العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

الخير دوَّار

كانت‭ ‬السيدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬العجوز‭ ‬متوجهة‭ ‬إلى‭ ‬مدينة‭ ‬سانت‭ ‬لويس،‭ ‬عندما‭ ‬اضطرت‭ ‬للتوقف‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬ممطر‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬صحراوية‭ ‬لأن‭ ‬أحد‭ ‬إطارات‭ ‬سيارتها‭ ‬المرسيدس،‭ ‬‮«‬نزل‮»‬‭ ‬كما‭ ‬نقول‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬عندما‭ ‬يصبح‭ ‬الإطار‭ (‬الذي‭ ‬نسميه‭ ‬‮«‬لستك‮»‬‭ ‬تحويرا‭ ‬لـ«إلاستك‮»‬‭ ‬الإنجليزية‭ ‬وتعني‭ ‬‮«‬مطاطي‮»‬‭ ‬ويسميه‭ ‬الخليجيون‭ ‬‮«‬تاير‮»‬‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬اسمه‭ ‬بالإنجليزية‭) ‬مُفَرغا‭ ‬من‭ ‬الهواء،‭ ‬فجلست‭ ‬داخل‭ ‬السيارة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أدركت‭ ‬أنها‭ ‬بلا‭ ‬حيلة‭ (‬بالمناسبة‭ ‬اعترف‭ ‬بأنني‭ ‬جاهل‭ ‬بكل‭ ‬أمور‭ ‬السيارات‭ ‬ولا‭ ‬أعرف‭ ‬كيف‭ ‬ابدِّل‭ ‬اطار‭ ‬السيارة‭ ‬المعطوب‭ ‬او‭ ‬المثقوب‭)‬،‭ ‬ثم‭ ‬فوجئت‭ ‬العجوز‭ ‬برجل‭ ‬مبهدل‭ ‬الهيئة،‭ ‬يوقف‭ ‬سيارته‭ ‬المكعكعة‭ ‬التي‭ ‬أكل‭ ‬الدهر‭ ‬عليها‭ ‬ولم‭ ‬يجد‭ ‬ما‭ ‬يشرب،‭ ‬ويتجه‭ ‬إليها،‭ ‬ورغم‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬مبتسما‭ ‬فقد‭ ‬خشيت‭ ‬أن‭ ‬يستغل‭ ‬خلو‭ ‬المنطقة‭ ‬من‭ ‬البشر،‭ ‬ويسلب‭ ‬مجوهراتها‭ ‬ونقودها‭ ‬وربما‭ ‬حتى‭ ‬سيارتها،‭ ‬ولكن‭ ‬الرجل‭ ‬سألها‭ ‬بأدب‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬مساعدة،‭ ‬فحدثته‭ ‬وهي‭ ‬متوجسة‭ ‬عن‭ ‬الإطار‭ ‬‮«‬المعطوب‮»‬،‭ ‬ثم‭ ‬أغلقت‭ ‬نافذة‭ ‬السيارة‭ ‬وأبوابها‭ ‬بإحكام‭ ‬وجلست‭ ‬وهي‭ ‬تفكر‭ ‬في‭ ‬احتمال‭ ‬اعتدائه‭ ‬عليها‭. ‬فتح‭ ‬الرجل‭ ‬الشنطة‭ ‬الخلفية‭ ‬في‭ ‬المرسيدس‭ ‬وأخرج‭ ‬الإطار‭ ‬الاحتياطي،‭ ‬ثم‭ ‬زحف‭ ‬تحت‭ ‬السيارة‭ ‬ووضع‭ ‬الرافعة‭ (‬التي‭ ‬نسميها‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬عفريتة،‭ ‬ولا‭ ‬أعرف‭ ‬لماذا‭ ‬عفرتناها،‭ ‬وتسمى‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬‮«‬جيك‮»‬‭ ‬تحويرا‭ ‬للتسمية‭ ‬الإنجليزية‭ ‬‮«‬جاك‮»‬‭) ‬في‭ ‬المكان‭ ‬الصحيح،‭ ‬ثم‭ ‬شرع‭ ‬في‭ ‬تثبيت‭ ‬الإطار‭ ‬الاحتياطي‭ ‬السليم،‭ ‬ثم‭ ‬أشار‭ ‬لصاحبة‭ ‬السيارة‭ ‬وهو‭ ‬يبتعد‭ ‬بملابسه‭ ‬الملطخة‭ ‬بالطين‭ ‬بما‭ ‬معناه‭: ‬المهمة‭ ‬اكتملت،‭ ‬ففتحت‭ ‬السيدة‭ ‬نافذة‭ ‬السيارة،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬اطمأنت‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬مجرما،‭ ‬وقالت‭ ‬له‭ ‬إنها‭ ‬على‭ ‬استعداد‭ ‬لدفع‭ ‬المبلغ‭ ‬الذي‭ ‬يطلبه‭ ‬نظير‭ ‬المهمة‭ ‬التي‭ ‬أداها،‭ ‬ولكن‭ ‬الرجل‭ ‬قال‭ ‬لها‭ ‬إن‭ ‬ما‭ ‬فعله‭ ‬ليس‭ ‬مهمة،‭ ‬بل‭ ‬واجب‭ ‬أخلاقي،‭ ‬وأنه‭ ‬يا‭ ‬ما‭ ‬تلقى‭ ‬مساعدات‭ ‬من‭ ‬أناس‭ ‬لا‭ ‬يعرفهم‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬حرجة،‭ ‬ثم‭ ‬أضاف‭: ‬بإمكانك‭ ‬ان‭ ‬تدفعي‭ ‬المبلغ‭ ‬الذي‭ ‬كنت‭ ‬تريدين‭ ‬دفعه‭ ‬لي،‭ ‬لأي‭ ‬شخص‭ ‬محتاج‭ ‬الى‭ ‬مساعدة‭ ‬تصادفينه‭ ‬مستقبلا،‭ ‬وقولي‭ ‬هذا‭ ‬مني،‭ ‬ومن‭ ‬رجل‭ ‬اسمه‭ ‬برايان‭ ‬أندرسون‭ (‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬اسم‭ ‬الرجل‭ ‬الذي‭ ‬ساعد‭ ‬العجوز‭ ‬صاحبة‭ ‬المرسيدس‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬اطار‭ ‬السيارة‭). ‬

وشكرته‭ ‬العجوز‭ ‬بحرارة،‭ ‬ثم‭ ‬انطلقت‭ ‬بسيارتها،‭ ‬وبعد‭ ‬كيلومترات‭ ‬قليلة،‭ ‬توقفت‭ ‬عند‭ ‬مطعم‭ ‬ريفي‭ ‬مهلهل‭ ‬البناء‭ ‬ورث‭ ‬الأثاث،‭ ‬وفور‭ ‬جلوسها‭ ‬داخل‭ ‬المطعم‭ ‬أتتها‭ ‬جرسونة‭ ‬بفوطة‭ ‬نظيفة،‭ ‬وعرضت‭ ‬عليها‭ ‬استخدامها‭ ‬لتجفيف‭ ‬شعرها‭ ‬المبتل،‭ ‬لأن‭ ‬بعض‭ ‬حبات‭ ‬المطر‭ ‬نزلت‭ ‬عليه‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬طريقها‭ ‬من‭ ‬السيارة‭ ‬الى‭ ‬المطعم،‭ ‬ثم‭ ‬أحضرت‭ ‬للسيدة‭ ‬ما‭ ‬طلبته‭ ‬من‭ ‬طعام،‭ ‬ولاحظت‭ ‬العجوز‭ ‬أن‭ ‬الجرسونة‭ ‬حامل‭ ‬في‭ ‬نحو‭ ‬الشهر‭ ‬الثامن،‭ ‬وتتحرك‭ ‬بصعوبة‭ ‬داخل‭ ‬المطعم،‭ ‬المهم‭ ‬أنه‭ ‬عندما‭ ‬أتتها‭ ‬الجرسونة‭ ‬بفاتورة‭ ‬الطعام‭ ‬أعطتها‭ ‬مائة‭ ‬دولار،‭ ‬وتحركت‭ ‬الجرسونة‭ ‬نحو‭ ‬الخزينة‭ ‬لتأتيها‭ ‬بباقي‭ ‬المبلغ،‭ ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬أن‭ ‬تحركت‭ ‬صوب‭ ‬الطاولة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تجلس‭ ‬عليها‭ ‬العجوز،‭ ‬حتى‭ ‬اكتشفت‭ ‬أنها‭ ‬غادرت‭ ‬ثم‭ ‬نظرت‭ ‬عبر‭ ‬النافذة‭ ‬ورأتها‭ ‬تنطلق‭ ‬بسيارتها،‭ ‬فتوجهت‭ ‬نحو‭ ‬الطاولة‭ ‬لتنظيفها،‭ ‬فوجدت‭ ‬على‭ ‬الفوطة‭ ‬الورقية‭ ‬ما‭ ‬يلي‭: ‬أنت‭ ‬غير‭ ‬مدينة‭ ‬لي‭ ‬بأي‭ ‬شيء،‭ ‬فقد‭ ‬ساعدني‭ ‬شخص‭ ‬ما‭ ‬يوما‭ ‬ما‭ ‬وأريد‭ ‬أن‭ ‬أرد‭ ‬له‭ ‬الجميل‭ ‬بمساعدتك،‭ ‬ووجدت‭ ‬الجرسونة‭ ‬600‭ ‬دولار‭ ‬تحت‭ ‬الفوطة‭. ‬أكملت‭ ‬الجرسونة‭ ‬مهامها‭ ‬وعادت‭ ‬الى‭ ‬بيتها‭ ‬في‭ ‬ساعة‭ ‬متأخرة‭ ‬من‭ ‬الليل‭ ‬ووجدت‭ ‬زوجها‭ ‬نائما‭ ‬وبيشخر‭ ‬كمان،‭ ‬فقبلته‭ ‬بلطف‭ ‬وهمست‭ ‬في‭ ‬أذنه‭: ‬مشكلة‭ ‬تكاليف‭ ‬الولادة‭ ‬الشهر‭ ‬المقبل‭ ‬فُرجت‭ ‬يا‭ ‬بريان‭ ‬أندرسون‭.. ‬هل‭ ‬عرفت‭ ‬معنى‭ ‬عنوان‭ ‬المقال؟

وقرأت‭ ‬في‭ ‬فيسبوك‭ ‬تجربة‭ ‬شاب‭ ‬سوداني‭ ‬أعرفه‭ ‬بالاسم‭: ‬تلقى‭ ‬قبل‭ ‬سنوات‭ ‬على‭ ‬هاتفه‭ ‬رصيدا‭ ‬بألف‭ ‬جنيه‭ ‬من‭ ‬مصدر‭ ‬لا‭ ‬يعرفه،‭ ‬فاتصل‭ ‬بصاحب‭ ‬الرقم‭ ‬وقال‭ ‬له‭: ‬الحقيقة‭ ‬أنا‭ ‬محتاج‭ ‬للمبلغ‭ ‬لعلاج‭ ‬أمي‭ ‬ولن‭ ‬أتمكن‭.... ‬فقاطعه‭ ‬من‭ ‬قام‭ ‬بتحويل‭ ‬الرصيد‭: ‬ولا‭ ‬يهمك،‭ ‬وحلال‭ ‬عليك‭ ‬الألف‭ ‬جنيه،‭ ‬وربنا‭ ‬يشفي‭ ‬الوالدة،‭ ‬فإذا‭ ‬بالطرف‭ ‬الثاني‭ ‬يضحك‭: ‬معليش‭ ‬كنت‭ ‬بهزر‭ ‬وسأعيد‭ ‬لك‭ ‬المبلغ‭ ‬فورا،‭ ‬ولكن‭ ‬صاحب‭ ‬‮«‬الحق‮»‬‭ ‬قال‭: ‬استحلفك‭ ‬بالله‭ ‬خلي‭ ‬الفلوس‭ ‬معك،‭ ‬أصلها‭ ‬طلعت‭ ‬مني،‭ ‬ويظهر‭ ‬إنها‭ ‬من‭ ‬قسمتك،‭ ‬وأنا‭ ‬ما‭ ‬عندي‭ ‬مشكلة‭ ‬مالية‭.‬

المهم‭ ‬ان‭ ‬متلقي‭ ‬الرصيد‭ ‬المفاجئ‭ ‬أعاده‭ ‬إلى‭ ‬صاحبه‭ / ‬مصدره‭.. ‬والدنيا‭ ‬لسه‭ ‬بخير‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا