العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

كيسنجر: إنقاذ البشرية أم إنقاذ الهيمنة الأمريكية؟!

{‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬ومنذ‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬لم‭ ‬تضع‭ ‬في‭ ‬أجندتها‭ ‬قط،‭ ‬حماية‭ ‬العالم‭ ‬وأمنه‭ ‬واستقراره،‭ ‬وحماية‭ ‬البشرية‭ ‬من‭ ‬شرور‭ ‬سياساتها‭ ‬الخارجية،‭ ‬أو‭ ‬العلمية‭ ‬أو‭ ‬التكنولوجية‭ ‬أو‭ ‬البيئية‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬الفوضوية‭ ‬الأخلاقية‭! ‬لأن‭ ‬تفكيرها،‭ ‬بحسب‭ ‬‮«‬الرؤية‭ ‬المصلحية‭ ‬والمنفعية‮»‬،‭ ‬منحصر‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬السيطرة‭ ‬والهيمنة،‭ ‬والاستمرار‭ ‬على‭ ‬عرش‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬والمالية‭ ‬والاقتصادية‭! ‬ولا‭ ‬يهمّ‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬تختطه‭ ‬من‭ (‬ديماغوجية‭ ‬أو‭ ‬تطرف‭)! ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬‮«‬كيسنجر‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬احتفل‭ ‬بميلاده‭ ‬قبل‭ ‬فترة‭ (‬100‭ ‬عام‭) ‬هو‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬المناصب‭ ‬التي‭ ‬احتلها‭ ‬كوزير‭ ‬للخارجية‭ ‬وفي‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬الأمريكي،‭ ‬كان‭ ‬المستشار‭ ‬والعقل‭ ‬الذي‭ ‬أدار‭ ‬السياسة‭ ‬الأمريكية‭ ‬ومفرداتها‭ ‬عقودا‭ ‬طويلة،‭ ‬ومهمته‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬تنته‭ ‬كما‭ ‬يبدو،‭ ‬ما‭ ‬جعله‭ ‬يزور‭ ‬الصين‭ ‬مؤخراً،‭ ‬ويلتقي‭ ‬الرئيس‭ ‬الصيني‭ ‬وعدداً‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬وزراء‭ ‬وقادة‭ ‬الصين،‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬يشتعل‭ ‬فيه‭ ‬التنافس‭ ‬الأمريكي‭ - ‬الصيني‭ ‬في‭ ‬المجالات‭ ‬كافة‭!‬

{‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬زيارة‭ ‬‮«‬كيسنجر‮»‬‭ ‬صدمة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة،‭ ‬التي‭ ‬ذكّر‭ ‬بها‭ (‬أن‭ ‬الظروف‭ ‬العالمية‭ ‬اليوم‭ ‬تشبه‭ ‬ظروف‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى‭)! ‬ولكن‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬آليات‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬يدخل‭ ‬فيها‭ ‬‮«‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‮»‬‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬لن‭ ‬تكون‭ ‬نتائجها‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬بعد‭ ‬الحربين‭ ‬العالميتين‭ ‬الأولى‭ ‬والثانية‭! ‬وإنما‭ ‬أكثر‭ ‬فتكاً‭ ‬وضراوة‭ ‬على‭ ‬البشرية‭ ‬كلها‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬يتخيله‭ ‬العقل‭!‬

ولأن‭ ‬الحوارات‭ ‬التي‭ ‬دارت‭ ‬اتسمت‭ ‬بالسرّية‭ ‬وقلة‭ ‬التسريب‭ ‬في‭ ‬المعلومات‭! ‬ورحلة‭ ‬‮«‬كيسنجر‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬الصين‭ ‬تأتي‭ ‬بعد‭ ‬رحلته‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬السبعينيات،‭ ‬والاستقبال‭ ‬الحار‭ ‬الذي‭ ‬حظي‭ ‬به‭ ‬هناك‭! ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬السياسة‭ ‬الأمريكية‭ ‬تعوّل‭ ‬عليه‭ ‬كثيرا‭! ‬وحتماً‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هدف‭ ‬‮«‬كيسنجر‮»‬‭ ‬هو‭ ‬التفكّر‭ ‬في‭ (‬إنقاذ‭ ‬البشرية‭) ‬من‭ ‬ويلات‭ ‬حرب‭ ‬ساحقة‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والصين،‭ ‬وإنما‭ ‬هو‭ ‬التفكّر‭ ‬الأمريكي‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬‮«‬ثعلب‮»‬‭ ‬سياسته‭ ‬منذ‭ ‬زمن‭ ‬طويل،‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬هدنة‭ ‬مرحلية‮»‬‭ ‬تخفف‭ ‬من‭ ‬الأعباء‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬دعمها‭ ‬المتواصل‭ ‬للحرب‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬ضد‭ ‬روسيا‭! ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الإشكاليات‭ ‬المختلفة‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالنفوذ‭ ‬الأمريكي‭ ‬وهيمنتها‭ ‬على‭ ‬العالم‭!‬

{‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ (‬حياد‭ ‬صيني‭) ‬في‭ ‬الأزمة‭ ‬الأوكرانية،‭ ‬وعدم‭ ‬وصول‭ ‬العلاقات‭ ‬الصينية‭ ‬‭ ‬الروسية‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ (‬التحالف‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬الشمولي‭!)‬،‭ ‬لأن‭ ‬ذلك‭ ‬وحده‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يخيف‭ ‬أمريكا‭! ‬وهو‭ ‬نفسه‭ ‬الذي‭ ‬حذّر‭ ‬منه‭ ‬‮«‬كيسنجر‮»‬‭ ‬أن‭ (‬أكبر‭ ‬المخاطر‭ ‬على‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والغرب‭ ‬هو‭ ‬حلف‭ ‬الشرق،‭ ‬الصين‭ ‬وروسيا‭ ‬تحديداً،‭ ‬ضد‭ ‬النفوذ‭ ‬والهيمنة‭ ‬الأمريكية‭) ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬اليوم‭!‬

نقطة‭ ‬أخرى‭ ‬مهمة‭ ‬هي‭: ‬ضراوة‭ ‬التنافس‭ ‬الإلكتروني‭ ‬والتكنولوجي‭ ‬والصناعي‭ ‬والتجاري،‭ ‬الذي‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬الصين‭ ‬أكبر‭ ‬القوى‭ ‬العالمية‭ ‬المنافسة‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المضامير‭ ‬لأمريكا،‭ ‬بل‭ ‬تتفوق‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المجالات‭!‬

المسألة‭ ‬الأخرى‭: ‬هي‭ ‬مسألة‭ ‬‮«‬تايوان‮»‬‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تجعل‭ ‬بحر‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬أية‭ ‬لحظة‭ ‬بؤرة‭ ‬الاحتكاك‭ ‬المباشر‭ ‬بين‭ ‬أمريكا‭ ‬وحلفائها،‭ ‬والصين‭ ‬وحلفائها‭!‬

نقطة‭ ‬أخرى‭: ‬هي‭ ‬المنظمات‭ ‬الدولية‭ ‬الجديدة‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬بريكس‮»‬‭ ‬و«شنغهاي‮»‬‭ ‬بقيادة‭ ‬صينية،‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬سبباً‭ ‬مباشراً‭ ‬في‭ ‬تهميش‭ ‬التعامل‭ ‬الدولي‭ ‬والعالمي‭ ‬بـ‭(‬الدولار‭) ‬نحو‭ ‬العملات‭ ‬المحلية‭! ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬الوقت‭ ‬يتضاءل‭ ‬أمام‭ ‬القمة‭ ‬القادمة‭ ‬للمشاركين‭ ‬في‭ ‬‮«‬بريكس‮»‬‭ ‬واحتمالية‭ ‬توسع‭ ‬المنظمة‭ ‬وانضمام‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭ ‬فيها‭!‬

{‭ ‬كثيرة‭ ‬هي‭ ‬القضايا‭ ‬التنافسية‭ ‬بين‭ ‬الرؤية‭ ‬الأمريكية‭ ‬والرؤية‭ ‬الصينية‭ ‬للعالم‭ ‬وللتعامل‭ ‬الدولي‭ (‬اقتصاديا‭ ‬وماليا‭ ‬وتجاريا‭)! ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التغلغل‭ ‬الصيني‭ ‬والروسي‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬نفوذ‭ ‬دولية،‭ ‬كانت‭ ‬حكراً‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أو‭ ‬قوى‭ ‬أوروبية‭ ‬أخرى،‭ ‬كإفريقيا‭ ‬وآسيا‭ ‬وأمريكا‭ ‬اللاتينية‭! ‬وقد‭ ‬شهدت‭ ‬إفريقيا‭ ‬مؤخراً‭ ‬قمة‭ ‬جمعت‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬وإفريقيا‭ ‬والاتفاق‭ ‬على‭ ‬التحوّل‭ ‬إلى‭ (‬التسويات‭ ‬المالية‭ ‬بالعملات‭ ‬الوطنية‭) ‬وكما‭ ‬قال‭ (‬بوتين‭): ‬‮«‬تم‭ ‬اتخاذ‭ ‬مواقف‭ ‬لتحدي‭ ‬النظام‭ ‬الاستعماري‭) ‬قاصداً‭ ‬نظام‭ ‬الغرب‭ ‬الاستعماري‭ ‬بقيادة‭ ‬أمريكا‭! ‬

بدورها‭ ‬المتحدثة‭ ‬باسم‭ ‬الخارجية‭ ‬الروسية‭ ‬‮«‬زاخاروفا‮»‬‭ ‬فضحت‭ ‬سياسة‭ ‬الغرب‭ ‬بالتعامل‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬رفضت‭ ‬معاداة‭ ‬روسيا،‭ ‬وهي‭ ‬تقول‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬الغرب‭ ‬‮«‬عليكم‭ ‬بمعاداة‭ ‬روسيا‭ ‬أو‭ ‬ستنقطع‭ ‬عنكم‭ ‬المساعدات‭) ‬والمساعدات‭ ‬تعني‭ ‬ديون‭ ‬‮«‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‮»‬‭ ‬المجحفة‭ ‬ضد‭ ‬الدول‭ ‬المدينة‭! ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬الرؤية‭ ‬الروسية‭ ‬لا‭ ‬تختلف‭ ‬الصين‭ ‬بل‭ ‬تتفق‭ ‬كثيراً،‭ ‬لولا‭ ‬بعض‭ ‬الإشكاليات‭ ‬المصلحية‭ ‬والنفعية‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬أمريكا‭ ‬وبعض‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭!‬

{‭ ‬هل‭ ‬نجح‭ ‬‮«‬كيسنجر‮»‬‭ ‬في‭ ‬ترويض‭ ‬الرؤية‭ ‬الصينية؟‭! ‬هل‭ ‬وصل‭ ‬مع‭ ‬الرئيس‭ ‬الصيني‭ ‬إلى‭ ‬تنازلات‭ ‬تقدمها‭ ‬أمريكا‭ ‬مقابل‭ ‬تلبية‭ ‬المطالب‭ ‬الأمريكية؟‭! ‬هل‭ ‬‮«‬الهدنة‭ ‬السياسية‮»‬‭ ‬إن‭ ‬حدثت‭ ‬ستكون‭ ‬مرحلياً‭ ‬قصيرة،‭ ‬لأن‭ ‬التضارب‭ ‬بين‭ ‬الرؤيتين‭ ‬الصينية‭ ‬والأمريكية‭ ‬هو‭ ‬تضارب‭ ‬كبير؟‭! ‬هل‭ ‬لغة‭ (‬القوة‭ ‬الشمولية‭) ‬التي‭ ‬تستخدمها‭ ‬أمريكا،‭ ‬بإمكانها‭ ‬أن‭ ‬تتغيّر،‭ ‬ولكن‭ ‬مرحلياً،‭ ‬حتى‭ ‬تسترجع‭ ‬أمريكا‭ ‬أنفاسها،‭ ‬وهي‭ ‬ترى‭ ‬التراجع‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬نفوذها،‭ ‬وبعدها‭ ‬ليحدث‭ ‬‮«‬الصدام‭ ‬الكبير‮»‬‭! ‬ولتذهب‭ ‬البشرية‭ ‬إلى‭ ‬الجحيم،‭ ‬قرباناً‭ ‬لاستمرار‭ ‬الهيمنة‭ ‬الأمريكية؟‭! ‬هل‭ ‬حدث‭ ‬تفاهم‭ ‬حول‭ (‬اقتسام‭) ‬مناطق‭ ‬النفوذ‭ ‬والمصالح‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وحيث‭ ‬الصين‭ ‬تنظر‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬بدورها‭ ‬كخطوة‭ ‬مرحلية،‭ ‬إلى‭ ‬حين‭ ‬تقلص‭ ‬أكبر‭ ‬للهيمنة‭ ‬الأمريكية‭ ‬الاستعمارية‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العالمي؟‭! ‬

يبدو‭ ‬أن‭ ‬كاهل‭ ‬‮«‬كيسنجر‮»‬‭ ‬كان‭ ‬مثقلاً‭ ‬بكل‭ ‬الأمور‭ ‬والمسائل‭ ‬الكلية‭ ‬والاستراتيجية‭! ‬وهو‭ ‬يشهد‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬حياته‭ ‬حجم‭ ‬التحولات‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬والتي‭ ‬لن‭ ‬ينفع‭ ‬معها‭ (‬مكره‭) ‬أو‭ (‬خبرته‭) ‬في‭ ‬اندفاعها‭! ‬أما‭ ‬حكاية‭ ‬إنقاذ‭ ‬البشرية‭ ‬فتلك‭ ‬آخر‭ ‬هموم‭ ‬أمريكا‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا