العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

الاستثمار في الأحذية

أرى‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المتاجر‭ ‬أحذية‭ ‬تصل‭ ‬أسعار‭ ‬الزوج‭ ‬منها‭ ‬إلى‭ ‬نحو‭ ‬1000‭ ‬دولار،‭ ‬فأعجب‭ ‬لأمر‭ ‬من‭ ‬يشتري‭ ‬مثل‭ ‬ذلك‭ ‬الحذاء،‭ ‬طبعاً‭ ‬هناك‭ ‬أحذية‭ ‬تباع‭ ‬بنحو‭ ‬5000‭ ‬دولار‭ ‬أو‭ ‬أكثر‭ ‬ولكنني‭ (‬احترم‭ ‬نفسي‭) ‬ولا‭ ‬أدخل‭ ‬المتاجر‭ ‬التي‭ ‬تعرض‭ ‬سلعاً‭ ‬تفوق‭ ‬طاقتي‭ ‬المالية،‭ ‬ومن‭ ‬فضل‭ ‬الله‭ ‬علي‭ ‬أنني‭ ‬أكره‭ ‬السوق‭ ‬والتسوق‭ ‬والسوقيين،‭ ‬بل‭ ‬قد‭ ‬يمر‭ ‬عام‭ ‬كامل‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬أدخل‭ ‬متجراً‭ ‬يبيع‭ ‬الأقمشة‭ ‬والملبوسات‭ ‬والكماليات‭. ‬واشتريت‭ ‬في‭ ‬أوائل‭ ‬تسعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬أحذية‭ ‬من‭ ‬تشيكوسلوفاكيا‭ ‬ومازلت‭ ‬استخدمها‭ (‬من‭ ‬وراء‭ ‬ظهر‭ ‬زوجتي،‭ ‬أو‭ ‬دون‭ ‬علمها‭ ‬لأنني‭ ‬أجيد‭ ‬دهن‭ ‬الأحذية‭ ‬بما‭ ‬نسميه‭ ‬ورنيش‭ ‬وأصلها‭ ‬في‭ ‬الإنجليزية‭ ‬فارنيش‭ ‬varnish،‭ ‬ولكننا‭ ‬أخذناها‭ ‬من‭ ‬الهنود‭ ‬الذين‭ ‬يجعلون‭ ‬حرف‭ ‬‮«‬في‭ ‬v‮»‬‭ ‬الإنجليزية‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬واو‮»‬‭ ‬ويحولون‭ ‬حرف‭ ‬دبليو‭ ‬الذي‭ ‬يقابل‭ ‬الواو‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬الأحيان‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬فيV‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬أكرمني‭ ‬الله‭ ‬بخاصية‭ ‬عجيبة،‭ ‬فقدماي‭ ‬لا‭ ‬تفرزان‭ ‬من‭ ‬العرق‭ ‬إلا‭ ‬القليل‭ ‬جدا،‭ ‬ولهذا‭ ‬فإن‭ ‬روائح‭ ‬أحذيتي‭ ‬تكون‭ ‬غير‭ ‬كريهة‭).‬

ولا‭ ‬أظن‭ ‬أنني‭ ‬اشتريت‭ ‬أي‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الملابس‭ ‬خلال‭ ‬العامين‭ ‬الماضيين‭ (‬ولهذا،‭ ‬فرغم‭ ‬عملي‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التلفزيون‭ ‬سنوات‭ ‬طوالا‭ ‬فإن‭ ‬مهامي‭ ‬جميعها‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬الكوليس‭ -‬هل‭ ‬مفرد‭ ‬هذه‭ ‬الكلمة‭ ‬‮«‬كالوس»؟‭- ‬ولن‭ ‬يتاح‭ ‬لي‭ ‬أبداً‭ ‬الظهور‭ ‬على‭ ‬الشاشة‭ ‬لأن‭ ‬تلفزيوناتنا‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬القيافة‭ ‬وليس‭ ‬العقل‭). ‬ثم‭ ‬يأتي‭ ‬ثري‭ ‬ياباني‭ ‬ويعرض‭ ‬مائة‭ ‬ألف‭ (‬100.000‭) ‬دولار‭ ‬لشراء‭ ‬الحذاء‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬ينتعله‭ ‬اللاعب‭ ‬البرازيلي‭ ‬رونالدو‭ ‬وسجل‭ ‬به‭ ‬هدفين‭ ‬في‭ ‬مرمى‭ ‬المنتخب‭ ‬الياباني‭ ‬قبل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬15‭ ‬سنة،‭ ‬ورونالدو‭ ‬يستأهل‭ ‬المساعدة‭ ‬لأنه‭ ‬فعلاً‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬ثروة‭ ‬كبيرة‭ ‬ليجري‭ ‬عملية‭ ‬تقويم‭ ‬أسنان،‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬يدفع‭ ‬100‭ ‬ألف‭ ‬دولار‭ ‬لشراء‭ ‬حذاء‭ ‬مستعمل،‭ ‬لا‭ ‬مؤاخذة،‭ ‬حمار‭!! ‬وليس‭ ‬حذاء‭ ‬رونالدو‭ (‬مستعملا‭) ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬وبحكم‭ ‬أنه‭ ‬ارتداه‭ ‬عدة‭ ‬مرات‭ ‬ولعب‭ ‬به‭ ‬عدة‭ ‬مباريات‭ ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬بالتأكيد‭ ‬روائح‭ ‬غير‭ ‬كريمة‭ ‬تفوح‭ ‬منه‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الحذاء‭ ‬مصاب‭ ‬بشد‭ ‬عضلي‭ ‬لأنه‭ ‬ظل‭ ‬مركونا‭ ‬سنوات‭ ‬طوالا؛‭ ‬ولكن‭ ‬هب‭ ‬أن‭ ‬الحذاء‭ ‬كان‭ ‬جديداً‭ ‬ويحمل‭ ‬تواقيع‭ ‬رونالدو‭ ‬ومارادونا‭ ‬وميسي‭ ‬وصورة‭ ‬بيونسي‭ ‬نولز،‭ ‬هل‭ ‬يستحق‭ ‬مثل‭ ‬ذلك‭ ‬المبلغ؟‭ ‬مؤكد‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يخفى‭ ‬على‭ ‬القارئ‭ ‬أنني‭ ‬حاقد‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬المليونير‭ ‬الياباني‭ ‬لأنه‭ ‬مستعد‭ ‬لدفع‭ ‬مبلغ‭ ‬يساوي‭ ‬قيمة‭ ‬ممتلكاتي‭ ‬الثابتة‭ ‬والمنقولة‭ ‬ومدخراتي‭ ‬في‭ ‬بنوك‭ ‬دارفور‭ ‬والأفشور‭ ‬والصومال‭ ‬والسنغال‭ ‬لشراء‭ ‬حذاء‭ ‬سكند‭ ‬هاند‭. ‬وسبق‭ ‬لنفس‭ ‬هذا‭ ‬المخبول‭ ‬الجهول‭ ‬المهبول‭ ‬ان‭ ‬اشترى‭ ‬الروب‭ ‬الذي‭ ‬استخدمه‭ ‬لاعب‭ ‬منتخب‭ ‬انجلترا‭ ‬ديفيد‭ ‬بيكهام‭ ‬عام‭ ‬2002‭ ‬بمبلغ‭ ‬بسيط‭ (‬عشرين‭ ‬ألف‭ ‬دولار‭). ‬والروب‭ -‬يا‭ ‬عديم‭ ‬الثقافة‭- ‬ليس‭ ‬هو‭ ‬الزبادي،‭ ‬بل‭ ‬منشفة‭/‬فوطة‭ ‬حمام‭ ‬على‭ ‬هيئة‭ ‬جاكيت‭ ‬طويل‭. ‬يعني‭ ‬العشرين‭ ‬ألف‭ ‬دولار‭ ‬دفعها‭ ‬صاحبنا‭ ‬نظير‭ ‬اقتناء‭ ‬منشفة‭ ‬استخدمها‭ ‬بيكهام‭ ‬لتجفيف‭ ‬جسمه‭ ‬بعد‭ ‬الاستحمام‭ ‬في‭ ‬فندق‭ ‬كان‭ ‬يقيم‭ ‬فيه‭ ‬خلال‭ ‬مشاركته‭ ‬في‭ ‬بطولة‭ ‬كأس‭ ‬العالم‭ ‬لكرة‭ ‬القدم‭ ‬في‭ ‬كوريا‭ ‬الجنوبية‭ ‬واليابان‭ ‬عام‭ ‬2002‭. ‬وقال‭ ‬هذا‭ ‬المعتوه‭ ‬ان‭ ‬حذاء‭ ‬رونالدو‭ ‬وروب‭ ‬بيكهام‭ ‬قد‭ ‬يباعا‭ ‬مستقبلا‭ ‬بملايين‭.‬

أحب‭ ‬مناشف‭ ‬الحمام‭ ‬الجميلة‭ (‬ونسميها‭ ‬بشكير‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬ومصر‭) ‬وعندي‭ ‬منها‭ ‬الكثير‭ ‬ولكن‭ ‬قيمتها‭ ‬مجتمعة‭ ‬لا‭ ‬تبلغ‭ ‬300‭ ‬دولار،‭ ‬ورغم‭ ‬هذا‭ ‬تقوم‭ ‬بنفس‭ ‬الوظيفة‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬الروب‭ ‬الذي‭ ‬استخدمه‭ ‬بيكهام،‭ ‬تماماً‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬أحذيتي‭ ‬التي‭ ‬ربما‭ ‬لا‭ ‬تزيد‭ ‬قيمة‭ ‬ما‭ ‬اقتنيته‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬ثلاثين‭ ‬سنة‭ ‬على‭ ‬ألفي‭ ‬دولار‭ ‬تحمي‭ ‬رجلي‭ ‬ربما‭ ‬بأفضل‭ ‬ما‭ ‬يفعل‭ ‬حذاء‭ ‬رونالدو،‭ ‬من‭ ‬الهجير‭ ‬والأحجار‭ ‬والمسامير‭.‬

هل‭ ‬سمعتم‭ ‬بوارين‭ ‬بافيت؟‭ ‬حدثتكم‭ ‬عنه‭ ‬كثيرا‭ ‬لأنني‭ ‬احترمه‭ ‬كثيرا،‭ ‬ولمن‭ ‬فاتهم‭ ‬الاستماع‭ ‬بلغة‭ ‬الإذاعة،‭ ‬فإنه‭ ‬ملياردير‭ ‬أمريكي‭ ‬وقد‭ ‬أعلن‭ ‬قبل‭ ‬سنوات‭ ‬قليلة‭ ‬ترك‭ ‬بلايينه‭ ‬لمؤسسة‭ ‬مليندا‭ ‬وبيل‭ ‬غيتس‭ ‬الخيرية‭ ‬التي‭ ‬تبلغ‭ ‬أصولها‭ ‬39‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬ولم‭ ‬يقل‭ ‬بافيت‭: ‬أنا‭ ‬غني‭ ‬وسأنشئ‭ ‬منظمة‭ ‬خيرية‭ ‬تحمل‭ ‬اسمي،‭ ‬كي‭ ‬يعرف‭ ‬الناس‭ ‬‮«‬أفضالي‭ ‬عليهم‮»‬،‭ ‬بل‭ ‬قرر‭ ‬تسليم‭ ‬ثروته‭ ‬لملياردير‭ ‬آخر‭ ‬هو‭ ‬بيل‭ ‬غيتس‭ ‬كي‭ ‬ينفقها‭ ‬في‭ ‬محاربة‭ ‬المرض‭ ‬والفقر‭ ‬والجهل،‭ ‬وليس‭ ‬في‭ ‬شراء‭ ‬الأحذية‭ ‬والمناشف‭ ‬المستعملة‭!!‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا