في صدري وضيق في التنفس، لسببين: أولهما أن مطالبة المستشفى بمبلغ مهول كذلك يعني أن حالة أمي الصحية حرجة، وثانيهما أنني لو كنت مليونيراً لما بقيت «مهاجرا» في الخليج ولكنت قريباً من أمي في المنشط والمكره! من أين لي بأربعة ملايين؟ قلت لشقيقي الذي كلفني بإرسال ذلك المبلغ المهول: عندي قطعة أرض في المنطقة كذا فاعرضها للبيع على وجه السرعة لتوفير نفقات علاج الوالدة. فصاح في وجهي: أنت مجنون؟ أربعة ملايين هذه تساوي نحو 700 دولار.
كنت وقتها قد «قاطعت» السودان نحو 12 سنة متصلة، وما أن أدركت أن الملايين بالجنيه السوداني لا تبرر الإصابة بالسكتة القلبية حتى ذهبت إلى الصرافة وحولت لأهلي خمسة، وليس أربعة ملايين، كما طلبوا، ولأنني لا أفهم في الاقتصاد والأمور المالية فقد سعدت بتدهور قيمة الجنيه السوداني لأن ذلك جعلني مليونيراً ولو على الورق، طالما أن عدد الأصفار هو الذي يحدد ما إذا كان الرقم مليونا أو لا.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك