عالم يتغير
فوزية رشيد
الدين بين الخطاب التقليدي والخطاب الفكري العميق!
{ رغم قوة المنطق في كيف بدأ الخلق وبدأت الخليقة ونشوء الكائنات وخلق «الإنسان العاقل» كقفزة نوعية في سلسلة من قبله من الكائنات! وكيف خلق الله السموات والأرض، ولم يُشهِد خلقه على ذلك، وحيث كل تلك السرديات موجودة في القرآن ما بين عبادات ومعاملات وأمور كونية، لو تمّ التدبر فيها بشكل حقيقي، لأدرك الباحث عن الحقيقة تسلسل كل ما يتعلق بالإنسان والخليقة، في اتساق منطقي وفكري، يوضّح الهدف من وجود الإنسان على الأرض، وماهيته بين الشهادة الدنيوية والغيب الأخروي، وحيث الدنيا مجرد محطة في ارتحالات الروح ومكابداتها نحو بارئها ولم يأت عبثا! ولأدرك المتدبّر في القرآن أنه ليس (إعجاز لغوي) فقط، نزل في أمة تتقن ذات اللغة، فعجزت عن الإتيان بمثله في تحدٍ إلهي للأنس والجن أن يأتوا بمثله، ولم ولن يأتوا بمثله! لأن إعجازه اللغوي (يتوازى) مع أنماط أخرى من (الإعجاز البياني والرقمي والعلمي)، ما جعل علماء أجانب من كل دول العالم يسلمون! ولكل سبب اكتشفه في القرآن، وأنه الحق والدين الصحيح المنزّل على البشرية كلها! فيما (أنصاف المتعلمين) من مثقفين ومفكرين عرب متأسلمون يجحدون كل ذلك، ويعتقدون أنهم أصحاب «عقول علمية» وأن العلم يقف على النقيض من الدين! وحيث الدين عند الله هو الإسلام وحده كما أشرنا مراراً، منذ خلق آدم إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، أي منذ أول الرسل والأنبياء إلى خاتم الأنبياء!، والمنظومة الفكرية هي ذاتها التي تتكرر في إنكار المنطق المتماسك حول الخلق والخليقة ووحدانية الخالق، ليبقى الرد الإلهي ثابتا أيضاً!
{ ورغم أن العلم بتطوراته وقدراته تداخل فيه ومعه كثير من (الزيف والتشويه والتوجيه لأغراض خارجة عن مسارات العلم الحقيقي)، ولأغراض تبنتها قوى كبرى وأصحابها موالون ومتبعون لخطوات الشيطان!، فعملا على طمس حقائق وإظهار حقائق زائفة للبشرية كلها، لأغراض دول وشركات كبرى مهيمنة يهمها نشر الرؤى والتعاليم الشيطانية على مستويات مختلفة! تبدأ بالعبث بالطبيعة والعبث بفطرة الإنسان، لتنتهي إلى تغيير «الخلق» الذي خلقه الله في كل شيء!
{ رغم ذلك يبدو أن الدعاة والمفكرين الإسلاميين الحقيقيين في الزمن الراهن، وكأنهم ينطقون ويتصرفون من موقع الدفاع أمام الهجمات الكثيرة سواء على المستوى الفكري أو الفلسفي أو المنطق، خوفا من تهمة تلاحقهم أنهم ضد العلم!، من دون أن يبحثوا فيما تم تكريسه من هذا العلم وأين هو الحقيقي فيه وأين الزائف! ليأتي (الخطاب الفكري الديني) في نسقه المحفوظ والمكرر، والتقليدي، أكثر منه في النسق النقدي أو الابتكاري في نقد (المنظومة الفكرية المادية) التي تطرح نفسها على مستويات مختلفة بدءاً من طرح النظريات حول نشوء الكون والإنسان والكائنات! إلى طرح النظريات القيمية (من القيم) التي تعمل على نسف كل القيم الإنسانية الفطرية والقيم الأخلاقية والاجتماعية كما حددها الله!
{ اليوم كل شعوب العالم وليس فقط المسلمون بحاجة إلى (لغة دينية جديدة) وتفكير ديني جديد ينطلق من قوة القرآن نفسه، يوضّح ماهية وأبعاد العبادات والمعاملات والقيم الدينية، والتفكير العلمي حين يتسق مع الأهداف الحقيقية لخلق الكون والإنسان! والكون كما حدّده الله (بالسموات والأرض) بشكل لا تخلو صفحة قرآنية منه كوصف! أي إن السموات في موازاة الأرض والتي هي عظيمة في خلقها كعظمة خلق السموات! وعلى المتأمل أن يفكر في ذلك بعمق ليدرك أين تقع الحقائق الكونية من تلك الزائفة باسم العلم!
{ المشكلة لدى الكثير من الذين يتوجهون إلى الإلحاد في هذا الزمن هي بالنسبة إليهم (التكاليف والحدود والنظام الصارم في العبادات والمعاملات)، وليس في المنطق الإلهي حول خلق الإنسان والكون ووحدانية الخالق! فهذا المنطق يتراجع إلى المرتبة الثانية بالنسبة إلى عقلهم المادي، الذين يبحث عن التحرّر من كل القيم والأخلاقيات توهمّاً منهم، بأن الحريات تقع في ساحة البوهيمية والغرائزية المفرطة والانفلات الأخلاقي من القيم الدينية نحو (القيم المادية) التي تكرّس كل ما هو غير ديني باسم الحريّة! ولأن الله خلق الإنسان مسؤولاً عن توجهاته وسلوكه ومعاملاته وأخلاقه، فذلك لا يناسب بالنسبة إلى هؤلاء التفكير المادي! الذين من خلاله يعبدون العلم وإن كان يشوبه الكثير من الزيف! وهذا موضوع طويل آخر يحتاج إلى مراجعات فكرية أخرى! ولهذا كل ما يطرحه حتى «مرتزقة العلم» هو بالنسبة إليهم مقدس سواء بما يخص النظريات الكونية أو بما يخص نشوء الإنسان نفسه!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك