عالم يتغير
فوزية رشيد
لماذا خلقنا الله؟!
{ لماذا خلقنا الله؟! فعلاً هو أصعب سؤال وجودي على الإطلاق! يقول الله عزّ وجلّ: «ما خلقت الإنس والجن إلا ليعبدون». ولكن ما المقصود بالعبادة؟! هل هي منحصرة في العبادات التي نعرفها فقط؟! أم أن مفهوم العبادة مفهوم يتسع ليشمل سرّ الوجود الإنساني نفسه، وسرّ نشأة الكون (السماوات والأرض)، وسرّ الحياة في تطوراتها والقوانين التي تحكم التطورات! وسر الشفرة الوراثية والمعلومات الهائلة التي تحملها الخلية الواحدة في الكائنات بما تحمله من تمايزات! وتجليات (الإعجاز الإلهي في خلق الحياة)، التي بقيت في أغلبها على إعجازها وتحديها مهما حقق (العلم المادي) من إنجازات! وحول هذا هناك أسئلة كثيرة يقف (الفكر المادي) أمامها عاجزاً! وحيث كل قوانين الطبيعة مجتمعة لا يمكنها وحدها أن تفسّر نشأة الكون من المادة غير الحيّة! ولا يعرف العلم بمن فيهم (معتنقو نظرية داروين) سرّ الانضباط والمنطقية في الوجود وسرّ بدء الوجود من العدم! وحيث (التصميم الذكي) والوعي الكوني، ووجود الذكاء في الطبيعة، لا بد أن يقود إلى الإقرار بـ(المصمّم الذكي) الذي صنع كل هذه الدقة والانضباط في الكون والطبيعة والإنسان والكائنات جميعها! وهذا ما لا يريده التفكير المادي!
{ الله الذي شاء أن يخلق كل شيء، من ملائكة نورانيين ومن شياطين ومردة، ومن طبيعة زاخرة ونبات وحيوان، شاء أن يخلق الإنسان ويجعله أسمى مخلوقاته ككائن استثنائي (إن عرف معنى عبادة الله)، وأن ينزل أسفل سافلين إن انصرف عن خالقه! «فإذا سوّيتُه ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين» الحجر – 29.
هذا المخلوق الذي نفخ الله فيه من روحه، وأمر الملائكة بالسجود له، هو المخلوق «الاستثنائي» الذي يملك (حرية الإرادة الدنيوية وليس الوجودية كالموت والحياة)، وباختياره بإمكانه أن يصل إلى مرتبة الملائكة أو أعلى عبر امتحانات ومكابدات الحياة، أو أن ينزل إلى ما دون مرتبة الحيوان حين لا يفهم نفسه، والعلاقة الشرطية مع خالقه! لأن الله الذي خلق كل شيء وخلق الإنسان ليعبده (بالمعنى الواسع والشمولي للعبادة) التي تدور في جوهرها حول تحقيق الذات الإنسانية بمعرفة نفسها ومعرفتها لخالقها وعلاقتها بالحياة التي يعيشها، عبر سعيه الدنيوي للخير والتعمير، وفهم النواميس والقوانين الطبيعية أو الفطرة التي خلقه الله عليها، ليرتقي كإنسان ويرتقي بما حوله من طبيعة ومجتمع وعلاقات بشرية، وأسرار العلاقة الروحية والوجودية بالخالق، وليعمل لما بعد هذه الحياة الدنيوية القصيرة!
{ وحده الإنسان إذًا هو المخلوق المميز بين كل الكائنات، لأنه وحده القادر على الاختيار بين الخير والشرّ، وقد زودّه خالقه بما يحتاج إليه من أرزاق شاملة ومن ملكات وإمكانيات ومواهب وجعل له السمع والبصر والأفئدة والجوارح والعقل والقلب، ليحقق ما خلقه الله له كنوع استثنائي بين كل المخلوقات وليعمل لدنياه وآخرته، إن جاءت اختياراته من «قلب سليم» تهديه إلى الطريق المستقيم، ولكنه الطريق المحفوف بكل التحديات والمكابدات!
وما الرزق بكل أنواعه المادية والمعنوية والروحية، إلا تلك الإمكانيات والملكات التي تسعفنا على عبادته بالمعنى الشمولي للعبادة –كما أشرنا– أي أنها الوسائل من الله لكي يرتبط ارتقاؤنا بأنفسنا من خلال الترقي ومعرفة الصلة بين الذات الإنسانية وبين الله خالق كل شيء، وخالق النفس والروح التي لا يعلم سرّها إلا هو! ولهذا خلقنا الله! خلق الإنسان الذي فيه يكمن السر من ذات أو كينونة تتراوح بين المادي وغير المادي، وجوهر الإنسان (الروح) يبقى بعد موت الجسد، أي أنه كائن بين عالم المادة وعالم الغيب!
{ القرآن الكريم يقدم للعقل الإنساني الحقائق التي وضعها الخالق لفهم تسلسل الخلق ومكانة الإنسان في هذا الخلق! ودعا الإنسان إلى البحث «قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق» العنكبوت-20، وقال الله تعالى «ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم» الكهف-51.
ولهذا تبقى النظريات الوضعية لتفسير كيف بدأ الخلق، وسرّ تطور الوعي الإنساني، من نظرية الانفجار الكبير، والداروينية، مجرد نظريات، لا تفسر كيف بدأت المادة من العدم! وكيف تشكّل الكون من اللا شيء! ومن أين جاءت المادة أصلاً! كل ذلك وغيره يملك إجابته من خلق الوجود من العدم، ومن جعل أمره بين الكاف والنون (كن فيكون)، ومن خلق الإنسان ليكون الكائن المميّز والاستثنائي بين الكائنات التي خلقها! سبحانه، ولنتدرج في معارفنا باختيارنا خلقنا الله ووضع رهانه على الصالحين من الناس.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك