عالم يتغير
فوزية رشيد
فوضى الدول تبدأ باستهداف الجيش!
{ بعد احتلال العراق ونحن في الذكرى العشرين هذا العام لذلك الاحتلال، الذي لا تزال تداعياته تغطي سماء العراق والمنطقة! كان واضحا لكي ينجح سيناريو تدمير العراق، أن يتم البدء بتفكيك «الجيش الوطني العراقي»، واستبداله بنظام آخر، في ظل انتشار المليشيات المسلحة بعد ذلك، لتبلغ سطوتها مبلغاً خطيراً، وهي التي في أغلبها تنظيم صفوفها (عقدياً وموالاة) لغير الوطن العراقي! ولتأخذ الفوضى والطائفية والقتل على الهوية، والقضاء على أية مقاومة عراقية وتدمير البنية التحتية، والفساد والرشاوى والسرقات، مأخذاً بعيداً أصبح مضرب الأمثال، وباعتراف فاسدين عراقيين شاركوا في كل ذلك، وقدموا اعترافات علنية بحجم الفساد والفوضى، انتشرت في مواقع الفضاء الإلكتروني، ومنها ما تم تسجيله على بعض القنوات العراقية نفسها!
{ ذات السيناريو في استهداف «الجيش الوطني» تكرّر بعد ذلك في ليبيا واليمن وغيرهما، وكانت المليشيات المسلحة، متوافرة على أرض الواقع لأداء مهمّة التخريب ونشر الفوضى! فيما كانت لبنان أسبق في تلك الحيثيات مما تلاها من دول عربية، حيث مليشيات الحزب التابع لإيران، همش دور الجيش اللبناني، وأقام دولة داخل الدولة! والحصيلة هي ذاتها، استبدال الجيش بالمليشيات! فيما في دول أخرى تم اعتماد سيناريو استنزاف الجيش بالإرهاب، كما حدث في الجيش المصري في مواجهته الإرهاب المسلح سواء في سيناء أو في عمليات أخرى داخل العاصمة وبعض المدن المصرية، أو على الحدود الفاصلة في الجهة الغربية من مصر! والهدف كان واضحاً منذ البداية، هو استنزاف الجيش وتشويه صورته من خلال خطاب «الإخوان» وتحريض الشعب المصري على معاداة جيشه الوطني! ولكن الأقدار ساقت التحديات ليزداد هذا الجيش قوة ومناعة في مواجهة المخططات التي كانت تستهدفه!
{ اليوم من خلال متابعة تمرّد «قوات التدخل السريع» في السودان على «الجيش الوطني السوداني» رغم ما عليه من مآخذ أيضاً، إلا أن استنزافه وإضعافه لن يكون في النهاية في صالح السودان كدولة وكوحدة أراض، بل إن محاولة إسقاطه يدخل في النهاية في إطار تهيئة الأرض السودانية للدخول في معترك الفوضى، التي ستختلط فيها كل الأوراق السياسية والعسكرية كمقدمة لحرب أهلية، قد تكون هي الأخرى بؤرة فوضى واحتراب على دول الجوار سواء الآسيوية أو الإفريقية!
{ منذ سنوات وبعد أحداث «الخريف العربي» كتبت أن هناك سيناريو معدّ لأغلب الدول العربية، خاصة الكبرى والمؤثرة، سواء لإسقاط جيوشها أو استنزافها حتى آخر رمق! لتكون المليشيات العميلة للأجندات الخارجية هي البديل! واليوم يتضح ذلك بشكل كبير، بعد ما مرّ على عديد من الدول العربية، وحيث كان «الجيش الوطني» هو المستهدف الأول، لأن مع سقوطه تسقط الدولة ويسقط الوطن في براثن أجندة الفوضى والتقسيم وحرف البوصلة الوطنية تجاه الصراعات الداخلية المريرة التي تنتهي عادة بإسقاط الدول ودخولها في حيّز الفشل الكامل!
{ عادة المليشيات البديلة للجيش هي مليشيات غير وطنية، وأجندتها جزء من أجندة جهات خارجية، تلعب على التنوع العرقي والطائفي والحزبي، كقنابل موقوتة للتقسيم والتفتيت والصراع الدامي! هي «أدوات عسكرية إرتزاقية» لا يمكن أن تكون بديلاً لجيش وطني، مهمته الحفاظ على مؤسسات الدولة ووحدة الجغرافية الوطنية، ووحدة الهوية بتنوعها! ولكن إن حدث ولم يكن الجيش نفسه أو قادته في مستوى الحدث الداخلي وخطورته، فإن الاستنزاف قد يأخذ «نقدا ذاتياً» بمعنى أن الجيش نفسه يسهم في إضعاف نفسه بسبب قرارات خاطئة اتخذها قبل دخول الصراع في مراحله الخطيرة أو بسبب قرارات خاطئة في خضم الصراع! كما يحدث في السودان اليوم!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك