عالم يتغير
فوزية رشيد
سوريا على خطى العودة!
{ بعد 12 عامًا من تجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية، صدر قرار إعادتها إلى الجامعة بآلية «خطوة مقابل خطوة»، ولكن بعد أن وصلت الأزمة السورية إلى أفق مسدودة، وبعد أن عاثت القوى الإقليمية (تركيا وإيران) وتمكنت القوى الدولية (أمريكا والغرب وروسيا) من فرض سيطرتها ولكل مصالحه! فيما كان العرب بعيدين حتى عن المؤتمرات الدولية التي تواصلت إقامتها لحلّ الأزمة السورية!
{ لماذا تمّ إبعاد هذا البلد العربي من البداية عن محيطه العربي؟ ولماذا طال هذا الإبعاد ليتجاوز عقدًا من الزمن؟! ولماذا تمّ التفكير في إعادته؟! هنا تختلف التحليلات وتتضارب الرؤى والتفسيرات! ولكن النتيجة القاسية أن بلدًا عربيًا، ما حدث فيه لم يختلف عما حدث في ليبيا وغيرها كمثال، ومع انكشاف الأجندات الغربية والأمريكية تحديدًا، في الركوب على موجة ما سُمي بـ«الربيع العربي» لم يكن الهدف منها غير إفشال دول عربية، وإسقاطها، وتمهيدها للتقسيم! وجعلها بؤرة للصراع الداخلي والاحتراب على يد مليشيات دخيلة، كل منها يتبع جهة غير الجهة التي تتبع لها مليشيات أخرى!، فأصيب الجيش السوري في مقتل! وتمّ تدمير البلد وتشريد الملايين من السوريين، بين لاجئ في بحار الموت، أو نازح من منطقة إلى أخرى!
ولم يتحقق هدف واحد مما أراده الشعب السوري، بسبب تداخل أجندات القوى الإقليمية والدولية! حتى فاق العرب أو الجامعة العربية، على خطأ إبعاد سوريا، بنظامها ذاته، من المحيط العربي!
{ بعد 12 عامًا، وبقرار الجامعة العربية، تمّ وضع سوريا مجددًا على خط العودة إلى الطريق العربي! فهل كان القرار الأول بالإبعاد خطأ استراتيجيًّا؟! هل استفاد النظام العربي من دروس المرحلة التي بدأت منذ 2011؟! ولماذا استماتت أمريكا في رفض العودة؟!
ولماذا رفضت إحدى الدول العربية، التي تورطتّ بعمق في الأحداث السورية واستماتت في منع قرار الجامعة العربية؟!
ستبقى هذه الأسئلة، رغم وضوح أسس الإجابة عنها، رهينة المرحلة القادمة وخطوة مقابل خطوة!
{ في الوقت الذي حلم فيه الشعب السوري بالتغيير وتحقيق مطالب شرعية وعادلة له، وصل الأمر به إلى التشرّد والإفقار واقتسام أراضيه! بل والتغيير الديموغرافي واللعب على هويته، والكثير من المآسي التي تحتاج إلى مجلدات لسردها!
هل تمكنت المعارضة السورية، التي انقسمت ولاءاتها وتمويلها بين هذه الدولة وتلك، وهذه القوة الدولية وتلك من جمع شتاتها وتوحيد رؤيتها؟! أم أن الصراعات بينها وبين بعضها كفصائل وقوى داخلية، استمرأ بعضها الإقامة في فنادق الدول الداعمة لها، لتضيع بين صفوفها (المعارضة الوطنية الحقيقية) التي تاهت بدورها وتاهت بوصلتها، بين النظام ومعارضة الفنادق، فكانت الأضعف بين الصفوف! فيما بقي النظام حاميًا لنفسه، بما تمكن من الحفاظ عليه من الأرض السورية، بقوى إقليمية «إيران» ودولية «روسيا»!، فيما تمركزت أمريكا في الأراضي النفطية لتواصل نهب الثروات وعينها ليس فقط على النفط، وإنما على الغاز وباقي الثروات! فيما تركيا عينها على اقتطاع الشمال السوري، وإيران تبادل ديونها باقتطاع أراضٍ سورية، بعد أن تمكنت من التغيير الديموغرافي وتخريب الهوية الدينية للسوريين، بما أقامته من مراكز ومآتم وطقوس في الشوارع، لم تكن سوريا قد شهدت مثيلاً لها من قبل!
{ مع مرور السنوات اتضحّ أن تشتت المعارضة والارتزاق لدى البعض بتسمية المعارضة، كانت سببًا أيضًا في الضباب السياسي الذي أحاط بها! ولم تكن ذات (بُعد وطني جامع)، وقادر على التماسك في وجه المطالب المرفوعة، حتى ضاعت بين الأرجل، ورغم كل تضحيات الشعب السوري، «المعارضة الوطنية الحقيقية»، وساعد في ذلك ابتعاد العرب عن كل الحوارات الدائرة لحلّ الأزمة السورية، التي تلاعبت بها القوى الإقليمية والدولية كما تشاء، لتطول الأزمة وتتفنن في إدارتها كأزمة وليس حلها!
{ المشهد السوري عانى كثيرًا من الفوضى في الرؤية، سواء لدى النظام أو لدى المعارضة، مما جعل استباحة الأرض السورية، حتى من الكيان الصهيوني فعلاً مستمرًا من دون ردّ!.. ولذلك فإن قرار الجامعة العربية، هو قرار قد تأخر كثيرًا، وتأخرّه دلّ على أن «الرؤية العربية الاستراتيجية» كانت ضعيفة! ولم تكن بحجم المخططات التي هدفت إلى إضعاف بلد عربي بعد آخر!، والشروط الموضوعة للعودة (برجوع اللاجئين وضمان أمنهم، وإجراء انتخابات نزيهة والحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وخروج المليشيات) كلها مرهونة بقدرة النظام العربي على إثبات نفسه في تحقيق ذلك! وفي النهاية الأوطان تبقى ومن أساء أو أجرم في حق وطنه يرحل! وما يريده الشعب السوري هو الأمن والاستقرار وتحقيق مطالبه الشرعية في العيش في ظل حكم يضمن له العدالة السياسية والاجتماعية والحرية والحقوق! فهل سيتحقق ذلك قريبًا أم أنه سيخضع بدوره لرؤية خطوة خطوة؟!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك