العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

خارطة طريق للمنطقة العربية

{‭ ‬كانت‭ ‬‮«‬قمة‭ ‬جدة‮»‬‭ ‬الأخيرة،‭ ‬قمة‭ ‬اتسمت‭ ‬بالإيجاز‭ ‬والسرعة،‭ ‬وأنها‭ ‬أسرع‭ ‬قمة‭ ‬بين‭ ‬القمم‭ ‬العربية‭ ‬السابقة‭!‬

الكلمات‭ ‬فيها‭ ‬قصيرة‭ ‬لا‭ ‬تتجاوز‭ ‬كل‭ ‬منها‭ ‬خمس‭ ‬دقائق،‭ ‬والاجتماع‭ ‬لم‭ ‬يتجاوز‭ ‬الثلاث‭ ‬ساعات‭!‬،‭ ‬وكأن‭ ‬ذلك‭ ‬كان‭ ‬إيذانًا‭ ‬بأن‭ ‬المهم‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬العربية‭ ‬القادمة‭ ‬هو‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬ترجمة‭ ‬الكلام‭ ‬والطموحات‭ ‬العربية،‭ ‬وليس‭ ‬الكلام‭ ‬نفسه‭! ‬وهذه‭ ‬مسألة‭ ‬مهمة‭ ‬تنبئ‭ ‬بأن‭ ‬الرياض‭ ‬برؤية‭ ‬2030،‭ ‬تريد‭ ‬‮«‬الإنجاز‮»‬‭ ‬لقيادة‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬إلى‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬والعمل‭ ‬العربي‭ ‬المشترك،‭ ‬وبلورة‭ ‬‮«‬نظام‭ ‬عربي‭ ‬إقليمي‮»‬‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬النهوض‭ ‬ومواجهة‭ ‬كل‭ ‬التحديات‭ ‬والأزمات‭! ‬ولذلك‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬خطاب‭ ‬السعودية‭ ‬التي‭ ‬ترأست‭ ‬مسارات‭ ‬القمة‭ ‬لعام‭ ‬كامل،‭ ‬وعلى‭ ‬لسان‭ ‬وليّ‭ ‬عهدها‭ ‬الأمير‭ ‬‮«‬محمد‭ ‬بن‭ ‬سلمان‮»‬‭ ‬وبشكل‭ ‬قاطع‭ ‬قوله‭: ‬‮«‬لن‭ ‬نسمح‭ ‬بأن‭ ‬تكون‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬ساحة‭ ‬للصراعات‮»‬‭. ‬وبالطبع‭ ‬هي‭ ‬صراعات‭ ‬التنافس‭ ‬الدولي‭!‬

{‭ ‬ولعلّ‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬نتج‭ ‬عن‭ ‬القمة‭ ‬الأخيرة‭ ‬في‭ ‬‮«‬جدة‮»‬‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬الزعماء‭ ‬والقادة‭ ‬العرب،‭ ‬حملوا‭ ‬في‭ ‬كلماتهم‭ ‬روحًا‭ ‬إيجابية،‭ ‬بإمكانية‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬حلول‭ ‬الأزمات‭ ‬العربية‭ ‬بيد‭ ‬عربية،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تدخلات‭ ‬خارجية‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الداخلية‭ ‬العربية،‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬التنمية‭ ‬والاستقرار‭ ‬والأمن،‭ ‬كحقوق‭ ‬أصيلة‭ ‬للمواطن‭ ‬العربي‭ ‬وحفظ‭ ‬السيادة‭ ‬العربية‭! ‬وحيث‭ ‬تمّ‭ ‬اعتماد‭ (‬إعلان‭ ‬جدة‭) ‬للقمة‭ ‬العربية‭ ‬الـ‭ ‬32‭ ‬حول‭ ‬ذلك،‭ ‬وحول‭ ‬‮«‬التنمية‭ ‬المستدامة‮»‬‭ ‬ومكافحة‭ ‬الجريمة‭ ‬والفساد‭ ‬والإرهاب‭ ‬وتصفير‭ ‬الصراعات‭ ‬التي‭ ‬عانت‭ ‬منها‭ ‬شعوب‭ ‬المنطقة،‭ ‬وتعثرت‭ ‬بسبيها‭ ‬التنمية،‭ ‬وتأكيد‭ ‬الهوّية‭ ‬واللغة‭ ‬والتراث‭ ‬والثقافة‭ ‬والفكر‭.‬

{‭ ‬ومع‭ ‬عودة‭ ‬سوريا‭ ‬إلى‭ ‬الحضن‭ ‬العربي،‭ ‬تكون‭ ‬الحلقة‭ ‬العربية‭ ‬قد‭ ‬اكتملت،‭ ‬بما‭ ‬يمهد‭ ‬لتعزيز‭ ‬العمل‭ ‬العربي،‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬المشتركات‭ ‬العربية‭ ‬والأسس‭ ‬التنموية‭ ‬التكاملية،‭ ‬والقيم‭ ‬والمصالح‭ ‬المشتركة‭ ‬والمصير‭ ‬العربي‭ ‬الواحد‭ ‬الذي‭ ‬أثبت‭ ‬التاريخ‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬فصوله‭ ‬ومفاصله،‭ ‬أنه‭ ‬بالفعل‭ ‬مصير‭ ‬واحد‭ ‬ومترابط‭! ‬وربما‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬تنبع‭ ‬أهمية‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ (‬خارطة‭ ‬طريق‭ ‬عربية‭) ‬للمنطقة،‭ ‬طالما‭ ‬أن‭ ‬الرئاسة‭ ‬الجديدة‭ ‬للمشاورات‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬الجامعة،‭ ‬هي‭ ‬بيد‭ ‬الرياض،‭ ‬التي‭ ‬يؤكد‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬السعودي‭ ‬بعمله‭ ‬على‭ ‬تصفير‭ ‬الأزمات‭ ‬العربية،‭ ‬وأن‭ ‬تكون‭ ‬المنطقة‭ (‬أوروبا‭ ‬الجديدة‭)! ‬فهل‭ ‬تملك‭ ‬‮«‬الرياض‮»‬‭ ‬خارطة‭ ‬طريق‭ ‬للمنطقة‭ ‬العربية؟‭!‬

{‭ ‬السعودية‭ ‬بما‭ ‬تملكه‭ ‬من‭ ‬ثقل‭ ‬عربي‭ ‬وإقليمي‭ ‬وإسلامي‭ ‬ودولي‭ ‬ورؤية‭ ‬جديدة،‭ ‬اتضحت‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الداخلي‭ ‬والخارجي،‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬إحداث‭ (‬النقلة‭ ‬النوعية‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬العربي‭ ‬المشترك‭) ‬وعلى‭ ‬البدء‭ ‬بخطوات‭ ‬فاعلة‭ (‬لربيع‭ ‬عربي‭ ‬حقيقي‮»‬‭ ‬يستحق‭ ‬هذه‭ ‬التسمية،‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬‮«‬الخريف‭ ‬العزبي‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬مرّ‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية،‭ ‬وأُطلق‭ ‬عليه‭ ‬جزافًا‭ ‬بمسمّى‭ ‬‮«‬الربيع‭ ‬العربي‮»‬‭!‬

{‭ ‬كذلك‭ ‬العمل‭ ‬العربي‭ ‬بقيادة‭ ‬السعودية‭ ‬على‭ (‬شرق‭ ‬أوسط‭ ‬جديد‭) ‬إيجابي‭ ‬في‭ ‬توجهاته‭ ‬وفاعليته،‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ (‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬الجديد‭ ‬الأمريكي‭ ‬السابق‭) ‬القائم‭ ‬على‭ ‬أجندة‭ ‬التقسيم‭ ‬وإسقاط‭ ‬الأنظمة‭ ‬وإحداث‭ ‬الفوضى‭ ‬وإضعاف‭ ‬العرب‭!‬

فما‭ ‬الذي‭ ‬ينقص‭ ‬العرب‭ ‬ليكونوا‭ (‬قطبا‭ ‬ثالثا‭) ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬بما‭ ‬يملكون‭ ‬من‭ ‬موارد‭ ‬وموقع‭ ‬وتأثير‭ ‬اقتصادي؟‭! ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬ينقصهم‭ ‬هو‭ ‬‮«‬الرؤية‭ ‬الاستراتيجية‮»‬‭ ‬و«الإرادة‭ ‬السياسية‮»‬‭ ‬وكلاهما‭ ‬اليوم‭ ‬يبدو‭ ‬أنهما‭ ‬في‭ ‬طور‭ ‬التشكل‭ ‬الحقيقي،‭ ‬بعد‭ ‬المعاناة‭ ‬العربية‭ ‬المريرة‭ ‬خلال‭ ‬العقد‭ ‬الماضي‭ ‬وقبله،‭ ‬بسبب‭ ‬التدخلات‭ ‬الأجنبية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تتغذى‭ ‬على‭ ‬الضعف‭ ‬العربي،‭ ‬وغياب‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬العربية‭!‬

{‭ ‬أحدهم‭ ‬اقترح‭ ‬أن‭ ‬تقود‭ ‬السعودية‭ ‬والدول‭ ‬العربية‭ ‬الكبرى‭ (‬مشروع‭ ‬مارشال‭ ‬عربي‭) ‬بمساهمة‭ ‬عربية،‭ ‬لإنقاذ‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬المتعثرة،‭ ‬كما‭ ‬فعلت‭ ‬أمريكا‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬تجاه‭ ‬أوروبا‭!  ‬وهذا‭ ‬‮«‬المارشال‭ ‬العربي‮»‬‭ ‬لا‭ ‬بدّ‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬تفعيل‭ ‬‮«‬التكامل‮»‬‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العربي،‭ ‬الذي‭ ‬يمثلّ‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬تجمعّه‭ (‬القوة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬السادسة‭ ‬في‭ ‬العالم‭)!‬

والسعودية‭ ‬هي‭ ‬محلّ‭ ‬ثقة‭ ‬الجميع،‭ ‬وتضع‭ ‬نصب‭ ‬عينيها‭ ‬المصلحة‭ ‬العربية‭ ‬وهموم‭ ‬المواطن‭ ‬العربي،‭ ‬وبإمكانها‭ ‬أن‭ ‬تقود‭ (‬خارطة‭ ‬الطريق‭) ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬سياسة‭ ‬الأقطاب‭ ‬والمحاور‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬البدء‭ ‬في‭ ‬تفعيل‭ ‬قرارات‭ ‬القمم‭ ‬العربية‭ ‬السابقة‭ ‬حول‭ (‬التكامل‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العربي‭) ‬ومحاور‭ ‬حماية‭ ‬الأمن‭ ‬العربي،‭ ‬بما‭ ‬فيه‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي،‭ ‬والدفع‭ ‬عربيًا‭ ‬للمزاوجة‭ ‬بين‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والسياسي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬والثقافي،‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬الطموح‭ ‬جعل‭ ‬المنطقة‭ ‬‮«‬أوروبا‭ ‬الجديدة‮»‬‭ ‬وبناء‭ ‬‮«‬شرق‭ ‬أوسط‭ ‬جديد‮»‬‭!‬

{‭ ‬إن‭ ‬خلصت‭ ‬النيّة‭ ‬وتوفرت‭ ‬الرؤية‭ ‬والإرادة‭ ‬والتكاتف‭ ‬العربي،‭ ‬بالإمكان‭ ‬تحقيق‭ ‬الكثير‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المضمار،‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬العقبات‭ ‬الراهنة‭ ‬و«تحديات‭ ‬التحوّل‭ ‬العالمي‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تتيح‭ ‬الفرصة‭ ‬التاريخية‭ ‬للعرب‭ ‬للخروج‭ ‬من‭ ‬النفق‭ ‬المظلم‭ ‬الذي‭ ‬تمّ‭ ‬حشر‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬دولهم‭ ‬فيه‭! ‬ومن‭ ‬لا‭ ‬يستجيب‭ ‬لمفاعيل‭ ‬الرؤية‭ ‬الجديدة‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العربي،‭ ‬فوحده‭ ‬يكون‭ ‬الخاسر‭ ‬الأكبر،‭ ‬لأن‭ (‬العمل‭ ‬العربي‭ ‬المشترك‭) ‬يرى‭ ‬بصيص‭ ‬النور،‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬الخطابات‭ ‬الإنشائية،‭ ‬وإنما‭ ‬بتفعيل‭ (‬إعلان‭ ‬جدة‭)‬،‭ ‬الذي‭ ‬يثق‭ ‬كثيرون‭ ‬في‭ ‬قدرة‭ ‬السعودية‭ ‬على‭ ‬تفعيله،‭ ‬وفق‭ ‬المصالح‭ ‬العربية‭ ‬المشتركة،‭ ‬التي‭ ‬تضعها‭ ‬السعودية‭ ‬كأساس‭ ‬قوي‭ ‬لتحقيق‭ ‬مصلحتها‭ ‬ومصلحة‭ ‬كل‭ ‬بلد‭ ‬عربي‭ ‬على‭ ‬انفراد‭ ‬أيضًا،‭ ‬بما‭ ‬يوفرّ‭ ‬للانطلاقة‭ ‬العربية‭ ‬مناخًا‭ ‬جديدًا‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا