عالم يتغير
فوزية رشيد
خارطة طريق للمنطقة العربية
{ كانت «قمة جدة» الأخيرة، قمة اتسمت بالإيجاز والسرعة، وأنها أسرع قمة بين القمم العربية السابقة!
الكلمات فيها قصيرة لا تتجاوز كل منها خمس دقائق، والاجتماع لم يتجاوز الثلاث ساعات!، وكأن ذلك كان إيذانًا بأن المهم في المرحلة العربية القادمة هو العمل على ترجمة الكلام والطموحات العربية، وليس الكلام نفسه! وهذه مسألة مهمة تنبئ بأن الرياض برؤية 2030، تريد «الإنجاز» لقيادة المنطقة العربية إلى الأمن والاستقرار والعمل العربي المشترك، وبلورة «نظام عربي إقليمي» قادر على النهوض ومواجهة كل التحديات والأزمات! ولذلك جاء في خطاب السعودية التي ترأست مسارات القمة لعام كامل، وعلى لسان وليّ عهدها الأمير «محمد بن سلمان» وبشكل قاطع قوله: «لن نسمح بأن تكون المنطقة العربية ساحة للصراعات». وبالطبع هي صراعات التنافس الدولي!
{ ولعلّ أهم ما نتج عن القمة الأخيرة في «جدة» هو أن كل الزعماء والقادة العرب، حملوا في كلماتهم روحًا إيجابية، بإمكانية أن تكون حلول الأزمات العربية بيد عربية، من دون تدخلات خارجية في الشؤون الداخلية العربية، للوصول إلى التنمية والاستقرار والأمن، كحقوق أصيلة للمواطن العربي وحفظ السيادة العربية! وحيث تمّ اعتماد (إعلان جدة) للقمة العربية الـ 32 حول ذلك، وحول «التنمية المستدامة» ومكافحة الجريمة والفساد والإرهاب وتصفير الصراعات التي عانت منها شعوب المنطقة، وتعثرت بسبيها التنمية، وتأكيد الهوّية واللغة والتراث والثقافة والفكر.
{ ومع عودة سوريا إلى الحضن العربي، تكون الحلقة العربية قد اكتملت، بما يمهد لتعزيز العمل العربي، بناء على المشتركات العربية والأسس التنموية التكاملية، والقيم والمصالح المشتركة والمصير العربي الواحد الذي أثبت التاريخ في كل فصوله ومفاصله، أنه بالفعل مصير واحد ومترابط! وربما من هنا تنبع أهمية أن يكون هناك (خارطة طريق عربية) للمنطقة، طالما أن الرئاسة الجديدة للمشاورات العربية في إطار الجامعة، هي بيد الرياض، التي يؤكد ولي العهد السعودي بعمله على تصفير الأزمات العربية، وأن تكون المنطقة (أوروبا الجديدة)! فهل تملك «الرياض» خارطة طريق للمنطقة العربية؟!
{ السعودية بما تملكه من ثقل عربي وإقليمي وإسلامي ودولي ورؤية جديدة، اتضحت في السنوات الأخيرة على المستوى الداخلي والخارجي، قادرة على إحداث (النقلة النوعية في العمل العربي المشترك) وعلى البدء بخطوات فاعلة (لربيع عربي حقيقي» يستحق هذه التسمية، بدلا من «الخريف العزبي» الذي مرّ على دول المنطقة العربية، وأُطلق عليه جزافًا بمسمّى «الربيع العربي»!
{ كذلك العمل العربي بقيادة السعودية على (شرق أوسط جديد) إيجابي في توجهاته وفاعليته، بدلا من (الشرق الأوسط الجديد الأمريكي السابق) القائم على أجندة التقسيم وإسقاط الأنظمة وإحداث الفوضى وإضعاف العرب!
فما الذي ينقص العرب ليكونوا (قطبا ثالثا) في العالم، بما يملكون من موارد وموقع وتأثير اقتصادي؟! الذي كان ينقصهم هو «الرؤية الاستراتيجية» و«الإرادة السياسية» وكلاهما اليوم يبدو أنهما في طور التشكل الحقيقي، بعد المعاناة العربية المريرة خلال العقد الماضي وقبله، بسبب التدخلات الأجنبية التي كانت تتغذى على الضعف العربي، وغياب الاستراتيجية العربية!
{ أحدهم اقترح أن تقود السعودية والدول العربية الكبرى (مشروع مارشال عربي) بمساهمة عربية، لإنقاذ الدول العربية المتعثرة، كما فعلت أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية تجاه أوروبا! وهذا «المارشال العربي» لا بدّ أن يقوم على أساس تفعيل «التكامل» في الاقتصاد العربي، الذي يمثلّ في حال تجمعّه (القوة الاقتصادية السادسة في العالم)!
والسعودية هي محلّ ثقة الجميع، وتضع نصب عينيها المصلحة العربية وهموم المواطن العربي، وبإمكانها أن تقود (خارطة الطريق) في المنطقة العربية، في ظل سياسة الأقطاب والمحاور في العالم، على أساس البدء في تفعيل قرارات القمم العربية السابقة حول (التكامل في الاقتصاد العربي) ومحاور حماية الأمن العربي، بما فيه الأمن الغذائي، والدفع عربيًا للمزاوجة بين الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي، إن كان الطموح جعل المنطقة «أوروبا الجديدة» وبناء «شرق أوسط جديد»!
{ إن خلصت النيّة وتوفرت الرؤية والإرادة والتكاتف العربي، بالإمكان تحقيق الكثير في هذا المضمار، رغم كل العقبات الراهنة و«تحديات التحوّل العالمي»، التي قد تتيح الفرصة التاريخية للعرب للخروج من النفق المظلم الذي تمّ حشر العديد من دولهم فيه! ومن لا يستجيب لمفاعيل الرؤية الجديدة على المستوى العربي، فوحده يكون الخاسر الأكبر، لأن (العمل العربي المشترك) يرى بصيص النور، بعيدًا عن الخطابات الإنشائية، وإنما بتفعيل (إعلان جدة)، الذي يثق كثيرون في قدرة السعودية على تفعيله، وفق المصالح العربية المشتركة، التي تضعها السعودية كأساس قوي لتحقيق مصلحتها ومصلحة كل بلد عربي على انفراد أيضًا، بما يوفرّ للانطلاقة العربية مناخًا جديدًا!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك