العدد : ١٦٨٣٦ - السبت ٢٧ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ١٨ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٣٦ - السبت ٢٧ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ١٨ شوّال ١٤٤٥هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

العالم يقول: باي باي أمريكا!

{‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬عقود‭ ‬متواصلة،‭ ‬شكّلت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬كقوة‭ ‬استراتيجية‭ ‬مهيمنة،‭ ‬نمطًا‭ ‬شديد‭ ‬التطرف‭ ‬من‭ ‬أنماط‭ (‬النظام‭ ‬الاستعماري‭ ‬القديم‭) ‬الذي‭ ‬اكتسب‭ ‬ملامح‭ ‬تأثير‭ ‬كبيرة‭ ‬مع‭ ‬‮«‬العولمة‭ ‬الجديدة‮»‬،‭ ‬ومع‭ ‬الثورة‭ ‬العلمية‭ ‬والتكنولوجية،‭ ‬لتخفيف‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الهيمنة‭ ‬الإعلامية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والمالية‭! ‬تم‭ ‬ذلك‭ ‬بالتوازي‭ ‬مع‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬حروب‭ ‬عسكرية‭ ‬مباشرة،‭ ‬رغم‭ ‬عقدة‭ ‬الهزيمة‭ ‬في‭ ‬‮«‬فيتنام‮»‬‭ ‬ورغم‭ ‬صرعة‭ ‬القتل‭ ‬الوحشي‭ ‬والإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬في‭ ‬اليابان‭ ‬‮«‬هيروشيما‭ ‬ونجازاكي‮»‬‭! ‬بما‭ ‬جعل‭ ‬الانتصار‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬مكتسيا‭ ‬الوجه‭ ‬الأمريكي‭ ‬القبيح،‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يتوان‭ ‬عن‭ ‬استخدام‭ ‬‮«‬اليورانيوم‭ ‬المخصب‮»‬‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬ودول‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬ويستمر‭ ‬ذلك‭ ‬الوجه‭ ‬الأقبح‭ ‬لمسار‭ ‬‮«‬الإمبريالية‭ ‬العولمية‮»‬‭ ‬في‭ ‬نطاقات‭ ‬أخرى،‭ ‬من‭ ‬التدخلات‭ ‬وإثارة‭ ‬النزاعات‭ ‬والصراعات‭ ‬والفتن‭ ‬والفوضى،‭ ‬لمجرد‭ ‬ضمان‭ ‬الهيمنة‭ ‬والسيطرة‭ ‬والنفوذ‭! ‬والمنطقة‭ ‬العربية‭ ‬عانت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬السياسات‭ ‬الأمريكية،‭ ‬حتى‭ ‬باتت‭ ‬طوال‭ ‬الوقت‭ ‬على‭ ‬صفيح‭ ‬ساخن‭!‬

{‭ ‬اليوم‭ ‬المعادلة‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬والاستراتيجية‭ ‬تتغير‭ ‬موازينها‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬ككل‭ ‬وفي‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭!‬،‭ ‬وتلعب‭ ‬السعودية‭ ‬دورا‭ ‬مهما‭ ‬ورئيسيًّا‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬اتجاهات‭ ‬البوصلة‭ ‬والتحولات‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬والمنطقة‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬وإعادة‭ ‬صياغة‭ ‬سلم‭ ‬التحالفات‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬‮«‬التحولات‭ ‬العالمية‮»‬‭ ‬نفسها‭ ‬والتي‭ ‬أبرزت‭ ‬قوى‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬كالصين‭ ‬وروسيا‭ ‬والهند‭ ‬والسعودية‭ ‬وغيرها‭ ‬وجميعها‭ ‬تحمل‭ ‬في‭ ‬طيات‭ ‬ملفاتها‭ ‬متغيرات‭ ‬جذرية‭ ‬تقف‭ ‬في‭ ‬وجه‭ (‬الهيمنة‭ ‬الأمريكية‭) ‬نحو‭ ‬عولمة‭ ‬بمواصفات‭ ‬أكثر‭ ‬توازنا‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬ونحو‭ ‬‮«‬تعددية‭ ‬الأقطاب‮»‬،‭ ‬والخروج‭ ‬من‭ ‬نطاق‭ ‬‮«‬البترو‭ ‬دولار‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬نطاق‭ ‬تداول‭ ‬العملات‭ ‬المحلية‭ ‬للدول‭ ‬المؤثرة،‭ ‬والتجارة‭ ‬والتنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬بين‭ ‬الدول‭! ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬ترسيخ‭ ‬السلام‭ ‬والاستقرار‭ ‬والخروج‭ ‬من‭ ‬بوتقة‭ ‬الصراعات‭ ‬والفتن‭ ‬والانقسامات‭ ‬التي‭ ‬أسست‭ ‬لها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬لكي‭ ‬يستمر‭ ‬نفوذها‭ ‬وتستمر‭ ‬هيمنتها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مبدأ‭ ‬أساس‭ ‬وهو‭ ‬‮«‬إدارة‭ ‬الأزمات‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تفتعلها،‭ ‬وتركها‭ ‬تنهش‭ ‬في‭ ‬قوة‭ ‬البلدان‭ ‬لتبقى‭ ‬محتاجة‭ ‬إلى‭ ‬حمايتها‭!‬

{‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬التي‭ ‬فقدت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬مصداقيتها‭ ‬الدولية‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬فقدان‭ ‬المصداقية‭ ‬الأخلاقية،‭ ‬تواجه‭ ‬اليوم‭ ‬محاولات‭ ‬دؤوبة‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬كثيرة‭ ‬للفكاك‭ ‬من‭ ‬هيمنتها‭ ‬واستفرادها‭ ‬بالعالم‭! ‬ولعل‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬بوتين‭ ‬في‭ ‬خطابه‭ ‬في‭ (‬منتدى‭ ‬بطرسبورغ‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الدولي‭) ‬الجمعة‭ ‬الماضي،‭ ‬يلخص‭ ‬الكثير،‭ ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬هو‭: (‬التغيرات‭ ‬جارية‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم،‭ ‬وفي‭ ‬جميع‭ ‬القطاعات‭ ‬الأساسية،‭ ‬وهي‭ ‬تغيرات‭ ‬عميقة‭ ‬وجذرية‭ ‬ولا‭ ‬رجعة‭ ‬فيها‭)! ‬كما‭ ‬أشار‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ (‬الغرب‭ ‬تعوّد‭ ‬على‭ ‬الهيمنة‭ ‬والاستغلال،‭ ‬ولا‭ ‬يرغب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬لدى‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى‭ ‬أنظمة‭ ‬بنكية،‭ ‬ولا‭ ‬يرغب‭ ‬بأي‭ ‬منافسة،‭ ‬ويكبح‭ ‬مراكز‭ ‬التنمية‭ ‬والتطور‭ ‬والمنافسة‭)! ‬

وأكد‭ ‬أن‭ (‬الدول‭ ‬الرائدة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬لا‭ ‬تخضع‭ ‬اليوم‭ ‬للضغوطات‭ ‬الغربية،‭ ‬الآن‭ ‬أصبحت‭ ‬الأسواق‭ ‬الاقتصادية‭ ‬تعمل‭ ‬بشكل‭ ‬أكبر‭ ‬مقارنة‭ ‬بالتغيرات‭ ‬السياسية‭. ‬النظام‭ ‬الاستعماري‭ ‬القديم‭ ‬بدأ‭ ‬يزول‭ ‬لصالح‭ ‬عالم‭ ‬متعدد‭ ‬القطبية‭)! ‬وطرح‭ ‬‮«‬بوتين‮»‬‭ ‬نقطة‭ ‬هي‭ ‬مثار‭ ‬قلق‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬استثمر‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والغرب،‭ ‬وهي‭ ‬تجميد‭ ‬أموال‭ ‬الدول‭ ‬المستثمرة‭ ‬ووضع‭ ‬اليد‭ ‬على‭ ‬الأموال‭ ‬بما‭ ‬يشكّل‭ ‬ضربة‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬مصداقية‭ ‬النظام‭ ‬المالي‭ ‬والاستثماري،‭ ‬حيث‭ ‬قال‭ ‬‮«‬بوتين‮»‬‭: (‬لم‭ ‬يكن‭ ‬أحد‭ ‬يفكر‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬انتهاكات‭ ‬قوانين‭ ‬الملكية‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬ستصل‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الحدّ‭! ‬ذلك‭ ‬يعيدنا‭ ‬إلى‭ ‬القرون‭ ‬الوسطى‭! ‬تلك‭ ‬سرقة‭)!‬

{‭ ‬إذاً‭ ‬الغرب‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬التي‭ ‬اتخذت‭ ‬معا‭ ‬شعار‭ ‬‮«‬العالم‭ ‬الحرّ‮»‬،‭ ‬عبر‭ ‬قرون‭ ‬ثم‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬الهيمنة‭ ‬الأمريكية‭ ‬كتتويج‭ ‬لنظام‭ ‬الاستعمار‭ ‬القديم،‭ ‬بنت‭ ‬هيمتها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التصرف‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬النفوذ‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬المضمار‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والتجاري‭ ‬والمالي‭ ‬والعلمي‭ ‬والتكنولوجي‭ ‬لها‭ ‬وحدها‭!‬،‭ ‬وباقي‭ ‬العالم‭ ‬عبيد‭! ‬وذلك‭ ‬ما‭ ‬يفسر‭ ‬الرغبة‭ ‬الدولية‭ ‬العالمية‭ ‬في‭ ‬الخلاص‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الهيمنة،‭ ‬مع‭ ‬المتغيرات‭ ‬الدولية‭ ‬وتغيّر‭ ‬ميزان‭ ‬القوى،‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬بقيت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬حتى‭ ‬اللحظة‭ ‬قوة‭ ‬اقتصادية‭ ‬ومالية‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬ولكن‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬خلال‭ ‬القادم‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬سيطاله‭ ‬التغيّر‭ ‬مع‭ ‬نهاية‭ ‬عصر‭ ‬‮«‬البترودولار‮»‬‭! ‬والمتغيّر‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬السعودية‭ ‬‭ ‬الأمريكية،‭ ‬والخليجية‭ ‬والعربية،‭ ‬التي‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬الفكاك‭ ‬من‭ ‬قفص‭ ‬الهيمنة‭ ‬الأمريكية‭ ‬والغربية،‭ ‬للطيران‭ ‬في‭ ‬فضاء‭ ‬العالم‭ ‬المتنوع‭ ‬والكبير‭ ‬والمتعدد‭ ‬وسيكون‭ ‬أكثر‭ ‬رسوخاً،‭ ‬ولكأن‭ ‬قافلة‭ ‬المودّعين‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬لهيمنة‭ ‬أمريكا‭ ‬يرفعون‭ ‬يدهم‭ ‬معاً‭ ‬في‭ ‬مشهد‭ ‬وداعي‭ ‬قريب‭ ‬ومستقبلي‭ ‬تنبأ‭ ‬به‭ ‬محللون‭ ‬كثر‭ ‬بينهم‭ ‬محللون‭ ‬أمريكيون‭ ‬وغربيون‭ ‬عن‭ ‬سقوط‭ ‬قادم‭ ‬وهم‭ ‬يقولون‭ (‬باي‭ ‬باي‭ ‬أمريكا‭)! ‬القرن‭ ‬الواحد‭ ‬والعشرين‭ ‬هو‭ ‬قرن‭ ‬التعددّية‭ ‬وليس‭ ‬قرن‭ ‬الانفراد‭ ‬الأمريكي‭ ‬أو‭ ‬‮«‬القرن‭ ‬الأمريكي‮»‬‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا