زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
لو كانت عندي كُلية إضافية..
في الأنباء أن هناك شاباً عربياً غلباناً مزودا بثلاث كليات (كلاوي) تعمل جميعاً بكفاءة وعلى نحو منفصل. اللهم لا حسد، اللهم زد وبارك، ولكن هذا الشاب رفض أن يبيع كلية لأحد الأثرياء العرب الذي أبدى استعداده لدفع الملايين! عندما قرأت ذلك قلت بصوت عالٍ «يدّي الحلَق للي ما لوش ودان». يا بني أين التضامن العربي؟ والظفر الذي لا يطلع من اللحم؟ ثم ان المسألة فيها ملايين، والملايين «ملايين» سواء كانت بالدولار الإثيوبي أو الأمريكي!
جسم الإنسان عادة مزود بكليتين، (نقطة نظام، عضو الجسم الذي أتحدث عنه هنا «الكُلية» بضم الكاف، وليس كسرها كما يفعل كثيرون، وصيغة الجمع منها «كُلى» بضم الكاف أيضا، ولكنني وغيري نقول في الكلام العام «كلاوي») المهم: يقول الأطباء إن الإنسان يستطيع أن يعيش بنصف كلية، إذا تطلب الأمر استئصال كلية كاملة ونصف الأخرى، فماذا دهى صاحبنا؟ لو كانت لدي ثلاث كليات لما ترددت في فتح دكان في شارع اوكسفورد في لندن، وعرض الكلية الزائدة للبيع بالتقسيط المريح كي لا أضطر إلى إغلاق الدكان فور العثور على زبون، وكنت بذلك سأرفع رأس الأمة العربيقية (العربية-الإفريقية) عالياً في المحافل السوقية، وتسمية المحل «جيه أي كيه JAK= جافر أباس كلاوي»، بل لم يكن من الوارد أن أمانع في بيع الكلية الإضافية مجزأة، يعني نصفها لزبون، وربعها لآخر، والربع الثاني هدية إلى هيئة الصحة العالمية لتجري عليه تجارب نووية للتدليل على أن شرب الماء المغشوش الذي تبيعه حكومات العالم الثالث لمواطنيها يحصّن الكلية «بالحصاوي» بحيث يصعب على الميكروبات والفيروسات والإشعاعات اختراقها.
وبصراحة أكثر فإنني لا أمانع في بيع إحدى كليتي إذا وجدت زبوناً من ذوي الوزن الثقيل والعقل القليل. وبتفصيل أكثر أقول، إنه إذا كانت كلية واحدة تكفي فلا بأس من الحصول على بضعة آلاف من الدولارات من بيع الأخرى، ووصفت من يشتري مني كلية بقلة العقل، لأن فتح بطني للتنقيب والبحث عن الكلية المطمورة تحت أطنان من الحصى والكثبان الرملية سيكلف مبالغ طائلة.
داعبت مرة أحد أصدقائي من الأطباء وطلبت منه أن يجد من يشتري عيني اليسرى لاستخدامها في زرع قرنية (باعتبار أن حال اليمنى ميؤوس منه) فردّ علي بقوله إن مجرد قدرة عيني على الإبصار يعتبر معجزة طبية إلهية، أصابني قوله هذا بغُصَّة، وخاصة أنني ذهبت ذات مرة إلى بنك دم في بريطانيا للتبرع بالدم العربي الزكي الطاهر، فسألوني عن الأمراض التي أصبت بها فقلت عرضاً إنني أصبت بالملاريا نحو عشرين مرة «فقط لا غير» فانفضوا من حولي وكأنني مصاب بالجرب، وتألمت لذلك، فأنا لم أرغب في التبرع بدمي المغشوش لاعتبارات إنسانية، بل لأنني أعاني من عقدة اسمها «رصيد بنكي»، يعني أحلم بأن يكون لدي رصيد غير قابل للسحب العشوائي في أحد البنوك، وأن أتمكن من إقراض أصدقائي المشمولين بآية الزكاة (وبعضهم يعمل في الإذاعات والتلفزيونات. تسمع أصواتهم تلعلع فتحسبهم أبناء عمومة الوليد بن طلال، بينما جيوبهم كفؤاد أم موسى!!) وبالطبع فإن دمي المتبرع به كان سيوزع كقروض وهبات على المرضى البريطانيين، الأمر الذي كان سيرضي غروري ورغبات الاستعلاء الكامنة في تلافيف عقلي الباطن والظاهر.
وبما أن الطب الحديث قد اتخذ «موقفاً» ضدي يمنعني من استثمار قطع الغيار التي زودني بها الخالق الوهاب، فإنني لا أملك سوى التطوع بنصح أبناء العروبة بعدم التردد في بيع الفوائض من أجزاء أجسامهم، فليس في العالم العربي ما يستحق أن يرى بأكثر من عين واحدة. بل إن نصف مخ يكفي لأن كمال العقل يؤدي إلى التهلكة!!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك