العدد : ١٦٨٥٠ - السبت ١١ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٣ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٥٠ - السبت ١١ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٣ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

قضايا و آراء

هل تنجح «بريكس» في إصدار عملتها الجديدة؟

بقلم: د. نبيل العسومي

الأربعاء ٢٩ مارس ٢٠٢٣ - 02:00

في‭ ‬إطار‭ ‬التحولات‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬يشهدها‭ ‬عالم‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬زعزعة‭ ‬نظام‭ ‬القطبية‭ ‬الأحادية‭ ‬الذي‭ ‬تتسيد‭ ‬فيه‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬منفردة‭ ‬منذ‭ ‬انهيار‭ ‬اتحاد‭ ‬الجمهوريات‭ ‬الاشتراكية‭ ‬السوفيتية‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬تسعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬نشأت‭ ‬مجموعة‭ ‬بريكس‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2006‭ ‬والتي‭ ‬تم‭ ‬تشكيلها‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الصاعدة‭ ‬ذات‭ ‬الاقتصادات‭ ‬الكبيرة‭ ‬والواعدة‭ ‬وهي‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬وجمهورية‭ ‬الصين‭ ‬الشعبية‭ ‬والبرازيل‭ ‬والهند‭ ‬وجنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬التي‭ ‬انضمت‭ ‬لاحقا،‭ ‬وكانت‭ ‬هذه‭ ‬المنظمة‭ ‬في‭ ‬أساسها‭ ‬استقطابا‭ ‬للدول‭ ‬الصاعدة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬خلق‭ ‬قطب‭ ‬اقتصادي‭ ‬وسياسي‭ ‬جديد‭ ‬يخرج‭ ‬عن‭ ‬المظلة‭ ‬الأمريكية‭ ‬التي‭ ‬تضم‭ ‬دول‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬واليابان‭ ‬وكوريا‭ ‬الجنوبية‭ ‬وتايوان‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وإفريقيا،‭ ‬وتعتبر‭ ‬عمليا‭ ‬مجموعة‭ ‬بريكس‭ ‬كتلة‭ ‬ضخمة،‭ ‬ومن‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬تنضم‭ ‬إليها‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭ ‬مثل‭ ‬الجزائر‭ ‬والمملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية،‭ ‬مما‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬ثقلها‭ ‬السياسي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬والعسكري‭.‬

وجاءت‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية‭ ‬بدءًا‭ ‬من‭ ‬فبراير‭ ‬2022‭ ‬لتعلن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬ودول‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬والدول‭ ‬التابعة‭ ‬لهذا‭ ‬القطب‭ ‬عن‭ ‬عقوبات‭ ‬تزيد‭ ‬على‭ ‬7000‭ ‬عقوبة‭ ‬اقتصادية‭ ‬ضد‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية،‭ ‬مما‭ ‬زاد‭ ‬من‭ ‬أهمية‭ ‬مجموعة‭ ‬بريكس‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬التغول‭ ‬الأمريكي‭ ‬بوجه‭ ‬خاص‭ ‬والغربي‭ ‬بوجه‭ ‬عام،‭ ‬لتكون‭ ‬هذه‭ ‬المنظمة‭ ‬مدافعة‭ ‬عن‭ ‬مصالح‭ ‬الدول‭ ‬الصاعدة‭ ‬خاصة‭ ‬والدول‭ ‬النامية‭ ‬عامة،‭ ‬وهي‭ ‬تقوم‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬التشجيع‭ ‬على‭ ‬فكرة‭ ‬القطبية‭ ‬الدولية‭ ‬سياسيا‭ ‬واقتصاديا‭ ‬وأمنيا،‭ ‬وهذا‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬ما‭ ‬يبرر‭ ‬حالة‭ ‬الجنون‭ ‬الأمريكي‭ ‬وحتى‭ ‬الأوروبي‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬خلال‭ ‬العملية‭ ‬العسكرية‭ ‬الخاصة‭ ‬في‭ ‬الدونباس‭ ‬بتزويد‭ ‬أوكرانيا‭ ‬بأسلحة‭ ‬غير‭ ‬محدودة‭ ‬وبكميات‭ ‬هائلة‭ ‬تشمل‭ ‬الدبابات‭ ‬والمدرعات‭ ‬والصواريخ‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬يائسة‭ ‬لهزيمة‭ ‬روسيا‭ ‬وبالتالي‭ ‬هزيمة‭ ‬منظمة‭ ‬بريكس‭ ‬وكسرها‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تنضم‭ ‬إليها‭ ‬بلدان‭ ‬جديدة‭ ‬وتصبح‭ ‬قوة‭ ‬ضاربة‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وخاصة‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المنظمة‭ ‬ومنذ‭ ‬عام‭ ‬2010‭ ‬على‭ ‬الأقل؛‭ ‬أي‭ ‬بعد‭ ‬انضمام‭ ‬جمهورية‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬اليها‭ ‬تحاول‭ ‬مواجهة‭ ‬التكتلات‭ ‬الكبرى‭ ‬الأخرى‭ ‬مثل‭ ‬مجموعة‭ ‬7‭ ‬ومجموعة‭ ‬20،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬نفهم‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬يحدث‭ ‬الآن‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬وخصوصا‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المنظمة‭ ‬مفتوحة‭ ‬اليوم‭ ‬لمزيد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬ذات‭ ‬الثقل‭ ‬الاقتصادي‭ ‬مثل‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬وجمهورية‭ ‬مصر‭ ‬العربية‭ ‬اللتين‭ ‬تمتلكان‭ ‬مقدرة‭ ‬استراتيجية‭ ‬كبيرة‭ ‬تعجل‭ ‬من‭ ‬انضمامهما‭ ‬المحتمل‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬كقوة‭ ‬إضافية‭ ‬اقتصادية‭ ‬وجيوسياسية،‭ ‬وتوسعا‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬التوسع‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬والهيمنة‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والعسكرية‭ ‬والأمنية‭ ‬الأمريكية‭.‬

هذا‭ ‬الجنون‭ ‬الذي‭ ‬نلمسه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الضغط‭ ‬الأطلسي‭ ‬على‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬والسعي‭ ‬إلى‭ ‬ابتزاز‭ ‬واستنزاف‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬القوى‭ ‬الغربية‭ ‬تحرص‭ ‬على‭ ‬إطالتها‭ ‬قدر‭ ‬الإمكان‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬لعدة‭ ‬سنوات‭ ‬قادمة‭ ‬بما‭ ‬يؤدي‭ ‬تدريجيا‭ ‬إلى‭ ‬تآكل‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الروسي‭ ‬وإضعاف‭ ‬قوتها‭ ‬العسكرية‭ ‬وحتى‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والمالية،‭ ‬وهذا‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬في‭ ‬صلب‭ ‬المصلحة‭ ‬الأمريكية‭ ‬حيث‭ ‬بينت‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬مرت‭ ‬عليها‭ ‬سنة‭ ‬كاملة‭ ‬أن‭ ‬الرابح‭ ‬الأكبر‭ ‬منها‭ ‬هو‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬والمجمع‭ ‬العسكري‭ ‬الصناعي‭ ‬الأمريكي‭ ‬الذي‭ ‬يضم‭ ‬ملايين‭ ‬العمال‭ ‬والموظفين‭ ‬ويدخل‭ ‬المليارات‭ ‬من‭ ‬الدولارات‭ ‬لتضخ‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الأمريكي،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬تدمر‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬وتسبب‭ ‬لها‭ ‬الكوارث‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬المنهكة‭ ‬والتي‭ ‬إن‭ ‬طالت‭ ‬إلى‭ ‬فترة‭ ‬أخرى،‭ ‬فإنها‭ ‬ستؤدي‭ ‬على‭ ‬الأرجح‭ ‬إلى‭ ‬ظهور‭ ‬تيارات‭ ‬قومية‭ ‬وربما‭ ‬حتى‭ ‬نازية‭ ‬وفاشيستية‭ ‬من‭ ‬غبار‭ ‬هذه‭ ‬المعركة‭ ‬الطاحنة‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬والناتو،‭ ‬بما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬سقوط‭ ‬الحكومات‭ ‬الليبيرالية‭ ‬والديمقراطية‭ ‬وصعود‭ ‬محتمل‭ ‬لأحزاب‭ ‬يمينية‭ ‬متطرفة،‭ ‬وهذا‭ ‬سيغير‭ ‬وجه‭ ‬أوروبا‭ ‬والعالم‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬أي‭ ‬أفق‭ ‬سلمي‭ ‬للمسألة‭ ‬الأوكرانية‭ ‬وخيار‭ ‬دول‭ ‬الناتو‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬محاولة‭ ‬إطفاء‭ ‬الغاز‭ ‬الروسي‭ ‬بنار‭ ‬البنزين‭ ‬مثلما‭ ‬عبر‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬المجر‭ ‬في‭ ‬وصفه‭ ‬لضخ‭ ‬دول‭ ‬الناتو‭ ‬للأسلحة‭ ‬الثقيلة‭ ‬إلى‭ ‬أوكرانيا‭.‬

ولعل‭ ‬الحديث‭ ‬المتصاعد‭ ‬اليوم‭ ‬عن‭ ‬العملة‭ ‬الخاصة‭ ‬بمنطقة‭ ‬بريكس‭ ‬والتي‭ ‬يجري‭ ‬دراستها‭ ‬حاليا‭ ‬وتجاوزت‭ ‬مرحلة‭ ‬التصور‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬التنسيق‭ ‬لاتخاذ‭ ‬قرار‭ ‬بشأن‭ ‬إصدارها‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬المنظور‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬القليلة‭ ‬القادمة‭ ‬وإذا‭ ‬ما‭ ‬نجحت‭ ‬دول‭ ‬بريكس‭ ‬في‭ ‬إصدار‭ ‬هذه‭ ‬العملة‭ ‬واعتمادها‭ ‬كعملة‭ ‬دولية‭ ‬مثل‭ ‬الدولار‭ ‬واليورو‭ ‬للتعاملات‭ ‬التجارية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬سيكون‭ ‬إيذانا‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬سطوة‭ ‬الدولار‭ ‬كعملة‭ ‬عالمية‭ ‬وتراجع‭ ‬سيطرته‭ ‬وهيمنته‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬الغضب‭ ‬الأمريكي‭ ‬ويفسر‭ ‬هذا‭ ‬الحماس‭ ‬المنقطع‭ ‬النظير‭ ‬لصب‭ ‬الزيت‭ ‬على‭ ‬النار‭ ‬في‭ ‬المعركة‭ ‬الدائرة‭ ‬حاليا‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬أوكرانيا‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬ودول‭ ‬الناتو‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا