زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
شفطة فشمة ف.. دمار
قد يعتاد الإنسان على شيء ما طعاما أو شرابا أو سلوكا، حتى الإجرام يصبح اعتيادا ثم إدمانا، وإدمان القهوة يبدأ برشفة، وإدمان السجائر يبدأ بـ«نَفَس»، وإدمان أي شيء يبدأ بـ«غواية»، ففي لحظة معينة يكون الإنسان مهيئا لقبول أشياء ما كان ليقبل بها في لحظات وظروف أخرى: خد كاس يعدل مزاجك!! شمة واحدة من هذه البودرة وتنسي الماضي والآتي، وهكذا قد يؤدي الكأس الأول الى الكأس الثالث بعد الألف، والشمة المحاية التي تمسح الماضي وتجعل الحاضر ضبابيا، قد تحولك الى «شمام» محترف، ومن تفانين محبي الخمر أنهم يشجعون من لم يجربوا تعاطيه بزعم أنه دواء لكل داء، ومن إبداعاتهم التي ذكرتها في أكثر من مقال أنهم يقولون لمن يشكو من الإمساك أنه يجعل الجهاز الهضمي سالكا، ولمن يعاني من الإسهال أنه يكون بمثابة سدادة تمنع وصول فضلات الطعام من المعدة والأمعاء إلى المستقيم.
والإدمان لا يكون بالضرورة بتعاطي أشياء محرمة دينيا أو بحكم القانون أو حتى ضارة صحيا، إنه في أبسط تعريفاته نوع من الاعتياد على شيء معين بحيث يمثل الإقلاع عنه عنتا ومشقة عضوية أو نفسية. أنا شخصيا مدمن شاي وعلى استعداد لشرب عشرة أكواب من الحجم الكبير منه يوميا، ورغم ان الشاي مفيد للجسم/ الصحة إلا انني لم أكن مرتاحا لكوني (أدمنه) فالمدمن مُستعبَد، ثم انتبهت إلى أنني لست «مدمن شاي»، لأن ظروفا معينة قد تحرمني من شربه فلا أحس بضيق أو صداع، ولكن جميع أشكال الإدمان كوم وادمان المخدرات كوم آخر، فمدمن المخدرات يتحول الى شخص ماكر وغادر حتى تجاه أقرب الناس اليه، وخاصة أن المخدرات باهظة التكاليف، وفي الصحف حكايات شبه يومية عن مدمنين يقتلون آباءهم وأمهاتهم من أجل دريهمات يشترون بها جرعة واحدة من المادة التي يدمنونها.
سأحكي لكم اليوم حكاية جون هيرفي سليل أسرة من النبلاء، ويحمل لقب ماركيز، وكان يقيم في بيت يتوسط أرضا زراعية مساحتها 30 ألف إيكر (الإيكر الواحد نحو 4000 متر مربع) في مقاطعة إيست انجليا بإنجلترا، وحتى قبل سنوات قليلة كان الكاش الذي في حسابه المصرفي نحو خمسين مليون دولار.. ومات هيرفي عن 44 عاما بعد حياة حافلة بالفرفشة والسفر الى مختلف المصايف الجميلة.. مات بعد ان تعطلت عنده وظائف الكبد والكلى والرئة دفعة واحدة! والسبب هو الكوكايين والهيروين.. وبعد موته اكتشف أقاربه انه لا يملك في حسابه المصرفي حتى ما يغطي نفقات جنازته.. يعني باع بيته وكل تلك المساحات الشاسعة من الأراضي، وباع التحف والأناتيك التي توارثها أفراد أسرته عبر القرون، وكما يحدث لكل السفهاء فقد انتهى الأمر بجون هيرفي في سنواته الأخيرة وهو يدفع أجرة شهرية ليقيم في جزء بائس من المزرعة الضخمة التي ورثها عن أجداده.. ثم عجز عن سداد الأجرة فتم طرده بقوة القانون.
وإدمان المخدرات يجرد الإنسان من القيم والمُثُل، وهكذا اضطر هذا «النبيل» الذي كان يحمل لقب لورد بريستول إلى تهريب المخدرات وبيعها بالجملة والقطعة لكسب المال، ووقع في قبضة الشرطة ودخل السجن.. وإذا رجعت عزيزي القارئ إلى مساحة الأرض التي كان هيرفي هذا يملكها ووضعت لها قيمة تقديرية ستعرف أن الرجل الذي مات وعمره 44 سنة بدد بسبب المخدرات أكثر من مليار دولار!! لماذا سردت عليكم حكاية هذا الرجل الذي رحل عن الدنيا غير مأسوف عليه؟ فعلت ذلك كي تدرك أن الحكايات الطريفة التي تسمعها عن المساطيل تخفي مآسي بشعة، وإذا كنت تود الإسهام في مكافحة المخدرات فلا تردد نكات المساطيل والحشاشين لأن تلك النكات توحي بأن المخدرات تجلب الانبساط وتجعل من يستخدمها خفيف الدم والظل، بينما هي في حقيقة الأمر تجعله «أهبل».
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك