عالم يتغير
فوزية رشيد
العالم يقول: باي باي أمريكا!
{ على مدى عقود متواصلة، شكّلت الولايات المتحدة كقوة استراتيجية مهيمنة، نمطًا شديد التطرف من أنماط (النظام الاستعماري القديم) الذي اكتسب ملامح تأثير كبيرة مع «العولمة الجديدة»، ومع الثورة العلمية والتكنولوجية، لتخفيف المزيد من الهيمنة الإعلامية والاقتصادية والمالية! تم ذلك بالتوازي مع الدخول في حروب عسكرية مباشرة، رغم عقدة الهزيمة في «فيتنام» ورغم صرعة القتل الوحشي والإبادة الجماعية في اليابان «هيروشيما ونجازاكي»! بما جعل الانتصار بعد الحرب العالمية الثانية، مكتسيا الوجه الأمريكي القبيح، الذي لم يتوان عن استخدام «اليورانيوم المخصب» في العراق ودول أخرى في العالم، ويستمر ذلك الوجه الأقبح لمسار «الإمبريالية العولمية» في نطاقات أخرى، من التدخلات وإثارة النزاعات والصراعات والفتن والفوضى، لمجرد ضمان الهيمنة والسيطرة والنفوذ! والمنطقة العربية عانت الكثير من تلك السياسات الأمريكية، حتى باتت طوال الوقت على صفيح ساخن!
{ اليوم المعادلة الجيوسياسية والاستراتيجية تتغير موازينها في العالم ككل وفي المنطقة العربية!، وتلعب السعودية دورا مهما ورئيسيًّا في تغيير اتجاهات البوصلة والتحولات في الخليج والمنطقة بشكل عام، وإعادة صياغة سلم التحالفات في ظل «التحولات العالمية» نفسها والتي أبرزت قوى جديدة في العالم كالصين وروسيا والهند والسعودية وغيرها وجميعها تحمل في طيات ملفاتها متغيرات جذرية تقف في وجه (الهيمنة الأمريكية) نحو عولمة بمواصفات أكثر توازنا بين الدول ونحو «تعددية الأقطاب»، والخروج من نطاق «البترو دولار» إلى نطاق تداول العملات المحلية للدول المؤثرة، والتجارة والتنمية المستدامة بين الدول! والعمل على ترسيخ السلام والاستقرار والخروج من بوتقة الصراعات والفتن والانقسامات التي أسست لها الولايات المتحدة، لكي يستمر نفوذها وتستمر هيمنتها من خلال مبدأ أساس وهو «إدارة الأزمات» التي تفتعلها، وتركها تنهش في قوة البلدان لتبقى محتاجة إلى حمايتها!
{ الولايات المتحدة التي فقدت الكثير من مصداقيتها الدولية وصولاً إلى فقدان المصداقية الأخلاقية، تواجه اليوم محاولات دؤوبة من دول كثيرة للفكاك من هيمنتها واستفرادها بالعالم! ولعل ما قاله بوتين في خطابه في (منتدى بطرسبورغ الاقتصادي الدولي) الجمعة الماضي، يلخص الكثير، ومن بين ما قاله هو: (التغيرات جارية في جميع أنحاء العالم، وفي جميع القطاعات الأساسية، وهي تغيرات عميقة وجذرية ولا رجعة فيها)! كما أشار إلى أن (الغرب تعوّد على الهيمنة والاستغلال، ولا يرغب أن تكون لدى الدول الأخرى أنظمة بنكية، ولا يرغب بأي منافسة، ويكبح مراكز التنمية والتطور والمنافسة)!
وأكد أن (الدول الرائدة في العالم لا تخضع اليوم للضغوطات الغربية، الآن أصبحت الأسواق الاقتصادية تعمل بشكل أكبر مقارنة بالتغيرات السياسية. النظام الاستعماري القديم بدأ يزول لصالح عالم متعدد القطبية)! وطرح «بوتين» نقطة هي مثار قلق كل من استثمر في الولايات المتحدة والغرب، وهي تجميد أموال الدول المستثمرة ووضع اليد على الأموال بما يشكّل ضربة كبيرة في مصداقية النظام المالي والاستثماري، حيث قال «بوتين»: (لم يكن أحد يفكر في أن انتهاكات قوانين الملكية في الغرب ستصل إلى هذا الحدّ! ذلك يعيدنا إلى القرون الوسطى! تلك سرقة)!
{ إذاً الغرب والولايات المتحدة التي اتخذت معا شعار «العالم الحرّ»، عبر قرون ثم عقود من الهيمنة الأمريكية كتتويج لنظام الاستعمار القديم، بنت هيمتها من خلال التصرف على أن النفوذ في كل شيء في المضمار الاقتصادي والتجاري والمالي والعلمي والتكنولوجي لها وحدها!، وباقي العالم عبيد! وذلك ما يفسر الرغبة الدولية العالمية في الخلاص من تلك الهيمنة، مع المتغيرات الدولية وتغيّر ميزان القوى، حتى وإن بقيت الولايات المتحدة، حتى اللحظة قوة اقتصادية ومالية كبيرة في العالم، ولكن كل ذلك خلال القادم من الزمن سيطاله التغيّر مع نهاية عصر «البترودولار»! والمتغيّر في العلاقات السعودية – الأمريكية، والخليجية والعربية، التي مع دول أخرى في العالم، تعمل على الفكاك من قفص الهيمنة الأمريكية والغربية، للطيران في فضاء العالم المتنوع والكبير والمتعدد وسيكون أكثر رسوخاً، ولكأن قافلة المودّعين في العالم لهيمنة أمريكا يرفعون يدهم معاً في مشهد وداعي قريب ومستقبلي تنبأ به محللون كثر بينهم محللون أمريكيون وغربيون عن سقوط قادم وهم يقولون (باي باي أمريكا)! القرن الواحد والعشرين هو قرن التعددّية وليس قرن الانفراد الأمريكي أو «القرن الأمريكي»!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك