زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
نسبية التخلف والتحضر
قبل سنوات قليلة استطلعت صحيفة سودانية، الآراء حول تنظيم مسابقات لاختيار ملكات جمال للسودان، وكان أعجب ما في الأمر أن معظم من أيدوا الفكرة كن من النساء، ثم فعلت الأمر نفسه إذاعة إف إم، وفي الحالتين قال المدافعون عن الفكرة: ما فيها شيء أن تستعرض فتاة المفاتن التي حباها بها الله، و«الله جميل يحب الجمال»، وهناك من قال إن مسابقات ملكات الجمال تشجع السياحة، ولم يقولوا كيف يكون ذلك: هل نضع جمرتنا في فترينات في المتاحف، أم نوزعهن على توابيت زجاجية مبطنة بالمخمل في الأسواق كما يحدث في هولندا وألمانيا؟ (ركبت مع زوجتي حافلة سياحية في هامبورغ بألمانيا عندما مررنا بالمنطقة الحمراء وصاحت زوجتي المتخلفة: شنو دا؟ ثم غطت وجهها، واكتشفت أن «دا» فتيات من لحم ودم عاريات في فترينات في واجهة متاجر).
دعونا نناقش الأمر من وجهة نظر «متحضرة»: لا بأس في أن تستعرض فتاة مفاتنها أمام لجنة تحكيم، وبحضور آلاف الناس، ويستوجب هذا أن ترتدي ملابس ماركة «ما قلّ ودلّ»، حتى يتأكد أعضاء اللجنة من أن مفاتنها «تستأهل». طيب: العورة أشدُّ فتنة، فهل يجوز عرضها على المكشوف؟ من يؤيدون مسابقات ملكات الجمال في الدول العربية لا ينكرون أنهم يقلدون الغرب، من منطلق أن تلك المسابقات من الممارسات الحضارية. فهل سيمضون إلى آخر الشوط بإقامة مسابقات تستعرض فيها الفتيات مفاتنهن بدون ملابس على الإطلاق، كما يحدث في العديد من الشواطئ الأوروبية؟ وهل أوكي أن تظهر ملكة الجمال «شالحة» على أغلفة المجلات؟
جالست قبل أعوام المفكر المصري الراحل عبدالوهاب المسيري، صاحب موسوعة «اليهودية واليهود»، وكنا نتحدث عن أن البعض يستجير بالإسلام، حتى وهو يمارس نشاطاً يتعارض مع بديهيات الإسلام، وحكى لي عن السيدة التي قالت لابنتها المسلمة التي كانت تشارك في مسابقة ملكة الجمال، وهي متجهة إلى المسرح لعرض بضاعتها: اقري الفاتحة وادخلي برجلك اليمين وربنا معاكي!
ونواصل النقاش المتحضر، ونتساءل: كيف تسهم ملكات الجمال في ازدهار السياحة؟ هل سيصيح السياح عندما يرون مفاتن من تحمل لقب ملكة الجمال: ياه هذا بلد متحضر وفيه نسوان تجنن. هيا بنا! وهل يجوز استغلال مفاتن البنات لجذب السياح والعملات الأجنبية، بإعطاء الانطباع بأن «البلد» منفتح كانفتاح ملابس المتسابقات للفوز بلقب ملكة الجمال؟ هل يقبل بلد عربي بذلك؟ الإجابة هي: نعم، فهناك بلاد عربية تقبل ذلك، ولديها لجان وطنية لاختيار ملكة جمال عموم البلاد، وأخرى للشاطئ، وثالثة للبطيخ، بل صارت هناك «ملكة جمال المحجبات»، فكيف يتم اختيار هذا الصنف من الملكات: قياسا على خامة القماش الذي يصنع منه الحجاب، أم على طريقة ارتداء الحجاب، أم تقاطيع وجه المحجبة، أم جمال الوجه وبقية الجسم «المحجب»؟
في لبنان قطع التحضر شوطا بعيدا، فهناك منذ سنوات بعيدة ملكات جمال الأرز، والفراولة والربيع، ثم ابتدعوا منذ سنوات صرعة «ملك جمال الرجال»، ولم أستغرب عندما تزوج أول من فاز بذلك اللقب بالشحرورة الراحلة صباح، وفارق العمر بينهما 62 سنة.
وقرأت لكاتب مصري، عن بلدياته الذي ذهب إلى فرنسا في ستينيات القرن الماضي، وعاد مستاء من أن الشاذين جنسياً لا يعرفون «الستر»، وزار صاحبنا فرنسا مجدداً في السبعينيات، وعاد يشكو من أن الشواذ هناك صارت لهم أندية علنية، ثم واتته الفرصة لزيارة فرنسا في الثمانينيات وعاد وهو في منتهى القرف، بعد أن صار «الزواج» بين الشواذ مقننا، وفي مطلع الألفية الثالثة، تم اختياره لمهمة رسمية في فرنسا فصاح: مش رايح! قالوا له: يا راجل دي فرصة تقعد هناك أسبوعين، تلاتة، والحكاية فيها بدلات ونثريات، فصاح: ولو، لأنه مش بعيد يكون الشذوذ بقى إجباريا.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك