العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

الدين بين الخطاب التقليدي والخطاب الفكري العميق!

{‭ ‬رغم‭ ‬قوة‭ ‬المنطق‭ ‬في‭ ‬كيف‭ ‬بدأ‭ ‬الخلق‭ ‬وبدأت‭ ‬الخليقة‭ ‬ونشوء‭ ‬الكائنات‭ ‬وخلق‭ ‬‮«‬الإنسان‭ ‬العاقل‮»‬‭ ‬كقفزة‭ ‬نوعية‭ ‬في‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬قبله‭ ‬من‭ ‬الكائنات‭! ‬وكيف‭ ‬خلق‭ ‬الله‭ ‬السموات‭ ‬والأرض،‭ ‬ولم‭ ‬يُشهِد‭ ‬خلقه‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬وحيث‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬السرديات‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬عبادات‭ ‬ومعاملات‭ ‬وأمور‭ ‬كونية،‭ ‬لو‭ ‬تمّ‭ ‬التدبر‭ ‬فيها‭ ‬بشكل‭ ‬حقيقي،‭ ‬لأدرك‭ ‬الباحث‭ ‬عن‭ ‬الحقيقة‭ ‬تسلسل‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالإنسان‭ ‬والخليقة،‭ ‬في‭ ‬اتساق‭ ‬منطقي‭ ‬وفكري،‭ ‬يوضّح‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬الإنسان‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬وماهيته‭ ‬بين‭ ‬الشهادة‭ ‬الدنيوية‭ ‬والغيب‭ ‬الأخروي،‭ ‬وحيث‭ ‬الدنيا‭ ‬مجرد‭ ‬محطة‭ ‬في‭ ‬ارتحالات‭ ‬الروح‭ ‬ومكابداتها‭ ‬نحو‭ ‬بارئها‭ ‬ولم‭ ‬يأت‭ ‬عبثا‭! ‬ولأدرك‭ ‬المتدبّر‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ (‬إعجاز‭ ‬لغوي‭) ‬فقط،‭ ‬نزل‭ ‬في‭ ‬أمة‭ ‬تتقن‭ ‬ذات‭ ‬اللغة،‭ ‬فعجزت‭ ‬عن‭ ‬الإتيان‭ ‬بمثله‭ ‬في‭ ‬تحدٍ‭ ‬إلهي‭ ‬للأنس‭ ‬والجن‭ ‬أن‭ ‬يأتوا‭ ‬بمثله،‭ ‬ولم‭ ‬ولن‭ ‬يأتوا‭ ‬بمثله‭! ‬لأن‭ ‬إعجازه‭ ‬اللغوي‭ (‬يتوازى‭) ‬مع‭ ‬أنماط‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ (‬الإعجاز‭ ‬البياني‭ ‬والرقمي‭ ‬والعلمي‭)‬،‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬علماء‭ ‬أجانب‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬يسلمون‭! ‬ولكل‭ ‬سبب‭ ‬اكتشفه‭ ‬في‭ ‬القرآن،‭ ‬وأنه‭ ‬الحق‭ ‬والدين‭ ‬الصحيح‭ ‬المنزّل‭ ‬على‭ ‬البشرية‭ ‬كلها‭! ‬فيما‭ (‬أنصاف‭ ‬المتعلمين‭) ‬من‭ ‬مثقفين‭ ‬ومفكرين‭ ‬عرب‭ ‬متأسلمون‭ ‬يجحدون‭ ‬كل‭ ‬ذلك،‭ ‬ويعتقدون‭ ‬أنهم‭ ‬أصحاب‭ ‬‮«‬عقول‭ ‬علمية‮»‬‭ ‬وأن‭ ‬العلم‭ ‬يقف‭ ‬على‭ ‬النقيض‭ ‬من‭ ‬الدين‭! ‬وحيث‭ ‬الدين‭ ‬عند‭ ‬الله‭ ‬هو‭ ‬الإسلام‭ ‬وحده‭ ‬كما‭ ‬أشرنا‭ ‬مراراً،‭ ‬منذ‭ ‬خلق‭ ‬آدم‭ ‬إلى‭ ‬النبي‭ ‬محمد‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬أي‭ ‬منذ‭ ‬أول‭ ‬الرسل‭ ‬والأنبياء‭ ‬إلى‭ ‬خاتم‭ ‬الأنبياء‭!‬،‭ ‬والمنظومة‭ ‬الفكرية‭ ‬هي‭ ‬ذاتها‭ ‬التي‭ ‬تتكرر‭ ‬في‭ ‬إنكار‭ ‬المنطق‭ ‬المتماسك‭ ‬حول‭ ‬الخلق‭ ‬والخليقة‭ ‬ووحدانية‭ ‬الخالق،‭ ‬ليبقى‭ ‬الرد‭ ‬الإلهي‭ ‬ثابتا‭ ‬أيضاً‭!‬

{‭ ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬العلم‭ ‬بتطوراته‭ ‬وقدراته‭ ‬تداخل‭ ‬فيه‭ ‬ومعه‭ ‬كثير‭ ‬من‭ (‬الزيف‭ ‬والتشويه‭ ‬والتوجيه‭ ‬لأغراض‭ ‬خارجة‭ ‬عن‭ ‬مسارات‭ ‬العلم‭ ‬الحقيقي‭)‬،‭ ‬ولأغراض‭ ‬تبنتها‭ ‬قوى‭ ‬كبرى‭ ‬وأصحابها‭ ‬موالون‭ ‬ومتبعون‭ ‬لخطوات‭ ‬الشيطان‭!‬،‭ ‬فعملا‭ ‬على‭ ‬طمس‭ ‬حقائق‭ ‬وإظهار‭ ‬حقائق‭ ‬زائفة‭ ‬للبشرية‭ ‬كلها،‭ ‬لأغراض‭ ‬دول‭ ‬وشركات‭ ‬كبرى‭ ‬مهيمنة‭ ‬يهمها‭ ‬نشر‭ ‬الرؤى‭ ‬والتعاليم‭ ‬الشيطانية‭ ‬على‭ ‬مستويات‭ ‬مختلفة‭! ‬تبدأ‭ ‬بالعبث‭ ‬بالطبيعة‭ ‬والعبث‭ ‬بفطرة‭ ‬الإنسان،‭ ‬لتنتهي‭ ‬إلى‭ ‬تغيير‭ ‬‮«‬الخلق‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬خلقه‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء‭!‬

{‭ ‬رغم‭ ‬ذلك‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬الدعاة‭ ‬والمفكرين‭ ‬الإسلاميين‭ ‬الحقيقيين‭ ‬في‭ ‬الزمن‭ ‬الراهن،‭ ‬وكأنهم‭ ‬ينطقون‭ ‬ويتصرفون‭ ‬من‭ ‬موقع‭ ‬الدفاع‭ ‬أمام‭ ‬الهجمات‭ ‬الكثيرة‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الفكري‭ ‬أو‭ ‬الفلسفي‭ ‬أو‭ ‬المنطق،‭ ‬خوفا‭ ‬من‭ ‬تهمة‭ ‬تلاحقهم‭ ‬أنهم‭ ‬ضد‭ ‬العلم‭!‬،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يبحثوا‭ ‬فيما‭ ‬تم‭ ‬تكريسه‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬العلم‭ ‬وأين‭ ‬هو‭ ‬الحقيقي‭ ‬فيه‭ ‬وأين‭ ‬الزائف‭! ‬ليأتي‭ (‬الخطاب‭ ‬الفكري‭ ‬الديني‭) ‬في‭ ‬نسقه‭ ‬المحفوظ‭ ‬والمكرر،‭ ‬والتقليدي،‭ ‬أكثر‭ ‬منه‭ ‬في‭ ‬النسق‭ ‬النقدي‭ ‬أو‭ ‬الابتكاري‭ ‬في‭ ‬نقد‭ (‬المنظومة‭ ‬الفكرية‭ ‬المادية‭) ‬التي‭ ‬تطرح‭ ‬نفسها‭ ‬على‭ ‬مستويات‭ ‬مختلفة‭ ‬بدءاً‭ ‬من‭ ‬طرح‭ ‬النظريات‭ ‬حول‭ ‬نشوء‭ ‬الكون‭ ‬والإنسان‭ ‬والكائنات‭! ‬إلى‭ ‬طرح‭ ‬النظريات‭ ‬القيمية‭ (‬من‭ ‬القيم‭) ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬نسف‭ ‬كل‭ ‬القيم‭ ‬الإنسانية‭ ‬الفطرية‭ ‬والقيم‭ ‬الأخلاقية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬كما‭ ‬حددها‭ ‬الله‭!‬

{‭ ‬اليوم‭ ‬كل‭ ‬شعوب‭ ‬العالم‭ ‬وليس‭ ‬فقط‭ ‬المسلمون‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ (‬لغة‭ ‬دينية‭ ‬جديدة‭) ‬وتفكير‭ ‬ديني‭ ‬جديد‭ ‬ينطلق‭ ‬من‭ ‬قوة‭ ‬القرآن‭ ‬نفسه،‭ ‬يوضّح‭ ‬ماهية‭ ‬وأبعاد‭ ‬العبادات‭ ‬والمعاملات‭ ‬والقيم‭ ‬الدينية،‭ ‬والتفكير‭ ‬العلمي‭ ‬حين‭ ‬يتسق‭ ‬مع‭ ‬الأهداف‭ ‬الحقيقية‭ ‬لخلق‭ ‬الكون‭ ‬والإنسان‭! ‬والكون‭ ‬كما‭ ‬حدّده‭ ‬الله‭ (‬بالسموات‭ ‬والأرض‭) ‬بشكل‭ ‬لا‭ ‬تخلو‭ ‬صفحة‭ ‬قرآنية‭ ‬منه‭ ‬كوصف‭! ‬أي‭ ‬إن‭ ‬السموات‭ ‬في‭ ‬موازاة‭ ‬الأرض‭ ‬والتي‭ ‬هي‭ ‬عظيمة‭ ‬في‭ ‬خلقها‭ ‬كعظمة‭ ‬خلق‭ ‬السموات‭! ‬وعلى‭ ‬المتأمل‭ ‬أن‭ ‬يفكر‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬بعمق‭ ‬ليدرك‭ ‬أين‭ ‬تقع‭ ‬الحقائق‭ ‬الكونية‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الزائفة‭ ‬باسم‭ ‬العلم‭!‬

{‭ ‬المشكلة‭ ‬لدى‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬يتوجهون‭ ‬إلى‭ ‬الإلحاد‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الزمن‭ ‬هي‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليهم‭ (‬التكاليف‭ ‬والحدود‭ ‬والنظام‭ ‬الصارم‭ ‬في‭ ‬العبادات‭ ‬والمعاملات‭)‬،‭ ‬وليس‭ ‬في‭ ‬المنطق‭ ‬الإلهي‭ ‬حول‭ ‬خلق‭ ‬الإنسان‭ ‬والكون‭ ‬ووحدانية‭ ‬الخالق‭! ‬فهذا‭ ‬المنطق‭ ‬يتراجع‭ ‬إلى‭ ‬المرتبة‭ ‬الثانية‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬عقلهم‭ ‬المادي،‭ ‬الذين‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬التحرّر‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬القيم‭ ‬والأخلاقيات‭ ‬توهمّاً‭ ‬منهم،‭ ‬بأن‭ ‬الحريات‭ ‬تقع‭ ‬في‭ ‬ساحة‭ ‬البوهيمية‭ ‬والغرائزية‭ ‬المفرطة‭ ‬والانفلات‭ ‬الأخلاقي‭ ‬من‭ ‬القيم‭ ‬الدينية‭ ‬نحو‭ (‬القيم‭ ‬المادية‭) ‬التي‭ ‬تكرّس‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬غير‭ ‬ديني‭ ‬باسم‭ ‬الحريّة‭! ‬ولأن‭ ‬الله‭ ‬خلق‭ ‬الإنسان‭ ‬مسؤولاً‭ ‬عن‭ ‬توجهاته‭ ‬وسلوكه‭ ‬ومعاملاته‭ ‬وأخلاقه،‭ ‬فذلك‭ ‬لا‭ ‬يناسب‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬هؤلاء‭ ‬التفكير‭ ‬المادي‭! ‬الذين‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬يعبدون‭ ‬العلم‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬يشوبه‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الزيف‭! ‬وهذا‭ ‬موضوع‭ ‬طويل‭ ‬آخر‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬مراجعات‭ ‬فكرية‭ ‬أخرى‭! ‬ولهذا‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يطرحه‭ ‬حتى‭ ‬‮«‬مرتزقة‭ ‬العلم‮»‬‭ ‬هو‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليهم‭ ‬مقدس‭ ‬سواء‭ ‬بما‭ ‬يخص‭ ‬النظريات‭ ‬الكونية‭ ‬أو‭ ‬بما‭ ‬يخص‭ ‬نشوء‭ ‬الإنسان‭ ‬نفسه‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا