عالم يتغير
فوزية رشيد
تغيير الهوية المصاب الأخطر!
{ في عالم تتعدد وتتنوع فيه الهويات التاريخية والحضارية والثقافية والدينية، فإن كل أمة وكل شعب بل وحتى الأقليات، تفخر بخصوصية هويتها، وتستعرض ما يميز ثقافتها وعاداتها وتقاليدها، وكأنها تتحدث عن بصمتها الخاصة التي تدل عليها بين بصمات شعوب العالم الأخرى والأمم المختلفة!
حتى الأمم التي تعتبر نفسها الأكثر انفتاحا على التطورات والتغيرات، وتعتنق الليبرالية والنيوليبرالية والعلمانية والرؤية المادية كالغرب تفخر وتعتز بتقاليدها وعاداتها القديمة! وتعدها امتدادًا لوجودها وسلالتها ونمطها الثقافي القديم! لذلك جاء تعبير رئيس الوزراء البريطاني «ريشي سوناك» تعليقاً على احتفال التتويج الملكي للملك تشارلز الثالث وطقوس التتويج قائلا: (إنه التعبير عن الفخر بتاريخنا وثقافتنا وتقاليدنا، ودليل حي على الطابع الحديث لبلدنا، وطقوس نعتز بها تولد من رحمها حقبة جديدة)! بالطبع هو هنا يتحدث عن بريطانيا كبريطاني وليس هنديا من أصول هندية، وخاصة أنه بدوره أبدى اعتزازاً وفخراً بتقاليد وعادات تلك الأصول الهندية حين تسلم رئاسة الوزراء أثناء احتفاله بذلك في بيته!
{ إن اعتزاز الأمم بهويتها وعاداتها وتقاليدها، مهما شاب تلك التقاليد من شوائب، تثير مفارقة، وخاصة بالنسبة إلى الدول المتطورة وتحديداً (الدول الغربية الاستعمارية)، التي وهي ترسخ هويتها عالميا، فإنها في الوقت ذاته وطوال فترة احتلالها لدول وأمم وشعوب أخرى، تختلف عنها في هويتها وثقافتها، حاولت الاعتداء على تلك الهويات وطمسها وطمس أهم معلم لتلك الهويات وهي اللغة! وما بين (تغريب الشعوب) عن تاريخها وسرقة آثارها، وتدمير معالمها الأثرية والحضارية، وفرض لغتها الاستعمارية كما فعلت فرنسا أكثر من غيرها من «فرنسة» الشعوب التي غزتها، ومنها الجزائر على سبيل المثال، فهي إنما تفعل ذلك، ومثلها بقية دول الغرب الاستعماري، في فرض هويتها وقيمها لإدراكهم ما لتشبث الشعوب بهوياتها من أثر في رفض الاحتلال وهويته! ولذلك كانت الشعارات الاستعمارية هي ذاتها وبأن سبب مجيئها هو التنوير والتثقيف والدمقرطة لاحقا وغير ذلك من شعارات براقة تخفي خلفها أهدافاً أخرى لتغيير الهويات لدى الشعوب التي تغزوها!
{ المفارقة إن العرب تحديدا وقد وقعوا في فخ التقليد والتبعية للمستعمر باتوا اليوم هم من يعملون على تغيير هويتهم التي تحمل في داخلها الثقافة واللغة والدين والقيم والعادات والتقاليد الحميدة!
1- حباهم الله بلغة هي أم اللغات في العالم وأقدمها، ومع ذلك تعاني اللغة العربية اليوم ما تعانيه من تهميش وتغريب وإهمال في داخل الدول العربية نفسها!
2- حباهم الله بدين هو خاتم الأديان وأكملها كرسالة للبشرية كلها، ومع ذلك يعمل كثيرون من مدعي الفكر والثقافة والتطور على تهميش هذا الدين العظيم! بل دخل كثيرون، بوعي أو من دون وعي، في طقوس عبادات أخرى من المدارس الباطنية، وعلى رأسها (الطقوس البوذية الشركية) وصولاً إلى طقوس عبادة الشيطان واحتفالاته كتقليد لأسوأ ما في الغرب!
3- حباهم الله كعرب بحضارات هي أصل كل الحضارات في العالم، وأكثرها تأثيراً على مسار البشرية، منذ ما قبل التاريخ ومع ذلك يتصرفون في العالم وكأنهم نكرة، أمام حضارة غربية (مستجدة) وبها كثير من التشوهات القيمية والأخلاقية والفكرية! وكأنهم لو أتيحت لهم الفرصة لاستبدلوا جلودهم بجلود أخرى، بسبب الإحساس بالدونية تزامناً مع الحملات الغربية، التي تؤصل فيهم ذلك الإحساس!
4 - حباهم الله عبر الأزمان والعصور بمفكرين عرب ومسلمين أخذ عنهم الغرب ليبني مسيرة تطوره العلمي والفكري ومع ذلك بقدر ما يحفظ العرب اليوم أسماء النجوم في الفن والرياضة لا يعرفون مفكريهم ولا رموزهم التاريخية، ولا الآثار التي تركها هؤلاء في كتبهم، ولا الدلالات التاريخية لمسار أمتهم!
5- حباهم الله بالقيم والأخلاق التي امتدحها الرسول الأعظم قائلا: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»! ومع ذلك ها هم ينجرفون وراء القيم الغربية والفوضى الأخلاقية التي يكرسها الاستبداد العالمي على يد النخبة الماسونية في العالم، من دون أن يواجهوا هذه المحاولات للتغيير في الهوية الأخلاقية والقيمية، بما تستحق من جهود وتكاتف عربي! والشيء ذاته حدث بالنسبة إلى العادات والتقاليد التي يتم الاحتفال بها اليوم فلكلوريا فقط!
{ لن نتحدث عن ما حبا الله العرب أيضا من إمكانيات وثروات مادية هم محسودون عليها وسبب تكالب الدول عليهم!، ولم يتم استغلالها كما يجب، فحديثنا عن الهوية التي يتم إضاعتها، في الوقت الذي تتفاخر فيه أمم بهويتها بل وبوثنيتها بل وبفوضاها الأخلاقية! بل وبعنصريتها كما الغرب، ليبدو العرب مع فقدان الاعتزاز بالهوية (لغة ودينا وقيماً وأخلاقاً وتاريخاً وحضارات) وكأنهم في حالة دونية هم أكسبوها لأنفسهم وبيدهم اليوم ومسؤولون أمام الله عن ما ضيعوه! فقدان الهوية أو تغييرها هي بالفعل المصاب الأخطر الذي إن أصاب أمة وهنا (خير أمة أخرجت للناس) فلا بد أن تصاب بالضعف والضياع والتشتت، لأنها بفقدان هويتها تكون قد فقدت نفسها!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك