العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

شفطة فشمة ف.. دمار

قد‭ ‬يعتاد‭ ‬الإنسان‭ ‬على‭ ‬شيء‭ ‬ما‭ ‬طعاما‭ ‬أو‭ ‬شرابا‭ ‬أو‭ ‬سلوكا،‭ ‬حتى‭ ‬الإجرام‭ ‬يصبح‭ ‬اعتيادا‭ ‬ثم‭ ‬إدمانا،‭ ‬وإدمان‭ ‬القهوة‭ ‬يبدأ‭ ‬برشفة،‭ ‬وإدمان‭ ‬السجائر‭ ‬يبدأ‭ ‬بـ«نَفَس‮»‬،‭ ‬وإدمان‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬يبدأ‭ ‬بـ‮«‬غواية‮»‬،‭ ‬ففي‭ ‬لحظة‭ ‬معينة‭ ‬يكون‭ ‬الإنسان‭ ‬مهيئا‭ ‬لقبول‭ ‬أشياء‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬ليقبل‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬لحظات‭ ‬وظروف‭ ‬أخرى‭: ‬خد‭ ‬كاس‭ ‬يعدل‭ ‬مزاجك‭!! ‬شمة‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬البودرة‭ ‬وتنسي‭ ‬الماضي‭ ‬والآتي،‭ ‬وهكذا‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬الكأس‭ ‬الأول‭ ‬الى‭ ‬الكأس‭ ‬الثالث‭ ‬بعد‭ ‬الألف،‭ ‬والشمة‭ ‬المحاية‭ ‬التي‭ ‬تمسح‭ ‬الماضي‭ ‬وتجعل‭ ‬الحاضر‭ ‬ضبابيا،‭ ‬قد‭ ‬تحولك‭ ‬الى‭ ‬‮«‬شمام‮»‬‭ ‬محترف،‭ ‬ومن‭ ‬تفانين‭ ‬محبي‭ ‬الخمر‭ ‬أنهم‭ ‬يشجعون‭ ‬من‭ ‬لم‭ ‬يجربوا‭ ‬تعاطيه‭ ‬بزعم‭ ‬أنه‭ ‬دواء‭ ‬لكل‭ ‬داء،‭ ‬ومن‭ ‬إبداعاتهم‭ ‬التي‭ ‬ذكرتها‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مقال‭ ‬أنهم‭ ‬يقولون‭ ‬لمن‭ ‬يشكو‭ ‬من‭ ‬الإمساك‭ ‬أنه‭ ‬يجعل‭ ‬الجهاز‭ ‬الهضمي‭ ‬سالكا،‭ ‬ولمن‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬الإسهال‭ ‬أنه‭ ‬يكون‭ ‬بمثابة‭ ‬سدادة‭ ‬تمنع‭ ‬وصول‭ ‬فضلات‭ ‬الطعام‭ ‬من‭ ‬المعدة‭ ‬والأمعاء‭ ‬إلى‭ ‬المستقيم‭.‬

والإدمان‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬بالضرورة‭ ‬بتعاطي‭ ‬أشياء‭ ‬محرمة‭ ‬دينيا‭ ‬أو‭ ‬بحكم‭ ‬القانون‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬ضارة‭ ‬صحيا،‭ ‬إنه‭ ‬في‭ ‬أبسط‭ ‬تعريفاته‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الاعتياد‭ ‬على‭ ‬شيء‭ ‬معين‭ ‬بحيث‭ ‬يمثل‭ ‬الإقلاع‭ ‬عنه‭ ‬عنتا‭ ‬ومشقة‭ ‬عضوية‭ ‬أو‭ ‬نفسية‭. ‬أنا‭ ‬شخصيا‭ ‬مدمن‭ ‬شاي‭ ‬وعلى‭ ‬استعداد‭ ‬لشرب‭ ‬عشرة‭ ‬أكواب‭ ‬من‭ ‬الحجم‭ ‬الكبير‭ ‬منه‭ ‬يوميا،‭ ‬ورغم‭ ‬ان‭ ‬الشاي‭ ‬مفيد‭ ‬للجسم‭/ ‬الصحة‭ ‬إلا‭ ‬انني‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬مرتاحا‭ ‬لكوني‭ (‬أدمنه‭) ‬فالمدمن‭ ‬مُستعبَد،‭ ‬ثم‭ ‬انتبهت‭ ‬إلى‭ ‬أنني‭ ‬لست‭ ‬‮«‬مدمن‭ ‬شاي‮»‬،‭ ‬لأن‭ ‬ظروفا‭ ‬معينة‭ ‬قد‭ ‬تحرمني‭ ‬من‭ ‬شربه‭ ‬فلا‭ ‬أحس‭ ‬بضيق‭ ‬أو‭ ‬صداع،‭ ‬ولكن‭ ‬جميع‭ ‬أشكال‭ ‬الإدمان‭ ‬كوم‭ ‬وادمان‭ ‬المخدرات‭ ‬كوم‭ ‬آخر،‭ ‬فمدمن‭ ‬المخدرات‭ ‬يتحول‭ ‬الى‭ ‬شخص‭ ‬ماكر‭ ‬وغادر‭ ‬حتى‭ ‬تجاه‭ ‬أقرب‭ ‬الناس‭ ‬اليه،‭ ‬وخاصة‭ ‬أن‭ ‬المخدرات‭ ‬باهظة‭ ‬التكاليف،‭ ‬وفي‭ ‬الصحف‭ ‬حكايات‭ ‬شبه‭ ‬يومية‭ ‬عن‭ ‬مدمنين‭ ‬يقتلون‭ ‬آباءهم‭ ‬وأمهاتهم‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬دريهمات‭ ‬يشترون‭ ‬بها‭ ‬جرعة‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬المادة‭ ‬التي‭ ‬يدمنونها‭.‬

سأحكي‭ ‬لكم‭ ‬اليوم‭ ‬حكاية‭ ‬جون‭ ‬هيرفي‭ ‬سليل‭ ‬أسرة‭ ‬من‭ ‬النبلاء،‭ ‬ويحمل‭ ‬لقب‭ ‬ماركيز،‭ ‬وكان‭ ‬يقيم‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬يتوسط‭ ‬أرضا‭ ‬زراعية‭ ‬مساحتها‭ ‬30‭ ‬ألف‭ ‬إيكر‭ (‬الإيكر‭ ‬الواحد‭ ‬نحو‭ ‬4000‭ ‬متر‭ ‬مربع‭) ‬في‭ ‬مقاطعة‭ ‬إيست‭ ‬انجليا‭ ‬بإنجلترا،‭ ‬وحتى‭ ‬قبل‭ ‬سنوات‭ ‬قليلة‭ ‬كان‭ ‬الكاش‭ ‬الذي‭ ‬في‭ ‬حسابه‭ ‬المصرفي‭ ‬نحو‭ ‬خمسين‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭.. ‬ومات‭ ‬هيرفي‭ ‬عن‭ ‬44‭ ‬عاما‭ ‬بعد‭ ‬حياة‭ ‬حافلة‭ ‬بالفرفشة‭ ‬والسفر‭ ‬الى‭ ‬مختلف‭ ‬المصايف‭ ‬الجميلة‭.. ‬مات‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬تعطلت‭ ‬عنده‭ ‬وظائف‭ ‬الكبد‭ ‬والكلى‭ ‬والرئة‭ ‬دفعة‭ ‬واحدة‭! ‬والسبب‭ ‬هو‭ ‬الكوكايين‭ ‬والهيروين‭.. ‬وبعد‭ ‬موته‭ ‬اكتشف‭ ‬أقاربه‭ ‬انه‭ ‬لا‭ ‬يملك‭ ‬في‭ ‬حسابه‭ ‬المصرفي‭ ‬حتى‭ ‬ما‭ ‬يغطي‭ ‬نفقات‭ ‬جنازته‭.. ‬يعني‭ ‬باع‭ ‬بيته‭ ‬وكل‭ ‬تلك‭ ‬المساحات‭ ‬الشاسعة‭ ‬من‭ ‬الأراضي،‭ ‬وباع‭ ‬التحف‭ ‬والأناتيك‭ ‬التي‭ ‬توارثها‭ ‬أفراد‭ ‬أسرته‭ ‬عبر‭ ‬القرون،‭ ‬وكما‭ ‬يحدث‭ ‬لكل‭ ‬السفهاء‭ ‬فقد‭ ‬انتهى‭ ‬الأمر‭ ‬بجون‭ ‬هيرفي‭ ‬في‭ ‬سنواته‭ ‬الأخيرة‭ ‬وهو‭ ‬يدفع‭ ‬أجرة‭ ‬شهرية‭ ‬ليقيم‭ ‬في‭ ‬جزء‭ ‬بائس‭ ‬من‭ ‬المزرعة‭ ‬الضخمة‭ ‬التي‭ ‬ورثها‭ ‬عن‭ ‬أجداده‭.. ‬ثم‭ ‬عجز‭ ‬عن‭ ‬سداد‭ ‬الأجرة‭ ‬فتم‭ ‬طرده‭ ‬بقوة‭ ‬القانون‭.‬

وإدمان‭ ‬المخدرات‭ ‬يجرد‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬القيم‭ ‬والمُثُل،‭ ‬وهكذا‭ ‬اضطر‭ ‬هذا‭ ‬‮«‬النبيل‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يحمل‭ ‬لقب‭ ‬لورد‭ ‬بريستول‭ ‬إلى‭ ‬تهريب‭ ‬المخدرات‭ ‬وبيعها‭ ‬بالجملة‭ ‬والقطعة‭ ‬لكسب‭ ‬المال،‭ ‬ووقع‭ ‬في‭ ‬قبضة‭ ‬الشرطة‭ ‬ودخل‭ ‬السجن‭.. ‬وإذا‭ ‬رجعت‭ ‬عزيزي‭ ‬القارئ‭ ‬إلى‭ ‬مساحة‭ ‬الأرض‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬هيرفي‭ ‬هذا‭ ‬يملكها‭ ‬ووضعت‭ ‬لها‭ ‬قيمة‭ ‬تقديرية‭ ‬ستعرف‭ ‬أن‭ ‬الرجل‭ ‬الذي‭ ‬مات‭ ‬وعمره‭ ‬44‭ ‬سنة‭ ‬بدد‭ ‬بسبب‭ ‬المخدرات‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭!! ‬لماذا‭ ‬سردت‭ ‬عليكم‭ ‬حكاية‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬الذي‭ ‬رحل‭ ‬عن‭ ‬الدنيا‭ ‬غير‭ ‬مأسوف‭ ‬عليه؟‭ ‬فعلت‭ ‬ذلك‭ ‬كي‭ ‬تدرك‭ ‬أن‭ ‬الحكايات‭ ‬الطريفة‭ ‬التي‭ ‬تسمعها‭ ‬عن‭ ‬المساطيل‭ ‬تخفي‭ ‬مآسي‭ ‬بشعة،‭ ‬وإذا‭ ‬كنت‭ ‬تود‭ ‬الإسهام‭ ‬في‭ ‬مكافحة‭ ‬المخدرات‭ ‬فلا‭ ‬تردد‭ ‬نكات‭ ‬المساطيل‭ ‬والحشاشين‭ ‬لأن‭ ‬تلك‭ ‬النكات‭ ‬توحي‭ ‬بأن‭ ‬المخدرات‭ ‬تجلب‭ ‬الانبساط‭ ‬وتجعل‭ ‬من‭ ‬يستخدمها‭ ‬خفيف‭ ‬الدم‭ ‬والظل،‭ ‬بينما‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمر‭ ‬تجعله‭ ‬‮«‬أهبل‮»‬‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا