عالم يتغير
فوزية رشيد
جدلية البُعد المادي والبُعد الروحي للإنسان!
{ هذا الشهر الفضيل مناسبة حقيقية للتأمل في بعض الظواهر التي تجتاح العالم من بؤرة الفكر الغربي المادي، الذي انساق وراء (العلوم المادية) وحدها ولم يضع اعتبارا إلا لكل ما هو محسوس وملموس ويمكن التجريب فيه في المعامل العلمية! هو توجه فكري غير قادر على الإلمام المعرفي العلمي بكل ما هو غير مادي، وبالتالي اعتباره غير موجود لأنه لا يخضع للتجريب المعملي! ومن ذلك الجدل حول وجود الله!
{ هذا (التفكير المادي المطلق) أنتج ظواهر ومظاهر أصابت في البداية المجتمعات الغربية بعناوين (العلمانية - بكسر العين) و(العلمانية – بفتح العين) لتنشأ من خلال منظومة فكرية تسند بعضها بدأت بـ(العلم التجريبي) في المعامل لتنشئ بعد ذلك منظومتها المتسقة معها في علوم الاقتصاد والاجتماع والسياسة والعلوم الإنسانية والدينية! وتنبذ بالتدريج الأديان والعلوم الدينية والتعاليم الإلهية، وليصبح (كل ما هو روحي غير قابل للتجارب العلمية) غير معترف به! لتتدرج ظاهرة (الإلحاد) في الغرب، وظاهرة (اللادينية) بمعنى الاعتراف بوجود خالق ولكن إنكار وجود رسائل له من خلال الشرائع والرسل والدين الخاتم وهو الإسلام!
{ ورغم أن الإنسان نفسه لم يتم اكتشاف كل أبعاده، إلا الحسية الملموسة، ومنها الحواس الخمس، إلا أن (البعد الروحي) لدى الإنسان، لم يتمكن العلم رغم كل تطوره من فهمه بشكل حقيقي! لأنه أي العلم لم يستطع اكتشاف كل الأبعاد والوظائف التي تدور في الدماغ البشري إلا باعتباره جهازاً ينقل المؤثرات الكهربائية! ولكنه في الحقيقة يختلف تماماً عن العمليات العقلية أو عن القدرات الكامنة واللا واعية التي يحظى بها الإنسان في (الوعي) وارتباط المؤشرات العقلية بالمؤشرات والإشارات القلبية..! وما هو سر مثلا (الظواهر الباراسيكولوجية) التي تقع في دائرة ما هو غير ملموس وغير محسوس، مثل الحاسة السادسة والسابعة وما هو أعلى، ومثل الحدس، والتخاطر، وغيرها! رغم أنها من العلوم التي دخلت ميدان الدراسة في الولايات المتحدة وروسيا وبعض الدول الغربية والكيان الصهيوني، ومنذ عقود طويلة قبل الآن بغرض الاستخدام الاستخباراتي!
{ حتى التجارب العلمية أثبتت في إطار تجزئة الجزيء والذرة والدخول في عالم الإلكترون والفوتون، وما هو أصغر منه، أن الحركة في تلك الفوتونات لا يمكن رؤيتها، ولكن مراقبة حركاتها غير المرئية! أي أن (جوهر المادة هو شيء غير مادي أو غيبي) بحسب تجاربهم المعملية! ولكأن الله عزّ وجل وضع السّر في أصغر مخلوقاته داخل الجزيء المادي نفسه وداخل الذرة وأصغر ما فيه من إلكترونات وفوتونات ليدلل على أنه أي الله (غير مرئي ولكن آثاره مرئية في كل خلقه) من الذرة وما فيها مما هو أصغر من الذرة، إلى السموات السبع والأرض! ولهذا وقفة أخرى في سياق مقالات هذا الشهر الفضيل!
{ حول صناعة الإدراك والوعي والفارق بين (القلب - العضلة) و(القلب - المفكر) و(القلب - العقل) تدور اليوم أبحاث علمية، ولكن في معامل الرؤية المادية البحتة! التي تدفع العالم إلى الإلحاد! وبالتالي لن تفصح عن نتائج اختباراتها في الدلالة على ما هو مؤشر للعالم الروحي لدى الإنسان لأن ذلك سيضرب التوجهات المكرسة لـ(عبادة العلم وليس عبادة الله)!
{ عقل الإنسان في إطار (الرؤية المادية البحتة) هو عقل عاجز عن إدراك الأبعاد الحقيقية سواء للكون أو للإنسان نفسه! فيما في القرآن (كلام الله الأخير) فإن القلب هو مصدر التعقل والعاطفة معا، ومصدر كل الظواهر الأخرى (الباراسيكولوجية) أو ما وراء الطبيعة كالحدس والتخاطر والحاسة السادسة والسابعة وكل التجليات الروحية الرفيعة، وفي إدراك الوعي الكوني الذي به كل شيء يسير وفقه ووفق نظام معقد ودقيق جدا رغم ما يبدو عليه من بساطة!
{ ومن هنا ففي العلم الإلهي تنشأ الحكمة التي أشار إليها الله في القرآن بأنها الفضل العظيم! وحتى الفيلسوف «كانت» أو «كانط» قال (السؤال عن الله الخالق سؤال لن نصل إلى جوابه عبر العقل) أو عبر التفكير المادي المحدود والعاجز لأنه من الأبعاد التي لا تخضع للتجريب المعملي وإنما يتم الإحساس بها في القلب!
{ (الالتباسات المفاهيمية) في الفلسفة وفي الفكر الفلسفي المادي توضح الفارق بين العلوم الأصلية «الإلهية» التي تفسر كل ما يغيب عن التفكير المادي البحت، وبين العلوم الزائفة، أو كما يسميها البعض «علوم الدجال!
وحين يتم الخلط بين العقل في إطار التفكير، وبين الوعي سواء الوعي الإنساني الذاتي أو الوعي الكوني، تنشأ تلك الالتباسات! (الوعي مصدره متعدد الأبعاد بين ما هو حسي وملموس، وما هو روحي وإيماني قلبي مكانه القلب، الذي منه تأتي الحكمة)! والقرآن لأنه كلام الله الأخير مهيمن على كل ما سبقه ولحقه! وتدبره يحتاج إلى نور القلب وليس محدودية الحواس والتجريب المعملي العلمي! لأن العقل وحده عاجز عن فهم كل الأسرار! والحقيقة الواقعية للذات الإنسانية، لا تتناقض مع معرفة الله والإيمان به، بل هي تأخذ كل أبعادها الحقيقية بتكامل البعد المادي في الإنسان مع بعده الروحي غير المنظور!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك