العدد : ١٧٠٥١ - الخميس ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥١ - الخميس ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

الثقافي

شخصية فريدة من نوعها
«عيسى هجرس» وسِحر الشخصيَّة المُبدعة

بقلم : زينب علي البحراني

السبت ٢٠ مايو ٢٠٢٣ - 02:00

الشخصيَّات‭ ‬المؤثرة‭ ‬تأثيرًا‭ ‬إيجابيًّا‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬الثقافي‭ ‬البحريني‭ ‬غالبًا‭ ‬ما‭ ‬تعمل‭ ‬باجتهادٍ‭ ‬يُغذّيهِ‭ ‬الشغَف،‭ ‬تُقدِّم‭ ‬الهِبات‭ ‬السخيَّة‭ ‬من‭ ‬ذاتها‭ ‬ومشاعرها‭ ‬ووقتها‭ ‬لإنعاش‭ ‬الأجواء‭ ‬الثقافيَّة‭ ‬والإبداعيَّة‭ ‬المُرحِّبة‭ ‬باستقطاب‭ ‬عامَّة‭ ‬الناس‭ ‬والمُساهِمة‭ ‬في‭ ‬الارتقاء‭ ‬بذائقتهم‭ ‬دمن‭ ‬ون‭ ‬توقُّعات‭ ‬بأي‭ ‬مُقابلٍ‭ ‬غير‭ ‬المردود‭ ‬المعنوي‭ ‬المتولِّد‭ ‬عن‭ ‬محبَّة‭ ‬الجمهور‭ ‬والاستمتاع‭ ‬برؤية‭ ‬البهجة‭ ‬المُرتسِمة‭ ‬على‭ ‬ملامحه‭. ‬تلك‭ ‬الشخصيَّات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تدَّخِر‭ ‬فُرصةً‭ ‬لبذل‭ ‬أقصى‭ ‬ما‭ ‬بوسعها‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬الإبداع‭ ‬والثقافة‭ ‬تستحقُّ‭ ‬أن‭ ‬تحظى‭ ‬بتقدير‭ ‬الأقلام‭ ‬المُنصِفة‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬النظر‭ ‬لمُنجزاتها‭ ‬من‭ ‬زاوية‭ ‬رؤية‭ ‬تلتزم‭ ‬أقصى‭ ‬قدرٍ‭ ‬من‭ ‬الأمانة،‭ ‬وهذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬التقدير‭ ‬المعنوي‭ ‬هو‭ ‬‮«‬أضعفُ‭ ‬الإيمان‮»‬‭ ‬لا‭ ‬سيَّما‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬لإبداعها‭ ‬نصيب‭ ‬من‭ ‬الاستضافة‭ ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬إعلام‭ ‬أخرى‭ ‬خارج‭ ‬بلدها‭ ‬مثلما‭ ‬استضافت‭ ‬إذاعة‭ (‬صوت‭ ‬العرب‭) ‬من‭ ‬القاهرة‭ ‬الفنان‭ ‬والمثقف‭ ‬والمُبدع‭ ‬البحريني‭ (‬عيسى‭ ‬هجرس‭) ‬في‭ ‬برنامج‭ (‬نقوش‭ ‬على‭ ‬جدار‭ ‬الوطن‭)‬،‭ ‬ووصفتهُ‭ ‬مُقدمة‭ ‬البرنامج‭ (‬الدكتورة‭/ ‬منال‭ ‬العارف‭) ‬بأنهُ‭ ‬‮«‬‭ ‬اجتمع‭ ‬فيما‭ ‬يقدمه‭ ‬حسن‭ ‬اختيار‭ ‬الكلمات‭ ‬المُعبِّرة‭ ‬وبلاغة‭ ‬الأداء‭ ‬وعُمقِه‮»‬‭ ‬وأضافت‭ ‬مُحتفيةً‭ ‬بصوتِه‭ ‬عبر‭ ‬أثير‭ ‬الإذاعة‭: ‬‮«‬نُرحبُ‭ ‬بنقوشك‭ ‬وبصماتك‭ ‬وإنجازاتك‭ ‬المتنوعة‭ ‬في‭ ‬كثيرٍ‭ ‬من‭ ‬المجالات،‭ ‬والتي‭ ‬تصب‭ ‬في‭ ‬مصلحة‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬وفي‭ ‬مصلحة‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬بصفةٍ‭ ‬عامَّة‮»‬‭.‬

كيفَ‭ ‬لا‭ ‬تُرفرف‭ ‬مشاعر‭ ‬المُستمع‭ ‬البحريني‭ ‬أو‭ ‬الخليجي‭ ‬فخرًا‭ ‬وسعادة‭ ‬بينما‭ ‬يُنصتُ‭ ‬الناطقون‭ ‬بالعربيَّة‭ ‬من‭ ‬مُختلف‭ ‬أنحاء‭ ‬المعمورة‭ ‬لمُثقف‭ ‬ومُفكِّر‭ ‬وفنَّان‭ ‬شرَّف‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬المُتدفقة‭ ‬دائمًا‭ ‬بالإبداع‭ ‬وكانت‭ ‬مُنجزاته‭ ‬من‭ ‬أسباب‭ ‬التأكيد‭ ‬والتذكير‭ ‬بأن‭ ‬لها‭ ‬حضارة‭ ‬وثقافة‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬عن‭ ‬حضارة‭ ‬وثقافة‭ ‬غيرها؟‭ ‬كيف‭ ‬لا‭ ‬نشعُر‭ ‬بالعنفوان‭ ‬وهم‭ ‬يسمعون‭ ‬عن‭ ‬مُنجزات‭ ‬مُبدعٍ‭ ‬ترَأسَ‭ ‬القسم‭ ‬الثقافي‭ ‬والفني‭ ‬بـ‭ (‬نادي‭ ‬اتحاد‭ ‬الشباب‭) ‬و‭(‬نادي‭ ‬الخليج‭) ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬1975م‭- ‬1979م،‭ ‬وكان‭ ‬رئيسًا‭ ‬للقسم‭ ‬الموسيقي‭ ‬في‭ (‬نادي‭ ‬المحرَّق‭) ‬من‭ ‬عام‭ ‬1985م‭ ‬إلى‭ ‬عام‭ ‬1987م،‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬إرساء‭ ‬دعائم‭ ‬تأسيس‭ ‬فرقة‭ ‬موسيقية‭ ‬ومسرحية‭ ‬انطلَقَت‭ ‬حاصِدةً‭ ‬النجاحات‭ ‬في‭ ‬حفلاتها‭ ‬الموسمية‭ ‬خلال‭ ‬الصيف‭ ‬والأعياد‭ ‬والمُناسبات‭ ‬الاحتفاليَّة،‭ ‬ثم‭ ‬انتُخِبَ‭ ‬عضوًا‭ ‬إداريًا‭ ‬في‭ (‬جمعية‭ ‬الموسيقى‭ ‬البحرينية‭) ‬عام‭ ‬1994م‭ ‬بذلَ‭ ‬خلالها‭ ‬ما‭ ‬بوسعه‭ ‬للنهوض‭ ‬بالقوانين‭ ‬والتشريعات‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬خدمة‭ ‬الفنَّانين،‭ ‬لكن‭ ‬ظروف‭ ‬المرحلة‭ ‬لم‭ ‬تكُن‭ ‬مُلائمة‭ ‬لتحقيق‭ ‬تلك‭ ‬الطموحات‭ ‬العالية‭ ‬بما‭ ‬فيه‭ ‬الكِفاية،‭ ‬وكان‭ ‬أمينًا‭ ‬عامًا‭ ‬لـ‭ (‬مركز‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬كانو‭ ‬الثقافي‭) ‬على‭ ‬مدى‭ ‬15‭ ‬عامًا‭ ‬وأحد‭ ‬أعضائه‭ ‬المؤسسين،‭ ‬ولا‭ ‬ينتهي‭ ‬الكلام‭ ‬إن‭ ‬تحدثنا‭ ‬عن‭ ‬مُنجزاته‭ ‬الشخصية‭ ‬في‭ ‬الإبداع‭ ‬الفني‭ ‬والثقافي‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬أبرزها‭ ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬إطلاق‭ ‬كتاب‭ (‬السرايات‭) ‬من‭ ‬تأليفه‭.‬

في‭ ‬بلدان‭ ‬أُخرى‭ ‬‭ ‬منها‭ ‬مصر‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭- ‬نال‭ ‬كثيرٌ‭ ‬من‭ ‬المُبدعين‭ ‬حظ‭ ‬التأريخ‭ ‬الكافي‭ ‬لفترتهم‭ ‬الزمنيَّة‭ ‬بأقلام‭ ‬إعلاميين‭ ‬أو‭ ‬أصدقاء‭ ‬يُصاحبونهم‭ ‬خلال‭ ‬تفاصيل‭ ‬حياتهم‭ ‬الإبداعيَّة‭ ‬وشيء‭ ‬من‭ ‬حياتهم‭ ‬الشخصيَّة،‭ ‬منهم‭ ‬الأساتِذة‭ ‬وجدي‭ ‬الحكيم‭ ‬ومُفيد‭ ‬فوزي‭ ‬ومحمد‭ ‬عشوب‭ ‬وآخرون،‭ ‬لكن‭ ‬يندر‭ ‬وجود‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬التأريخ‭ ‬المُنصِف‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬عمومًا‭ ‬والبحرين‭ ‬خصوصًا؛‭ ‬ما‭ ‬يحرم‭ ‬الراغبين‭ ‬بمعرفة‭ ‬لمحات‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬هذا‭ ‬المُبدِع‭  ‬مُستقبلاً‭ ‬فُرصة‭ ‬استكشاف‭ ‬جوانب‭ ‬من‭ ‬شخصيته‭ ‬المؤثرة‭ ‬في‭ ‬مسيرته‭ ‬الإبداعيَّة،‭ ‬لذا‭ ‬سيُحاول‭ ‬قلمي‭ ‬تأدية‭ ‬الأمانة‭ ‬الواجبة‭ ‬للإبداع‭ ‬والثقافة‭ ‬بتسليط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬جوانب‭ ‬تستحق‭ ‬الالتفات‭ ‬إلى‭ ‬الشخصية‭ ‬الإبداعيَّة‭ ‬لهذا‭ ‬الإنسان،‭ ‬مع‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬المعلومات‭ ‬المذكورة‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬‮«‬ما‭ ‬شهِدنا‭ ‬إلا‭ ‬بما‭ ‬رأينَا‮»‬،‭ ‬بحيث‭ ‬لو‭ ‬سُئِلَ‭ ‬أي‭ ‬شخصٍ‭ ‬مُحايِد‭ ‬ممن‭ ‬عاصروا‭ ‬هذه‭ ‬المرحَلة‭ ‬بوجهٍ‭ ‬خاص‭ ‬من‭ ‬شخصية‭ ‬هذا‭ ‬الفنان‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬معلومةٍ‭ ‬مما‭ ‬يُذكر‭ ‬هُنا‭ ‬تكون‭ ‬إجابتهُ‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬صحتها‭.‬

يمتاز‭ ‬الفنان‭ ‬عيسى‭ ‬هجرس‭ ‬بشخصيةٍ‭ ‬يُمكن‭ ‬اعتبارها‭ ‬فريدة‭ ‬من‭ ‬نوعها‭ ‬وِفق‭ ‬مقاييس‭ ‬عصرنا‭ ‬الحاضِر،‭ ‬إنهُ‭ ‬ذاك‭ ‬الإنسان‭ ‬الذي‭ ‬حقق‭ ‬مُعادلة‭ ‬تكاد‭ ‬تكون‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬المُعجزة‭ ‬باتفاق‭ ‬جمعٍ‭ ‬هائل‭ ‬من‭ ‬مُختلف‭ ‬الأطياف‭ ‬البشريَّة‭ ‬والتوجهات‭ ‬الفكرية‭ ‬والمُعتقدات‭ ‬الإنسانية‭ ‬على‭ ‬محبته‭ ‬والاستئناس‭ ‬بصُحبته‭ ‬والاستعداد‭ ‬لملء‭ ‬القاعات‭ ‬بحضور‭ ‬أي‭ ‬فعالية‭ ‬ثقافية‭ ‬يكون‭ ‬هو‭ ‬نجمها‭ ‬أو‭ ‬مُقدمها،‭ ‬وما‭ ‬كانت‭ ‬تلكَ‭ ‬المحبَّة‭ ‬والثقة‭ ‬منهم‭ ‬إلا‭ ‬انعكاسًا‭ ‬لمشاعره‭ ‬الداخليَّة‭ ‬المؤمِنة‭ ‬بقيمة‭ ‬الإنسان‭ ‬الذي‭ ‬يتعامل‭ ‬معه‭ ‬بصرف‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬مُعتقداته‭ ‬الشخصيَّة،‭ ‬وهو‭ ‬ذاك‭ ‬المثقف‭ ‬المُشجِّع‭ ‬تشجيعًا‭ ‬مليئًا‭ ‬بالحماسة‭ ‬كُل‭ ‬موهبة‭ ‬أصيلة‭ ‬يُصادفها‭ ‬في‭ ‬طريقه‭ ‬بكرم‭ ‬نفسٍ‭ ‬لا‭ ‬يُقصي‭ ‬أحدًا‭ ‬ولا‭ ‬يخشى‭ ‬أن‭ ‬يحتل‭ ‬مكانهُ‭ ‬أحد،‭ ‬تراهُ‭ ‬يهبط‭ ‬من‭ ‬مسرحِه‭ ‬في‭ ‬أمسية‭ ‬يكون‭ ‬هو‭ ‬سيّدها‭ ‬ليُسلِّم‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬يعرفهم‭ ‬واحدًا‭ ‬واحدًا‭ ‬بلطفٍ‭ ‬واهتمام‭ ‬ينم‭ ‬عن‭ ‬شخصيَّة‭ ‬مُعافاة‭ ‬من‭ ‬عُقدة‭ ‬انتظار‭ ‬أن‭ ‬يبدأ‭ ‬الآخر‭ ‬بالسلام‭ ‬كما‭ ‬يفعل‭ ‬بعض‭ ‬نجوم‭ ‬الوسط‭ ‬الثقافي،‭ ‬وبينما‭ ‬يحرصُ‭ ‬كُل‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬مشاعر‭ ‬السامع‭ ‬من‭ ‬كلمة‭ ‬يتفوَّهُ‭ ‬بها‭ ‬أو‭ ‬رأيٍ‭ ‬يُفصِحُ‭ ‬عنه‭ ‬إلى‭ ‬درجةٍ‭ ‬تلمحُ‭ ‬فيها‭ ‬أنهُ‭ ‬يُعملُ‭ ‬فكرهُ‭ ‬بضع‭ ‬ثوانٍ‭ ‬لاستبدال‭ ‬كلمةٍ‭ ‬بأرقِّ‭ ‬منها‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬ينطقها،‭ ‬أو‭ ‬لشرحِ‭ ‬الفكرة‭ ‬التي‭ ‬يود‭ ‬طرحها‭ ‬على‭ ‬السامعين‭ ‬بطريقةٍ‭ ‬غير‭ ‬مُباشِرةٍ‭ ‬توصِل‭ ‬لهم‭ ‬المضمون‭ ‬من‭ ‬دونَ‭ ‬أن‭ ‬تجرحهم،‭ ‬يتبادل‭ ‬الدعابات‭ ‬والنكات‭ ‬مع‭ ‬الحاضرين‭ ‬من‭ ‬أصدقائه‭ ‬ورفاق‭ ‬عمره‭ ‬بعفويةٍ‭ ‬مُشاغبةٍ‭ ‬تخلو‭ ‬من‭ ‬التكلُّف،‭ ‬ورغم‭ ‬مستوى‭ ‬ثقافته‭ ‬الرفيع‭ ‬الذي‭ ‬تلمسه‭ ‬من‭ ‬سطور‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬السرَّايات‮»‬‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬أحاديثه‭ ‬عن‭ ‬شؤون‭ ‬ثقافية‭ ‬في‭ ‬مُناسباتٍ‭ ‬تستقطب‭ ‬جمهور‭ ‬المُثقفين‭ ‬والمُبدعين‭ ‬المُحترفين؛‭ ‬إلا‭ ‬أنهُ‭ ‬يتعمد‭ ‬النزول‭ ‬درجةً‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬المُنصِت‭ ‬البسيط‭ ‬حين‭ ‬يوجه‭ ‬حديثه‭ ‬إلى‭ ‬جمعٍ‭ ‬من‭ ‬عامَّة‭ ‬الناس‭ ‬مُتجنبًا‭ ‬حواجز‭ ‬التواصُل‭ ‬بينه‭ ‬وبينهم‭. ‬إنهُ‭ ‬من‭ ‬القلائل‭ ‬الذينَ‭ ‬اختاروا‭ ‬الاندماج‭ ‬مع‭ ‬مُختلف‭ ‬طبقات‭ ‬المُجتمع‭ ‬في‭ ‬لقاءاتٍ‭ ‬وديةٍ‭ ‬مُنتظمة‭ ‬تجتمع‭ ‬خلالها‭ ‬باقة‭ ‬من‭ ‬المبدعين‭ ‬والموهوبين‭ ‬دون‭ ‬قيودٍ‭ ‬على‭ ‬حضورها،‭ ‬وإذا‭ ‬وقع‭ ‬بصره‭ ‬على‭ ‬شخصٍ‭ ‬يرتسم‭ ‬الحزن‭ ‬على‭ ‬ملامحه‭ ‬بين‭ ‬الحاضرين‭ ‬يبذل‭ ‬جُهدهُ‭ ‬للتسرية‭ ‬عنه‭ ‬بأغنيةٍ‭ ‬أو‭ ‬دُعابةٍ‭ ‬أو‭ ‬حديثٍ‭ ‬طريفٍ‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تُضيء‭ ‬عيناه‭ ‬وتتربع‭ ‬الابتسامة‭ ‬على‭ ‬شفتيه،‭ ‬فترى‭ ‬أشخاصًا‭ ‬يدخلون‭ ‬المكان‭ ‬وهموم‭ ‬الدنيا‭ ‬تُثقل‭ ‬كواهلهم؛‭ ‬ولا‭ ‬يخرجون‭ ‬منهُ‭ ‬إلا‭ ‬ضاحكين‭ ‬تفيضُ‭ ‬البهجة‭ ‬من‭ ‬أعطافِهم،‭ ‬ربما‭ ‬لهذا‭ ‬وصفهُ‭ ‬الشاعر‭ ‬إبراهيم‭ ‬الأنصاري‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬قصائده‭ ‬بقوله‭: ‬‮«‬تهدأ‭ ‬أرواح‭ ‬وتسلَّى‭ ‬لي‭ ‬وصَل‭ ‬عيسى‭.. ‬وحيَّا‮»‬،‭ ‬ولعلَّ‭ ‬أبرز‭ ‬ما‭ ‬يُميِّز‭ ‬تلك‭ ‬اللقاءات‭ ‬الوديَّة‭ ‬العامَّة‭ ‬أولاً‭: ‬شعور‭ ‬المُنضم‭ ‬إليها‭ ‬بالترحيب‭ ‬والراحة‭ ‬والانتماء،‭ ‬على‭ ‬عكسِ‭ ‬لقاءاتٍ‭ ‬في‭ ‬أماكن‭ ‬أخرى‭ ‬يشعر‭ ‬فيها‭ ‬الجالس‭ ‬بالأجواء‭ ‬جاثمةً‭ ‬على‭ ‬صدره‭ ‬من‭ ‬نظرات‭ ‬النبذ‭ ‬والإقصاء،‭ ‬وثانيًا‭: ‬تشجيع‭ ‬الموهبة‭ ‬أو‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬الذات‭ ‬صغيرة‭ ‬كانت‭ ‬أم‭ ‬كبيرة‭ ‬بالاستحسان‭ ‬والتصفيق‭ ‬لدفعه‭ ‬إلى‭ ‬الأمام،‭ ‬وهي‭ ‬ما‭ ‬تفتقر‭ ‬إليهِ‭ ‬مجموعاتٌ‭ ‬أخرى‭ ‬يُهاجم‭ ‬كل‭ ‬فردٍ‭ ‬فيها‭ ‬الآخر‭ ‬ويستهدف‭ ‬النيل‭ ‬من‭ ‬معنوياته‭.‬

إذا‭ ‬حضر‭ (‬عيسى‭ ‬هجرس‭) ‬حضر‭ ‬معهُ‭ (‬الزمن‭ ‬الجميل‭) ‬بروحه‭ ‬المعجونة‭ ‬بإبداع‭ ‬ومشاعِر‭ ‬وأخلاق‭ ‬ورُقي‭ ‬وعنفوان‭ ‬وتفاؤل‭ ‬ذاك‭ ‬الزمن،‭ ‬وإذا‭ ‬تدفَّق‭ ‬حديثهُ‭ ‬ينبضُ‭ ‬في‭ ‬الذاكرة‭ ‬إيقاع‭ (‬القصيدة‭ ‬الدمشقيَّة‭) ‬للشاعر‭ (‬نزار‭ ‬قباني‭) ‬في‭ ‬البيت‭ ‬الذي‭ ‬يقول‭: ‬‮«‬أنا‭ ‬الدمشقيُّ‭ ‬لو‭ ‬شرَّحتُمُ‭ ‬جسدي‭/ ‬لسالَ‭ ‬مِنهُ‭ ‬عناقيدٌ‭ ‬وتُفَّاحُ‮»‬،‭ ‬فعيسى‭ ‬هجرس‭ ‬هو‭ ‬البحرينيُّ‭ ‬لو‭ ‬فُتِّشَت‭ ‬كُل‭ ‬خليةٍ‭ ‬من‭ ‬خلاياه‭ ‬لوجدنا‭ ‬بصمة‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬حمضها‭ ‬النووي،‭ ‬وهو‭ ‬المُحرَّقي‭ ‬تعزف‭ ‬كُريات‭ ‬دمهِ‭ ‬على‭ ‬أنغام‭ ‬عشق‭ ‬المُحرَّق،‭ ‬وهو‭ ‬الإنسان‭ ‬الذي‭ ‬ينتصر‭ ‬دائمًا‭ ‬لإنسانيَّته،‭ ‬والفنَّان‭ ‬الموهوب‭ ‬القادر‭ ‬على‭ ‬بث‭ ‬السحر‭ ‬في‭ ‬قلوب‭ ‬الجماهير‭ ‬بجاذبيَّة‭ ‬شخصيَّتِه‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا