زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
الخير دوَّار
كانت السيدة الأمريكية العجوز متوجهة إلى مدينة سانت لويس، عندما اضطرت للتوقف في يوم ممطر في منطقة صحراوية لأن أحد إطارات سيارتها المرسيدس، «نزل» كما نقول في السودان عندما يصبح الإطار (الذي نسميه «لستك» تحويرا لـ«إلاستك» الإنجليزية وتعني «مطاطي» ويسميه الخليجيون «تاير» كما هو اسمه بالإنجليزية) مُفَرغا من الهواء، فجلست داخل السيارة بعد أن أدركت أنها بلا حيلة (بالمناسبة اعترف بأنني جاهل بكل أمور السيارات ولا أعرف كيف ابدِّل اطار السيارة المعطوب او المثقوب)، ثم فوجئت العجوز برجل مبهدل الهيئة، يوقف سيارته المكعكعة التي أكل الدهر عليها ولم يجد ما يشرب، ويتجه إليها، ورغم أنه كان مبتسما فقد خشيت أن يستغل خلو المنطقة من البشر، ويسلب مجوهراتها ونقودها وربما حتى سيارتها، ولكن الرجل سألها بأدب ما إذا كانت بحاجة إلى مساعدة، فحدثته وهي متوجسة عن الإطار «المعطوب»، ثم أغلقت نافذة السيارة وأبوابها بإحكام وجلست وهي تفكر في احتمال اعتدائه عليها. فتح الرجل الشنطة الخلفية في المرسيدس وأخرج الإطار الاحتياطي، ثم زحف تحت السيارة ووضع الرافعة (التي نسميها في السودان عفريتة، ولا أعرف لماذا عفرتناها، وتسمى في الخليج «جيك» تحويرا للتسمية الإنجليزية «جاك») في المكان الصحيح، ثم شرع في تثبيت الإطار الاحتياطي السليم، ثم أشار لصاحبة السيارة وهو يبتعد بملابسه الملطخة بالطين بما معناه: المهمة اكتملت، ففتحت السيدة نافذة السيارة، بعد أن اطمأنت إلى أنه ليس مجرما، وقالت له إنها على استعداد لدفع المبلغ الذي يطلبه نظير المهمة التي أداها، ولكن الرجل قال لها إن ما فعله ليس مهمة، بل واجب أخلاقي، وأنه يا ما تلقى مساعدات من أناس لا يعرفهم في ظروف حرجة، ثم أضاف: بإمكانك ان تدفعي المبلغ الذي كنت تريدين دفعه لي، لأي شخص محتاج الى مساعدة تصادفينه مستقبلا، وقولي هذا مني، ومن رجل اسمه برايان أندرسون (وهذا هو اسم الرجل الذي ساعد العجوز صاحبة المرسيدس في تغيير اطار السيارة).
وشكرته العجوز بحرارة، ثم انطلقت بسيارتها، وبعد كيلومترات قليلة، توقفت عند مطعم ريفي مهلهل البناء ورث الأثاث، وفور جلوسها داخل المطعم أتتها جرسونة بفوطة نظيفة، وعرضت عليها استخدامها لتجفيف شعرها المبتل، لأن بعض حبات المطر نزلت عليه وهي في طريقها من السيارة الى المطعم، ثم أحضرت للسيدة ما طلبته من طعام، ولاحظت العجوز أن الجرسونة حامل في نحو الشهر الثامن، وتتحرك بصعوبة داخل المطعم، المهم أنه عندما أتتها الجرسونة بفاتورة الطعام أعطتها مائة دولار، وتحركت الجرسونة نحو الخزينة لتأتيها بباقي المبلغ، ولكن ما أن تحركت صوب الطاولة التي كانت تجلس عليها العجوز، حتى اكتشفت أنها غادرت ثم نظرت عبر النافذة ورأتها تنطلق بسيارتها، فتوجهت نحو الطاولة لتنظيفها، فوجدت على الفوطة الورقية ما يلي: أنت غير مدينة لي بأي شيء، فقد ساعدني شخص ما يوما ما وأريد أن أرد له الجميل بمساعدتك، ووجدت الجرسونة 600 دولار تحت الفوطة. أكملت الجرسونة مهامها وعادت الى بيتها في ساعة متأخرة من الليل ووجدت زوجها نائما وبيشخر كمان، فقبلته بلطف وهمست في أذنه: مشكلة تكاليف الولادة الشهر المقبل فُرجت يا بريان أندرسون.. هل عرفت معنى عنوان المقال؟
وقرأت في فيسبوك تجربة شاب سوداني أعرفه بالاسم: تلقى قبل سنوات على هاتفه رصيدا بألف جنيه من مصدر لا يعرفه، فاتصل بصاحب الرقم وقال له: الحقيقة أنا محتاج للمبلغ لعلاج أمي ولن أتمكن.... فقاطعه من قام بتحويل الرصيد: ولا يهمك، وحلال عليك الألف جنيه، وربنا يشفي الوالدة، فإذا بالطرف الثاني يضحك: معليش كنت بهزر وسأعيد لك المبلغ فورا، ولكن صاحب «الحق» قال: استحلفك بالله خلي الفلوس معك، أصلها طلعت مني، ويظهر إنها من قسمتك، وأنا ما عندي مشكلة مالية.
المهم ان متلقي الرصيد المفاجئ أعاده إلى صاحبه / مصدره.. والدنيا لسه بخير.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك