الخرطوم – الوكالات: فرّ آلاف المدنيين من الخرطوم تحت القصف أمس، حيث أسفر القتال المستمر لليوم الخامس على التوالي بين قوات الدعم السريع والجيش عن مقتل أكثر من 270 مدنياً، فيما قال شهود عيان لرويترز إن القتال استمر في الخرطوم بعد بدء سريان وقف إطلاق النار جديد بين الجانبين.
وكان الجيش أعلن موافقته على هدنة جديدة دخلت حيز التنفيذ مدة 24 ساعة وبدأت من الساعة السادسة من مساء أمس وتنتهي بتمام الساعة السادسة من مساء اليوم الخميس، بالتوقيت المحلي، وذلك بغرض تيسير النواحي الإنسانية على أن يلتزم الطرف الآخر بالهدنة.
كما وافقت قوات الدعم السريع على نفس الهدنة، مؤكدة التزامها التام.
وكما حصل الثلاثاء، لم تدم هدنة اتفق عليها الجانبان دقيقة واحدة، وفقاً للبعض.
وسمعت أمس أصوات انفجارات ودوي إطلاق نار في محيط القيادة العامة بالخرطوم.
كما اشتعلت النيران في مناطق قرب القيادة العامة في العاصمة بعد سماع اشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
وأعلن الجيش أمس أنه يقاتل قوات الدعم السريع حول أحد فروع البنك المركزي، مشيراً إلى أنّ «مبالغ خيالية سُرقت».
وفي الخرطوم، تستحيل معرفة أي جهة تسيطر على ماذا في ظل حالة إرباك شاملة وانتشار المعلومات المضللة على الإنترنت. مع ذلك، تُظهر صور الأقمار الصناعية حجم الأضرار التي تبدو جلية على وجه الخصوص داخل المقر الرئيسي الشديد التحصين لهيئة الأركان المحاط بجدران مرتفعة.
وتُركت عشرات الطائرات المتفحمة، بينما بدا مقرّ المخابرات العامة مدمّرا فيما تحوّل ما كان مستودعا لناقلات البنزين إلى مجرّد بقعة سوداء ضخمة.
في غضون ذلك لم يعد البقاء ممكنًا في الخرطوم منذ السبت مع انقطاع الكهرباء والمياه الجارية، الكهرباء والمياه لا تعودان سوى بضع ساعات في بعض الأماكن، والرصاص الطائش الذي يخترق النوافذ وحتى الجدران. وتنهمر أحيانًا من السماء صواريخ لتحول مبنى أو مستشفى إلى كومة من الأنقاض.
سيرًا أو في مركبات، وعلى طرق تغطيها جثث وهياكل مدرعات متفحمة، عبَر آلاف السودانيين وسط أزيز الرصاص ودوّي القذائف خلال المعارك بين قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، المعروف باسم «حميدتي»، والجيش بقيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان الذي يقود البلاد منذ انقلابهما المشترك في 2021.
وقال علويّة الطيب (33 عاماً) لوكالة فرانس برس وهو في طريقه جنوباً «الحياة مستحيلة في الخرطوم». وأضاف: «فعلت كلّ شيء كي لا يرى أولادي الجثث.. لأنّهم مصدومون بالفعل».
وسار الآلاف من النساء والأطفال أمس باتجاه المحافظات خارج الخرطوم، متقدمين بين الجثث التي بدأت تنبعث منها روائح قاتلة، بحسب شهود.
وقُتل أكثر من 270 مدنياً في المعارك الدائرة في البلاد منذ السبت، بحسب ما أعلنت أمس سفارات 15 دولة غربية في الخرطوم في بيان مشترك، محذّرة من أنّ هذه ليست سوى «حصيلة مؤقتة». وكانت الأمم المتحدة قد أفادت مساء الإثنين عن مقتل حوالي 200 شخص.
وحضّت السفارات الـ15 كلا الجانبين على «عدم طرد الناس بشكل غير قانوني من منازلهم، وتجنّب استهداف البنية التحتية المدنية، والسماح بمرور المواد الغذائية الأساسية والمساعدات الطارئة للجرحى والمرضى».
وقصفت القوات الجوية والمدفعية من الجانبين تسعة مستشفيات في الخرطوم. وفي المجمل، خرج 39 من أصل 59 مستشفى في المناطق المتضررة جراء القتال عن الخدمة أو أُجبرت على الإغلاق، وفق ما أفاد أطباء، سواء بسبب نفاد المعدات أو احتلال المقاتلين لها أو بسبب عدم تمكن أفراد الطواقم الطبية من العودة لتولي مهامهم.
أما مخزونات المواد الغذائية، وهي محدودة تقليديا في بلد يشهد في الأوقات العادية تضخما مرتفعًا جدًا، فهي تتلاشى إذ لم تدخل أي شاحنة مؤن إلى العاصمة منذ السبت.
وفي بلد يبلغ عدد سكانه 45 مليون نسمة يعاني أكثر من ثلثهم من الجوع، يقول العاملون في المجال الإنساني والدبلوماسيون إنهم لم يعودوا قادرين على أداء عملهم بعد مقتل ثلاثة موظفين في برنامج الأغذية العالمي في دارفور، غرب البلاد، فيما تندد الأمم المتحدة بنهب مخزونات وكالاتها الإنسانية ومنشآتها.
في هذه الظروف الخطيرة، يعيش السكان في حالة خوف من تعرض منازلهم أو عائلاتهم لهجوم.
وأعلنت نجامينا أنّ حوالي 320 عسكرياً سودانياً فرّوا الأحد من المعارك الدائرة في بلدهم وعبروا الحدود إلى تشاد، حيث سلّموا أنفسهم للجيش التشادي.
من جانبها تحاول الممثليات الدبلوماسية تنظيم نقل رعاياها. وبدأت وزارة الدفاع اليابانية «الاستعدادات الضرورية» لعمليات الإجلاء، وإن كان هذا الاحتمال مازال بعيدًا، فالقتال بدأ من مطار الخرطوم الذي هو خارج الخدمة منذ ذلك الحين.
وقال المتحدث باسم الحكومة هيروكازو ماتسونو أمس، إنّ حوالي 60 يابانياً موجودون في السودان بينهم موظفو السفارة.
من جهة أخرى، أفادت مجلة «در شبيجل» نقلاً عن مصادر لم تسمّها، بأنّ القتال في الخرطوم أجبر الجيش الألماني أمس على إلغاء مهمّة إجلاء نحو 150 ألمانياً من السودان.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك