عالم يتغير
فوزية رشيد
أحمد الشملان الذي أعرف!
{ قد تمر الأيام وقد تفترق الطرق لسبب أو لآخر، قد تتباعد الدروب ولكن هناك أشخاصا رغم التباعد لا يمكن أن تنساهم الذاكرة بل هم يحتلون في الزمن الذي مضى أجمل ما فيه، وأكثره زهوا لأن القاسم المشترك في تلك الرفقة كان الوطن وليبقى الوطن مسارا متألقا للكلمة والشعر والفكر وللموقف ولتدفق المشاعر الإنسانية النبيلة وللهم الذي يربض في القلب خوفا عليه أو تطلعا للأجمل فيه!
أحمد الشملان بسيرته الإبداعية والوطنية النضالية هو أحد الذين سكنوا الذاكرة والقلب رغم التباعد في السنوات الأخيرة فقد كانت محطات الاستماع إلى قصائده قبل أن تنشر كثيرة مثلما محطات الحوارات الساخنة حول حدث ما أو موقف ما كثيرة، والذي كان يظلل الرفقة سنوات طويلة هي تلك الروح النبيلة الصافية والطفولية أحيانا التي كان يتمتع بها لتشع معها بشكل دائم ابتسامة تعلن ما في الروح من جمالية وصفاء في كل تجمع يجمع الأصدقاء.
{ كثيرة هي اللقاءات والمناسبات التي جمعتنا في إطار رفقة وزمن نراهما اليوم بكل صدق لا مجاز فيه، إنها كانت أجمل سنوات الالتحام الإنساني والوطني بين مجموعة من الأفراد والعائلات التي كانت تفرح الفرح ذاته في مناسبة ما، أو تحزن الحزن ذاته في مناسبة أخرى، أو تغضب معا، أو تتحلق معا حول ذات الأغنية وذات العزف، ولكأنها كتلة متينة متراصة في وجه المحن! متشاركة معا في تراقص القلب مع بهجة المناسبات المفرحة ولكن لا شيء عادة يبقى كما كان فارتحالات الوطن وفيه كثيرة ومتنوعة بعضها يعزف لحنا شجيا وآخر يعزف سيمفونية حزن شفيف، وغيرها يدخل في دروب التلاقي والافتراق حتى إذا بقيت الذاكرة محملة بجمال رحلة ماضية لم يقو القلب رؤية ما عداها حتى لو اعتبره البعض جحودا لرفقة وصداقة طويلة! وربما لمزيج من القلب وخزائن الذاكرة كان مستحيلا أن ترى الشخص ذاته في حالة غيبوبة محاطا بالأجهزة ورائحة الغرف المغلقة في أحد المستشفيات بعد أن كان الشخص ذاته الفاقد لكل إرادة مليئا بالحياة والإبداع والحركة حتى في أقسى ظروفه الصحية التي كانت ارتسامات النبل والفرح مزروعة على الوجه ولا تفارقه!
{ أحمد الشملان الذي رحل مؤخرا عن عالمنا ترك بصمة عميقة وإنسانية عالية مع الأصدقاء والمثقفين وكل من عرفه من قرب مثلما ترك البصمة العميقة ذاتها في سجل الوطن وأحلامه وطموحاته وحلق بجناحي قلبه في كل مكان كان يأتيه، وفي كل مناسبة يشارك فيها، بل إن سجلا ضخما من الائتلاف والاختلاف عرج به في حياة البحرين والخليج، دون أن يعلو أي اختلاف في الرأي على مجرى القلب الصافي لديه لأن دفء الائتلاف يعلو دائما عنده على أي اختلاف مصحوبا باحتواء إنساني لا يغادره أبدا!
{ ترك خلفه إطلالات إنسانية لا حدود لها وإرثا نضاليا ووطنيا وحقوقيا تم جمعه من خلال جهد كبير بذلته فوزية مطر زوجته وجمعته في كتاب يربو على ألف صفحة وبقدر ما سجلت فيه سيرة أحمد الشملان الطويلة، سجلت في الوقت ذاته وفاء تجسد في رحلة إنجاز جميل في العلاقة مع زوجها ولكأنها كانت الزوجة والصديقة والأم والرفيقة لتسطع إشراقة ذلك الوفاء على كل من كان يزورهم في مجلس بيته في عراد، ويلمس ذلك الدفء الأزلي الذي لم يعرف جفاء المشاعر في أحلك الظروف!
{ رحل أحمد الشملان وبقيت روحه مزروعة في هذه الأرض الطيبة تحبه كما أحبها، وأهلها الذين عرفوه أحبوه كما أحبهم دون فواصل أو فوارق، لأن صاحب القلب الكبير يستل نعمة المحبة من عروقه ويستقبلها في العروق ذاتها، مصحوبة بارتحالات أخرى هي ارتحالات الوعي خارج أي إطار يعيقه أو يسمم المشاعر به كما فعل آخرون حين تتصادم الدروب بالرؤى المختلفة سواء حول الوطن أو حول معنى الصداقة أو الرفقة أو الآراء المتضاربة.
سيبقى أحمد الشملان مشعا، مضيئا في الذاكرة التي عرفته ورسمته ليبقى فاردا يديه هذه المرة ليودع الجميع وداع الجسد، فيما تراب هذا الوطن وهو يحتويه في رحلته الأخيرة يبرزه لنا روحا لا تنتهي الرحلة معها.
كل العزاء لرفيقة دربه فوزية مطر ولابنه خالد وابنته سبيكة ولكل ذويه ومحبيه ورفاق دربه، رحمك الله أبا خالد.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك