زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
أرملة في سن الأربعة
نظر القاضي إلى الأرملة مليّا ثم سألها: هل لديك أبناء ذكور من المرحوم؟.. نظرت «السيدة» ببلاهة إلى القاضي، وتساءلت بدورها: شنو يعني ذكور، واستمر الحوار على النحو التالي:
القاضي: حسنا، هل لديك بنات؟
السيدة: نعم عندي علوستان.
القاضي: عندك عروستان.. ما شاء الله.. كم عمرهما.
السيدة: واحدة جديدة بلاستيكية، والثانية من العيد اللي فات، بس من القماش.
القاضي: عفوا أنا لا أتحدث عن عرائس اللعب. ما علينا. هل كنت الزوجة الوحيدة للراحل؟
السيدة: أنا مو زوجة؟
القاضي: يا مثبت العقول، إذا لم تكوني زوجة فلماذا تطالبين بنصيبك في الورثة؟
السيدة: ايش يعني ورثة؟
القاضي: يا بنتي الله يخليكي اعفيني من هذه القضية واطلبي التحكيم من محكمة العدل الدولية.
السيدة: أنا ما أبغي تحكيم.. أبغي حلوى.
الحوار أعلاه مفبرك ولكنه يقترب من الواقع كثيراً، وهو يلخص جانبا من حكاية البنت اليمنية البالغة من العمر أربع سنوات والتي أصبحت أرملة بعد وفاة زوجها البالغ من العمر عشر سنوات، فطالب ذووها بنصيبها في ميراث زوجها الراحل، وبإمكان القارئ أُن يعمل خياله لتكملة الحوار، فمن المؤكد أن القاضي سيسألها عن حدوث الخلوة الشرعية في ضوء «دفوعات» أهل الزوج الراحل الذين لن يتهاونوا في «ريال» واحد من أموال الفقيد، وسيعرض عليها القاضي وثيقة الزواج في سياق تأكيد من صحتها، وسيكتشف أن الأرملة أمية لأن أهلها لم يتركوها تبدأ تعليمها رغم أنها بلغت من العمر أربعة أعوام كاملة!
أشعر بالاستياء من نفسي لأنني أتحدث باستخفاف وقسوة عن طفلة لم تلتحق بعد بـ«الروضة»، وعن صبي مات وهو في العاشرة، ولكن عزائي هو أنها لن تقرأ كلامي هذا، وأن الموت أراح ذلك الصبي من قسوة ذويه، ومن ثم فإنني أشعر براحة شديدة على أمل أن يفهم والد العروس، الطفلة، الأرملة بالذات حقيقة مشاعري تجاهه.. إن ما فعله ببنته لا يختلف كثيراً عن الوأد الذي كان أسلافنا يمارسونه، تلك كانت الجهالة الجهلاء، وهذه هي جاهلية القرن الحادي والعشرين بحق وحقيق.
إن أسوأ ما ابتليت به أمتنا هو استخفافها بنسائها، بينما المرأة هي الأم والزوجة والأخت والابنة والحبيبة والعمة والخالة، ومع ذلك فإنها «ملطشة» في أيدي رجال جهلة رعناء. ومازال بعضنا يعتبر ذكر أسماء بناته أمام الآخرين عاراً، وبعضنا يرى في بناته سلعة يشتري بها الوجاهة والارتقاء الطبقي، بإرغامهن على الزواج بذوي الجيوب المليانة من دون النظر في «مواصفات الزوج الضرورية الأخرى». يحدث هذا رغم ان الإحصائيات تثبت أن الفتيات في جميع البلدان يتفوقن على الاولاد من حيث التحصيل والاستيعاب وسعة الأفق، ولكن ما حيلتنا في جنس الرجال الذي يعتبر نفسه «مميزا» لأنه يختلف بيولوجيا وعلى نحو طفيف عن جنس النساء؟
مجتمعنا الرجالي (وليس النسائي) هو المسؤول عن الذلّ الذي يلتصق بجبين أمتنا.. الرجال هم المسؤولون عن دخول الأيدز في الوطن العربي.. جلبوه من أركان الدنيا خلال رحلتي الشتاء في آسيا والصيف في أوروبا.. تسعون في المائة من حالات تفكك الأسر عندنا بسبب أنانية وشهوانية الرجل.. وبعض الرجال مجرد شوارب، والشارب مهما طال وانبرم ليس رخصة للتلاعب بمصير بنت في الرابعة أو الأربعين!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك