العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

العرب والغرب: أن تكون صديقًا لهم عدوًّا لنفسك؟

{‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬الأزمة‭ ‬الراهنة‭ ‬التي‭ ‬يعيشها‭ ‬الغرب‭ ‬سواء‭ ‬بسبب‭ ‬البدء‭ ‬في‭ ‬العدّ‭ ‬التنازلي‭ ‬لفقدان‭ ‬أمريكا‭ ‬مكانتها‭ ‬العالمية‭ ‬على‭ ‬المستويين‭ ‬السياسي‭ ‬والاقتصادي،‭ ‬وما‭ ‬تلاه‭ ‬من‭ ‬احتجاج‭ ‬شعبي‭ ‬عالمي‭ ‬على‭ ‬فوضى‭ ‬القيم‭ ‬والأخلاق‭ ‬التي‭ ‬تريد‭ ‬تكريسها‭ ‬في‭ ‬العالم‭! ‬أو‭ ‬بسبب‭ ‬الأزمة‭ ‬التي‭ ‬تعيشها‭ ‬دول‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬بسبب‭ ‬موقفها‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وانعكاسها‭ ‬عليها‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬انعكست‭ ‬على‭ ‬روسيا‭! ‬فإنه‭ ‬وبسبب‭ ‬جملة‭ ‬السياسات‭ ‬الدولية‭ ‬الخاطئة‭ ‬للغرب‭ ‬بقيادة‭ ‬أمريكا،‭ ‬بات‭ ‬هناك‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ (‬الثورة‭ ‬الدولية‭) ‬بمعنى‭ (‬ثورة‭ ‬الدول‭ ‬وليس‭ ‬الشعوب‭ ‬فقط‭)‬،‭ ‬على‭ ‬النهج‭ ‬الغربي‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬وزعمائها،‭ ‬بصفة‭ ‬احتكارية‭ ‬وابتزازية‭ ‬وصانعة‭ ‬للأزمات‭ ‬بشكل‭ ‬دائري‭ ‬لا‭ ‬ينتهي‭!‬

وهذا‭ ‬التمرّد‭ ‬العالمي‭ ‬الذي‭ ‬يشمل‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬المتضرّرة‭ ‬من‭ ‬الانفراد‭ ‬الأمريكي‭ ‬على‭ ‬السياسات‭ ‬المجحفة‭ ‬بحقها،‭ ‬شمل‭ ‬بدوره‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬أدركت‭ ‬مآلات‭ ‬السياسات‭ ‬الأمريكية‭ ‬تحديدًا‭ ‬خارج‭ ‬المصالح‭ ‬العربية‭!‬

{‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬لم‭ ‬تقدّم‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والدول‭ ‬الغربية،‭ ‬المتحالفة‭ ‬معها،‭ ‬أي‭ ‬عربون‭ ‬صداقة‭ ‬حقيقية‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية،‭ ‬بل‭ ‬عملت‭ ‬بكل‭ ‬جهدها‭ ‬وفِق‭ ‬مخططات‭ ‬معلنة‭ ‬وأخرى‭ ‬سرّية،‭ ‬على‭ ‬إضعاف‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬وإخضاعها‭ ‬لضمان‭ ‬قبولها‭ ‬بالهيمنة‭!‬

قدمّت‭ ‬السلاح‭ ‬المشروط‭ ‬مقابل‭ ‬المليارات،‭ ‬التي‭ ‬انتعشت‭ ‬بها‭ ‬الشركات‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تشبع‭ ‬مهما‭ ‬بلعت‭! ‬لتبقى‭ ‬تشجع‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الحروب‭ ‬والصراعات‭ ‬والفتن،‭ ‬لضمان‭ ‬ضخّ‭ ‬الأموال‭ ‬الهائلة‭ ‬في‭ ‬خزائنها‭ ‬بشرط‭ ‬ضمان‭ ‬التفتت‭ ‬العربي‭ ‬وضعفه‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬الوقت‭!‬

قدمّت‭ ‬الأجندات‭ ‬والمشاريع‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬مجرد‭ ‬سوق‭ ‬استهلاكية‭ ‬كبيرة‭ ‬وأرض‭ ‬لنهب‭ ‬الثروات‭!‬

أمريكا‭ ‬أخذت‭ ‬كمثال‭ ‬فتيل‭ ‬القطن‭ ‬المصري‭ ‬الأكثر‭ ‬جودة‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وقدمّت‭ ‬بذور‭ ‬فتائل‭ ‬القطن‭ ‬الأمريكي‭ ‬لزراعتها‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬وهي‭ ‬أسوأ‭ ‬من‭ ‬البذور‭ ‬المصرية‭!‬

نهبت‭ ‬الثروات‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬وآخرها‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وسوريا‭ ‬وليبيا‭! ‬وتبنّت‭ ‬مشروع‭ ‬تقسيم‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬وتدميرها‭ ‬وبدأت‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬المشروع‭ ‬المعروف‭ ‬عام‭ ‬2011‭!‬

حاربت‭ ‬الإسلام‭ ‬والثقافة‭ ‬والهوّية‭ ‬العربية‭ ‬بكل‭ ‬حيل‭ ‬مراكز‭ ‬البحوث‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬التي‭ ‬تستمد‭ ‬منها‭ ‬سياساتها‭! ‬وكثير‭ ‬غير‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬فعلته‭ ‬أمريكا‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية،‭ ‬باعتباره‭ ‬عربون‭ ‬صداقتها‭!‬

{‭ ‬اليوم‭ ‬الغرب‭ ‬بقيادة‭ ‬أمريكا‭ ‬يحارب‭ ‬بكل‭ ‬وسائله‭ ‬المباحة‭ ‬وغير‭ ‬المُباحة،‭ ‬أي‭ ‬تنوع‭ ‬في‭ ‬التحالف‭ ‬أو‭ ‬الشراكة‭ ‬العربية‭ ‬مع‭ ‬قوى‭ ‬كبرى‭ ‬أخرى،‭ ‬تتطلع‭ ‬إلى‭ ‬صناعة‭ ‬عالم‭ ‬جديد‭ ‬ونظام‭ ‬دولي‭ ‬تعددّي،‭ ‬لتعتبر‭ ‬ذلك‭ ‬الحق‭ ‬الشرعي‭ ‬لكل‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬عداء‭ ‬لها‭ ‬ولمصالحها‭!‬

والرؤية‭ ‬العنصرية‭ ‬الغربية‭ ‬المتأصلة‭ ‬في‭ ‬سياساتها‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬وزعمائها‭ ‬ومع‭ ‬العرب،‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬أعطته‭ ‬لنفسها‭ ‬من‭ ‬حق‭ ‬الاعتقاد‭ ‬أن‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬ومناطق‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬مجرد‭ ‬مزرعة‭ ‬خلفية‭ ‬للإمبراطورية‭ ‬الأمريكية‭ ‬‭ ‬الغربية،‭ ‬ولا‭ ‬تنتظر‭ ‬منها‭ ‬إلا‭ ‬‮«‬السمع‭ ‬والطاعة،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬سببًا‭ ‬في‭ ‬تدمير‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭! ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تضع‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬أن‭ ‬إمبراطوريتها‭ ‬أصبحت‭ ‬في‭ ‬طور‭ (‬الآيلة‭ ‬للزوال‭) ‬بحكم‭ ‬المتغيرّ‭ ‬العالمي‭ ‬ككل‭!‬

{‭ ‬تريد‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬العرب‭ ‬الصداقة‭ ‬والتحالف‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬واحد،‭ ‬والعداء‭ ‬لأنفسهم‭ ‬ومصالحهم‭ ‬المتنوعّة‭! ‬وحين‭ ‬لا‭ ‬تجد‭ ‬الاستجابة‭ ‬المطلوبة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ (‬الوعي‭ ‬العربي‭ ‬الرسمي‭ ‬الجديد‭) ‬فهي‭ ‬ترفع‭ ‬عصا‭ ‬الابتزاز‭ ‬والضغوط‭ ‬والقاتل‭ ‬الاقتصادي‭ ‬عبر‭ ‬الديون‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬ومنها‭ ‬مصر‭ ‬كمثال‭ ‬بضغوط‭ ‬‮«‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‮»‬‭ ‬و«البنك‭ ‬الدولي‮»‬‭! ‬بل‭ ‬وتوجّه‭ ‬إعلامها‭ ‬كما‭ ‬تفعل‭ ‬عادة،‭ ‬ومعه‭ ‬المنظمات‭ ‬الحقوقية‭ ‬التابعة‭ ‬لها،‭ ‬لابتزاز‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬ومنها‭ ‬دول‭ ‬الخليج،‭ ‬رغم‭ ‬الانكشاف‭ ‬الكبير‭ ‬لأجندة‭ ‬تلك‭ ‬المنظمات‭ ‬الموضوعة‭ ‬في‭ ‬خانة‭ ‬الحقوقية‭ ‬الدولية‭!‬

{‭ ‬اليوم‭ ‬تعتبر‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وبتصريحات‭ ‬مسؤوليها‭ ‬أن‭ ‬الانفتاح‭ ‬الخليجي‭ ‬السعودي‭ ‬تحديدًا‭ ‬والمصري‭ ‬على‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى‭ ‬هو‭ ‬عداء‭ ‬لها‭ ‬يستحق‭ ‬العقاب،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬التوجّه‭ ‬السعودي‭ ‬الجديد‭ ‬أفشل‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬تداعيات‭ ‬السياسة‭ ‬الأمريكية‭ ‬تجاهها‭!‬

ولا‭ ‬تزال‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والغرب‭ ‬بقواه‭ ‬الكبرى‭ ‬ورغم‭ ‬الأزمات‭ ‬في‭ ‬داخلها،‭ ‬تريد‭ ‬منع‭ ‬‮«‬التنافس‭ ‬الدولي‭ ‬العادل‮»‬‭ ‬ليبقى‭ ‬احتكارها‭ ‬الذي‭ ‬يتداعى‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬ولتبقى‭ ‬هيمنتها‭ ‬على‭ ‬العالم‭! ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬ذلك‭ ‬تواصل‭ ‬الضغوط‭ ‬وافتعال‭ ‬الأزمات‭ ‬والحروب،‭ ‬لاستخدام‭ ‬الدول‭ ‬ومنها‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬لأغراض‭ ‬مصالحها‭ ‬الاحتكارية‭ ‬وأجنداتها‭ ‬الخاصة‭! ‬ويغيظها‭ ‬تمامًا‭ ‬فكرة‭ ‬‮«‬التكامل‮»‬‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬أو‭ ‬سعيها‭ ‬للسلام‭ ‬والاستقرار‭ ‬والتنمية،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تستوعب‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬تغيرّ‭ ‬ويتغيرّ،‭ ‬وأن‭ ‬القرن‭ ‬الجديد‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬‮«‬قرنًا‭ ‬أمريكيا‮»‬‭ ‬كما‭ ‬حلمت‭ ‬أو‭ ‬توهمّت‭! ‬لأن‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬باتت‭ ‬تدرك‭ ‬بدورها‭ ‬أهمية‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬مصالحها،‭ ‬واستقلالها‭ ‬وسيادتها،‭ ‬والتحكمّ‭ ‬في‭ ‬ثرواتها،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الخضوع‭ ‬لأحد،‭ ‬وخاصة‭ ‬حين‭ ‬يفقد‭ ‬هذا‭ ‬‮«‬الأحد‮»‬‭ ‬مصداقيته‭ ‬تمامًا‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬كله‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا