زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
مالنا وكرة القدم
مع أننا قوم بارعون في اكتشاف المؤامرات، إلا أنني لم أقرأ حتى الآن تحليلاً عبقرياً يفيد بأن بطولة كرة القدم الأوروبية التي تدور رحاها حاليا، مؤامرة استعمارية أو صهيونية «لإلهاء» أمتنا عن قضاياها المصيرية، مع أنها بالفعل لهت الجميع عن حروب السودان وليبيا وسوريا واليمن، والزفت والهباب في مختلف أنحاء منطقتنا وأعمال الذبح والتفجير التي صارت وجبة يومية
ورغم أن ثقافتي الكروية مثل ثقافة شعبولا في الموسيقى والغناء، (وذكرت هنا في أخبار الخليج مرارا أن علاقتي بالرياضة عموما ساءت وتدهورت، لأنني حسبت منذ الصبا الباكر ان لها علاقة بالرياضيات التي كنت أحسب ان وزارة التربية اخترعتها لإذلالي)، المهم أنني استرقت بضع لحظات لمشاهدة الفرحة في عيون العرب، وهم يقولون إن فلان الذي يلعب لنادي زفتدوريا الإيطالي جزائري، ولاعب خط الهجوم في برشمونا الإسباني مغربي، بعد أن لم يعد ممكنا التباهي بالفرنسي زين الدين زيدان، الذي كان محط فخر أمة أدمنت الخيبة والفشل والبكاء على الأطلال، وبأن زيدان هذا «أصلاً» جزائري، يعني بلدياتنا، ويذكرني هذا بفرح المسلمين في ستينات وسبعينات القرن الماضي بنجاحات محمد علي كلاي في حلبات الملاكمة فقط لأنه مسلم، رغم أنه كان يخوض المنافسات كأمريكي، ورغم أن الملاكمة رياضة لا أعتقد أن صحيح الاسلام يقرها لأنها تقوم على إلحاق الأذى المتعمد بشخص آخر، لم يهاجمك في عرضك أو مالك. ثم تقاعد كلاي وظهر البرنس حميد وهو بريطاني (نعم بريطاني) من شفيلد بإنجلترا، وصال وجال في مجال الملاكمة، وياما صرع شباباً أقوياء بقبضته سريعة الطلقات، فعمّ البشر والسرور أرجاء العالم العربي؟ لماذا؟ لأنه «أصلاً» يمني! ثم انهزم في ذات مباراة فعم الحداد أرجاء الحظيرة العربية ودخل اليمنيون في إضراب غير معلن عن العمل فأغلقت المتاجر أبوابها وأحجم الطلاب عن الذهاب إلى المدارس، وجف الحليب في ضروع الماعز! فقام الحوثيون مشكورين بنصب حلبات الملاكمة بالأسلحة الثقيلة والخفيفة في مختلف أرجاء اليمن.
كم نحن مساكين،.. أنفقنا على الرياضة مليارات لو فرشناها على الأرض لشكلت بساطاً من الورق على طول المسافة من بكين إلى الدار البيضاء، وعندنا هوس عجيب بكرة القدم بالذات، يصل إلى حد أن يطرد الأب ابنه من البيت لأنه أهلاوي «مثلاً»، أو يقاطع الابن بيت العائلة لأن فريقه انهزم ويخشى أن يعايره بقية أفراد العائلة بالهزيمة، وتشاهد لعب تلك الفرق التي بسببها يتشاجر الناس ويدخلون المخافر والسجون، فتعجب كيف يسمح أعضاء الفريق لأنفسهم أن يرتدوا ملابس رياضة لا يعرفون أبجدياتها.
من الواضح من الكلام أعلاه أنني لا أحب كرة القدم، وحقيقة الأمر هي أنني استمتع بكرة القدم الحقيقية، ولكن لا يعجبني الهوس بكرة القدم بين قوم لا يحسنون ممارسة اللعبة. يمكنني أن أتقبل أن يتعصب انسان لفريق كرة قدم مثل مانشستر يونايتد أو يوفنتوس، ولكنني لا أفهم كيف يدفع إنسان آلافاً مؤلفة ليسافر على نفقته إلى بلد بعيد تخوض فيه فرقة الدراويش التي يشجعها مباراة، ليعودوا وهم يقولون «خسرنا بشرف»، أو «هزمنا التحكيم الجائر» ومع هذا فقد شجعت أصغر عيالي على لعب كرة القدم، على أمل أن يصبح لاعباً ولو « نُص كُم» فيشتريه أحد الأندية ببضع ملايين، وما زلت أعتقد أنه لن يخيب أملي فيه، فقد اختار حراسة المرمى وخاض مباراة العام الماضي كحارس مرمى لفريق الحي ودخل مرماه 12 هدفاً فقط!!! لا تتهكم عليه، فقد أحرز فريقه 18 هدفاً في مرمى الفريق الآخر، وحدثت قفزة في مستواه. فعند نهاية الفصل الدراسي العاشر قبل سنوات قليلة، خاض مباراة ضد فريق آخر ودخل مرماه عشرة أهداف.. ودخل نفس العدد من الأهداف مرمى الخصم، وما يبشر بأن مستقبله الكروي مضمون أنه عاد إلى البيت في المرتين سعيداً. دخل مرماه 22 هدفاً في مباراتين ويعتبر ذلك إنجازاً!! معنى ذلك أن جيناته الكروية عربية.. وجلده سميك.. لا يحس.. والنصر والهزيمة سيم سيم، طالما «العداد شغال»..
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك