العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

الزمن المتسارع وذاكرة الحياة!

{‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬يمر‭ ‬سريعا،‭ ‬تتوالى‭ ‬الأحداث‭ ‬والمناسبات‭ ‬والعمر‭ ‬ينقضي،‭ ‬ولكأن‭ ‬اللحظة‭ ‬الأخيرة‭ ‬التي‭ ‬يقف‭ ‬فيها‭ ‬الإنسان‭ ‬على‭ ‬عتبة‭ ‬الزمن‭ ‬من‭ ‬عمره،‭ ‬قد‭ ‬لخصت‭ ‬أزمانا‭ ‬سابقة‭ ‬وحوادث‭ ‬كثيرة‭ ‬في‭ ‬كبسولة‭ ‬زمنية‭ ‬قد‭ ‬تأخذ‭ ‬من‭ ‬الذاكرة‭ ‬بضع‭ ‬دقائق‭ ‬أو‭ ‬تأخذ‭ ‬ثواني‭! ‬ولا‭ ‬شيء‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭! ‬أين‭ ‬ذهبت‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الأحداث‭ ‬سواء‭ ‬التي‭ ‬مرت‭ ‬في‭ ‬مسافة‭ ‬العمر‭ ‬الشخصية،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬مسافة‭ ‬عمر‭ ‬الوطن‭ ‬أو‭ ‬الكون‭ ‬مغمورة‭ ‬باسترجاع‭ ‬ما‭ ‬فيها،‭ ‬وكأنها‭ ‬ومضة‭ ‬وليست‭ ‬عقودا‭ ‬كثيرة‭! ‬أهذا‭ ‬ما‭ ‬يراه‭ ‬الإنسان‭ ‬لحظة‭ ‬موته؟‭! ‬هل‭ ‬يستعيد‭ ‬زمن‭ ‬حياته‭ ‬الطويل‭ / ‬القصير‭ ‬في‭ ‬كثافة‭ ‬ثوان‭ ‬وكأنه‭ ‬استرجاع‭ ‬خارج‭ ‬الزمن‭!‬،‭ ‬وللأحداث‭ ‬خارج‭ ‬سياقها‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬عليه،‭ ‬لتعود‭ ‬مجرد‭ ‬ومضات‭ ‬في‭ ‬محطات‭ ‬العمر‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬النظر‭ ‬إليها‭ ‬من‭ ‬الأمام‭ ‬إلى‭ ‬الخلف،‭ ‬فإذا‭ ‬هي‭ ‬وراء‭ ‬العمر‭ ‬نفسه‭ ‬ووراء‭ ‬الزمن‭!‬

{‭ ‬غربية‭ ‬حياة‭ ‬الإنسان،‭ ‬وغريبة‭ ‬رحلته‭ ‬العمرية‭! ‬غريبة‭ ‬هواجسه‭ ‬وشجونه‭ ‬وأحلامه‭ ‬وأوهامه‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬مشحونا‭ ‬بها؛‭ ‬فإذا‭ ‬ما‭ ‬بقيت‭ ‬في‭ ‬سحابة‭ ‬الماضي،‭ ‬أدرك‭ ‬أنها‭ ‬مجرد‭ ‬ارتحالات،‭ ‬قاس‭ ‬بها‭ ‬عمره،‭ ‬يضحك‭ ‬من‭ ‬حزنه‭ ‬على‭ ‬بعضها،‭ ‬ويضحك‭ ‬من‭ ‬فرحه‭ ‬ببعضها،‭ ‬فلا‭ ‬الحزن‭ ‬بقي‭ ‬ولا‭ ‬الفرح‭ ‬استمر‭.‬

وربما‭ ‬أكثر‭ ‬ما‭ ‬يرسخ‭ ‬في‭ ‬الذاكرة‭ ‬هي‭ ‬تلك‭ ‬الارتحالات‭ ‬الفكرية‭ ‬أو‭ ‬الروحية‭ ‬التي‭ ‬عايشها،‭ ‬وترجم‭ ‬بعضها‭ ‬إلى‭ ‬سلوكيات‭ ‬وأحيانا‭ ‬إلى‭ ‬مشاحنات‭ ‬وخلافات‭ ‬يدرك‭ ‬بعد‭ ‬مضيها‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬ذات‭ ‬فائدة،‭ ‬إلا‭ ‬بالتعبير‭ ‬عن‭ ‬كونها‭ ‬محطات‭ ‬كانت‭ ‬زاخرة‭ ‬أحياناً‭ ‬بالغرور‭ ‬الأجوف،‭ ‬أو‭ ‬كانت‭ ‬حانية‭ ‬حنو‭ ‬أم‭ ‬وهي‭ ‬تضم‭ ‬أطفالها‭ ‬الصغار‭! ‬فاذا‭ ‬ما‭ ‬كبروا‭ ‬شعر‭ ‬بعضهم‭ ‬أنهم‭ ‬كبروا‭ ‬عليها‭ ‬فيما‭ ‬شعر‭ ‬البعض‭ ‬الآخر‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬صغيراً‭ ‬في‭ ‬حضنها‭ ‬وبحاجة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬الدفء‭ ‬النادر‭ ‬في‭ ‬دهاليز‭ ‬الحياة‭ ‬المظلمة‭! ‬

{‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬الهواجس‭ ‬تربط‭ ‬الإنسان‭ ‬بالحياة‭ ‬نفسها‭! ‬البعض‭ ‬يتصور‭ ‬أنه‭ ‬فهم‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬فيها،‭ ‬والبعض‭ ‬النادر‭ ‬يدرك‭ ‬أنه‭ ‬كلما‭ ‬تعلم‭ ‬ازداد‭ ‬جهلاً‭ ‬بها‭! ‬ولا‭ ‬يتواضع‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬إلا‭ ‬العلماء‭ ‬الحقيقيون‭ ‬الذين‭ ‬يصلون‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬العمر‭ ‬الأخيرة‭ ‬إلى‭ ‬أنهم‭ ‬مازالوا‭ ‬لا‭ ‬يعلمون‭ ‬شيئاً،‭ ‬فأسرار‭ ‬الحياة‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬عمرهم،‭ ‬ومن‭ ‬علمهم‭ ‬مهما‭ ‬بلغ‭ ‬ليعود‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة‭ ‬إلى‭ ‬دهشة‭ ‬الطفل‭ ‬واكتشافاته‭ ‬البكر،‭ ‬وإلى‭ ‬الفرح‭ ‬مجدداً‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬اعتقد‭ ‬أنه‭ ‬صغير‭ ‬ولا‭ ‬أهمية‭ ‬له‭! ‬فجأة‭ ‬ينظر‭ ‬بدهشة‭ ‬إلى‭ ‬جماليات‭ ‬الحياة‭ ‬البسيطة‭ ‬كشروق‭ ‬الشمس‭ ‬وهو‭ ‬يتناوب‭ ‬في‭ ‬محطاته‭ ‬السماوية‭ ‬بين‭ ‬البزوغ‭ ‬والارتفاع‭ ‬والغياب‭ ‬أو‭ ‬الغروب‭! ‬وكامتداد‭ ‬البحر‭ ‬وتلاطم‭ ‬أمواجه‭ ‬ولكأنه‭ ‬يحمل‭ ‬في‭ ‬أعماقه‭ ‬أسرار‭ ‬الطبيعة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬اكتشافها‭ ‬بعد‭! ‬وكألفة‭ ‬الأواصر‭ ‬بين‭ ‬أفراد‭ ‬العائلة‭ ‬الواحدة،‭ ‬ليقف‭ ‬عند‭ ‬محطاتها‭ ‬الأولى،‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬الجميع‭ ‬صغاراً‭ ‬يجتمعون‭ ‬على‭ ‬مائدة‭ ‬الإفطار‭ ‬أو‭ ‬الغداء‭ ‬أو‭ ‬العشاء‭! ‬أو‭ ‬كتلك‭ ‬العاطفة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬سهر‭ ‬بسببها‭ ‬ليالي‭ ‬كثيرة‭! ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الأشياء‭ ‬البسيطة‭ ‬العادية‭ ‬في‭ ‬مسراها‭ ‬تعيد‭) ‬الزمن‭ ‬ليتوقف‭ ‬عند‭ ‬محطة‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬العمر‭ ‬هي‭ ‬محطة‭ ‬الحنين‭ (‬لما‭ ‬رحل‭ ‬من‭ ‬زمنه‭ ‬ومن‭ ‬عمره‭! ‬فتنفتح‭ ‬في‭ ‬روحه‭ ‬بؤرة‭ ‬ضوء‭ ‬جديدة،‭ ‬يدرك‭ ‬فيها‭ ‬أن‭ ‬عمره‭ ‬الزمني‭ ‬مجرد‭ ‬كبسولة‭ ‬كثفت‭ ‬كل‭ ‬مراحله‭ ‬العمرية‭ ‬المنقضية‭! ‬وبقي‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يتأمل‭ ‬مجدداً‭ ‬بدهشة‭ ‬الكهولة‭ / ‬الطفولة‭ ‬فكلاهما‭ ‬يلتقيان‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬مكثفة‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الزمن‭ ‬كان‭ ‬سريعاً،‭ ‬بل‭ ‬ومتسارعاً،‭ ‬وأن‭ ‬لكل‭ ‬إنسان‭ ‬ذاكرة‭ ‬حياة‭ ‬قد‭ ‬تشتبك‭ ‬مع‭ ‬ذاكرة‭ ‬آخرين،‭ ‬ومنها‭ ‬تختلف‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬سريانها‭ ‬وكثافة‭ ‬تجاربها‭ ‬وحصيلة‭ ‬خبرتها‭ ‬من‭ ‬شخص‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭!‬

{‭ ‬لم‭ ‬يبق‭ ‬ما‭ ‬يستحق‭ ‬العناء‭ ‬إلا‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ (‬الكنز‭) ‬من‭ ‬حصيلة‭ ‬العمر‭ ‬المترجمة‭ ‬إلى‭ ‬الخبرة‭ ‬التي‭ ‬تعيد‭ ‬الذاكرة‭ ‬إلى‭ ‬المشاعر‭ ‬التي‭ ‬بها‭ ‬يقع‭ ‬الفارق‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬ثمين‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الحصيلة‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬غث،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يستحق‭ ‬الركض‭ ‬خلفه‭ ‬للحصول‭ ‬عليه‭! ‬وبعد‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬هل‭ ‬أدركنا‭ ‬قيمة‭ ‬الحياة؟‭! ‬هل‭ ‬أدركنا‭ ‬أن‭ ‬أرزاقها‭ ‬المختلفة‭ ‬موزعة‭ ‬بين‭ ‬البشر،‭ ‬وما‭ ‬حظينا‭ ‬به‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬كنا‭ ‬نحتاج‭ ‬إليه،‭ ‬لنصل‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬العمق‭ ‬الذي‭ ‬يجمع‭ ‬فينا‭ ‬الكهولة‭ ‬والطفولة‭ ‬في‭ ‬ومضة‭ ‬واحدة؟‭ ‬لنعود‭ ‬أدراجنا‭ ‬ونحن‭ ‬نطل‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬مضى،‭ ‬ولكن‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬وقد‭ ‬أخذت‭ ‬الأولويات‭ ‬في‭ ‬أجندة‭ ‬العمر‭ ‬ترتيبها‭ ‬الأدق‭ ‬والأصح،‭ ‬فلم‭ ‬نعد‭ ‬نبحث‭ ‬عن‭ ‬السعادة‭ ‬في‭ ‬خارجنا،‭ ‬فهي‭ ‬إما‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬داخلنا،‭ ‬وإما‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تأتي‭ ‬أبداً،‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬إطلالة‭ ‬على‭ ‬شرفات‭ ‬الوهم‭ ‬التي‭ ‬نعتقد‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬ستسعدنا‭! ‬ها‭ ‬هو‭ ‬الزمن‭ ‬يتسارع‭ ‬فأي‭ ‬أثر‭ ‬تركناه‭ ‬خلفنا‭ ‬ليشهد‭ ‬أننا‭ ‬عشنا‭! ‬وهل‭ ‬عشنا‭ ‬كما‭ ‬يجب‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا