زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
يا نهار أسود
الأمريكان يعرفون عن كوكب المريخ، أكثر مما يعرفونه عن المسلمين والعرب، فقد بات معروفاً أننا متهمون بالإرهاب وكل أنواع الهباب، وفي هذا ظلم لنا، فنحن أمة تعاني من الصمم والبكم بفعل فاعل، بعد أن قفل ولاة الأمر في وجوهنا أبواب الاجتهاد في العلوم والمعارف العامة، وصرنا نعاني من الأنيميا الثقافية لفرط تعاطينا المعلبات السكند هاند ذات الصلاحية المنعدمة والمنتهية التي تقدمها لنا وسائل الإعلام الرسمية! والمسلم العربي «غلباااااااان» في عقله، وجوعان في بطنه، ومع هذا فإن أمريكا تتعامل معه بمنطق «المسكين سكين»، وتسيء به الظن، ومن ثم ابتدعت وسائل وتقنيات تكشف نواياه الشريرة.
من يسافر إلى بريطانيا وامريكا لا يتعرض فقط للكشف بالأشعة على امتعته، وبالأيدي عن أعضاء جسمه بما في ذلك عورته، بل سيقف امام اشخاص يرتدون نظارات شمسية، يسألونه بكل براءة: إلى اين تتجه؟ فتقول صادقاً (مثلا): إنني ذاهب إلى لاس فيجاس للعب القمار بما يسهم في تنشيط الاقتصاد الأمريكي! فيبتسم في وجهك بخبث ويقول لك: على جون يا فرعون؟ قل الحقيقة، قبل أن أطلب لك الكلاب البوليسية لـ«تفرمك» (لن أنسى قط تجربة أول زيارة لي للولايات المتحدة عندما نزلت في مطار واشنطن – دالس، وذهبوا بي في مكان فيه ركاب من سوريا وإيران وأتوا بكلب في حجم وحيد القرن ليشمنا ويشم أمتعتنا، وكدت أصاب بانهيار عصبي عندما توقف الكلب أمامي وصار يشم حذائي، ثم صرفه الله عني).
على كل حال إذا استجوبك لابس نظارة سوداء في مطار غربي فمن الخير لك أن تعترف بأنك إرهابي على خفيف، لا أنت في الخلايا الإرهابية النائمة، ولا الخلايا الصاحية. قل لهم إنك في الخلايا الناعسة! يعني تعترف بأنك فكرت –مجرد تفكير في الانضمام إلى تنظيم إرهابي، ولكنك اصبت بالنعاس وفات عليك ان تستكمل إجراءات العضوية، وفي هذه الحالة سيسجنونك فترة بسيطة لا تزيد على سنة أو اثنتين ثم يطلقون سراحك، ويا ويلك إذا عاندت لأنهم قد ينقلونك إلى مكان كسجن أبو غريب في بغداد، وكلنا نعرف كيف ان الفتاة المستنسخة من ضفدع «ليندي إينغلندا» كانت تعذب السجناء بالسير أمامهم وهي عارية، وما أقسى على السجين أن يرى حارسة سجن تشبه روبرت موغابي.
النظارة السوداء التي يرتديها من يلاقونك في مطارات أمريكا، من اختراع العالم الإسرائيلي عامير ليبرمان، وهي جهاز لكشف الكذب، مزود برقاقة دقيقة تتولى تحليل الموجات الصوتية وتحلل نبرات الصوت، ودرجة توتر الشخص الخاضع للاستجواب، ومعنى هذا أن المئات من الأبرياء سيتعرضون للسجن والمرمطة خلال زياراتهم المرتقبة للدول الغربية، فأنت مثلا قلت لزوجتك إنك ذاهب إلى أمريكا لدخول مايو كلينيك لاستئصال اللوزتين، وردت عليك بقولها إنه سبق لك استئصال اللوزتين في القاهرة قبل سنتين، فتفحمها بقولك إن اللوزتين نبتتا من جديد، مما يتطلب مهارات جراحية لا تتوافر إلا في مكان مثل مايو كلينيك! وحقيقة الأمر أنك تعتزم التوجه إلى شواطئ ميامي في فلوريدا حيث اللاتينيات من طراز حنيفر لوبيز، ولكنك وعندما يستجوبك أبو نظارة، لن تستطيع أن تقول مثلا إنك تريد دعم العنصر النسائي في المعارضة الكوبية، وستقول كلاماً سخيفاً مثل: أريد زيارة المتاحف ومعارض الفنون!! هنا سيومض مصباحا صغيرا في النظارة ليقول إنك كاذب أشر! وبعدها ستركب كل عفاريت الأرض لابس النظارة، ويمسك بك من تلابيبك ويجرجرك من غرفة إلى أخرى على مدى أربعة أيام، تحرم خلالها من النوم، وتجد نفسك في اليوم الخامس تعترف بأشياء عجيبة: الحقيقة أسامة بن لادن أعطاني أمس ثلاثين ألف دولار صومالي كي أقوم بتوصيلها إلى ابنه محمد المختبئ في فيلا في سان فرانسيسكو جنوب تكريت ليشتري بها آيسكريم مفخخا!
يا عرب: والله مشكلة. إذا ذهبتم إلى أمريكا فضحتكم النظارات السوداء، وإذا ذهبتم إلى بانكوك اصطادتكم بلاوي فقدان المناعة! داهية تاخد عامير وتاخد أمريكا.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك