عالم يتغير
فوزية رشيد
العرب والغرب: أن تكون صديقًا لهم عدوًّا لنفسك؟
{ من الواضح أن الأزمة الراهنة التي يعيشها الغرب سواء بسبب البدء في العدّ التنازلي لفقدان أمريكا مكانتها العالمية على المستويين السياسي والاقتصادي، وما تلاه من احتجاج شعبي عالمي على فوضى القيم والأخلاق التي تريد تكريسها في العالم! أو بسبب الأزمة التي تعيشها دول الاتحاد الأوروبي بسبب موقفها من الحرب في أوكرانيا وانعكاسها عليها أكثر مما انعكست على روسيا! فإنه وبسبب جملة السياسات الدولية الخاطئة للغرب بقيادة أمريكا، بات هناك ما يشبه (الثورة الدولية) بمعنى (ثورة الدول وليس الشعوب فقط)، على النهج الغربي في التعامل مع دول العالم وزعمائها، بصفة احتكارية وابتزازية وصانعة للأزمات بشكل دائري لا ينتهي!
وهذا التمرّد العالمي الذي يشمل كل دول العالم المتضرّرة من الانفراد الأمريكي على السياسات المجحفة بحقها، شمل بدوره العديد من الدول العربية التي أدركت مآلات السياسات الأمريكية تحديدًا خارج المصالح العربية!
{ في الواقع لم تقدّم الولايات المتحدة والدول الغربية، المتحالفة معها، أي عربون صداقة حقيقية مع دول المنطقة العربية، بل عملت بكل جهدها وفِق مخططات معلنة وأخرى سرّية، على إضعاف هذه الدول وإخضاعها لضمان قبولها بالهيمنة!
قدمّت السلاح المشروط مقابل المليارات، التي انتعشت بها الشركات الكبرى التي لا تشبع مهما بلعت! لتبقى تشجع المزيد من الحروب والصراعات والفتن، لضمان ضخّ الأموال الهائلة في خزائنها بشرط ضمان التفتت العربي وضعفه في ذات الوقت!
قدمّت الأجندات والمشاريع التي تجعل من دول المنطقة العربية مجرد سوق استهلاكية كبيرة وأرض لنهب الثروات!
أمريكا أخذت كمثال فتيل القطن المصري الأكثر جودة في العالم، وقدمّت بذور فتائل القطن الأمريكي لزراعتها في مصر وهي أسوأ من البذور المصرية!
نهبت الثروات العربية في كل مكان وآخرها في العراق وسوريا وليبيا! وتبنّت مشروع تقسيم الدول العربية وتدميرها وبدأت في ذلك المشروع المعروف عام 2011!
حاربت الإسلام والثقافة والهوّية العربية بكل حيل مراكز البحوث الاستراتيجية، التي تستمد منها سياساتها! وكثير غير ذلك هو الذي فعلته أمريكا في المنطقة العربية، باعتباره عربون صداقتها!
{ اليوم الغرب بقيادة أمريكا يحارب بكل وسائله المباحة وغير المُباحة، أي تنوع في التحالف أو الشراكة العربية مع قوى كبرى أخرى، تتطلع إلى صناعة عالم جديد ونظام دولي تعددّي، لتعتبر ذلك الحق الشرعي لكل دول العالم عداء لها ولمصالحها!
والرؤية العنصرية الغربية المتأصلة في سياساتها مع دول العالم وزعمائها ومع العرب، هو ما أعطته لنفسها من حق الاعتقاد أن المنطقة العربية ومناطق أخرى في العالم، مجرد مزرعة خلفية للإمبراطورية الأمريكية – الغربية، ولا تنتظر منها إلا «السمع والطاعة، حتى لو كان ذلك سببًا في تدمير هذه المنطقة! من دون أن تضع في الاعتبار أن إمبراطوريتها أصبحت في طور (الآيلة للزوال) بحكم المتغيرّ العالمي ككل!
{ تريد الولايات المتحدة من العرب الصداقة والتحالف من طرف واحد، والعداء لأنفسهم ومصالحهم المتنوعّة! وحين لا تجد الاستجابة المطلوبة في ظل (الوعي العربي الرسمي الجديد) فهي ترفع عصا الابتزاز والضغوط والقاتل الاقتصادي عبر الديون على بعض الدول العربية ومنها مصر كمثال بضغوط «صندوق النقد الدولي» و«البنك الدولي»! بل وتوجّه إعلامها كما تفعل عادة، ومعه المنظمات الحقوقية التابعة لها، لابتزاز الدول العربية ومنها دول الخليج، رغم الانكشاف الكبير لأجندة تلك المنظمات الموضوعة في خانة الحقوقية الدولية!
{ اليوم تعتبر الولايات المتحدة وبتصريحات مسؤوليها أن الانفتاح الخليجي السعودي تحديدًا والمصري على القوى الكبرى هو عداء لها يستحق العقاب، رغم أن التوجّه السعودي الجديد أفشل الكثير من تداعيات السياسة الأمريكية تجاهها!
ولا تزال الولايات المتحدة والغرب بقواه الكبرى ورغم الأزمات في داخلها، تريد منع «التنافس الدولي العادل» ليبقى احتكارها الذي يتداعى رغم كل شيء، ولتبقى هيمنتها على العالم! ومن أجل ذلك تواصل الضغوط وافتعال الأزمات والحروب، لاستخدام الدول ومنها الدول العربية لأغراض مصالحها الاحتكارية وأجنداتها الخاصة! ويغيظها تمامًا فكرة «التكامل» بين دول العالم، أو سعيها للسلام والاستقرار والتنمية، من دون أن تستوعب أن العالم تغيرّ ويتغيرّ، وأن القرن الجديد لن يكون «قرنًا أمريكيا» كما حلمت أو توهمّت! لأن دول العالم باتت تدرك بدورها أهمية الحفاظ على مصالحها، واستقلالها وسيادتها، والتحكمّ في ثرواتها، من دون الخضوع لأحد، وخاصة حين يفقد هذا «الأحد» مصداقيته تمامًا في العالم كله!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك