العدد : ١٧٠٥٥ - الاثنين ٠٢ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠١ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥٥ - الاثنين ٠٢ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠١ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

مقالات

نزعتنا التسوليّة؟؟

بقلم: المحامية د. هنادي عيسى الجودر

الأحد ٢٦ مارس ٢٠٢٣ - 02:00

القراء‭ ‬الأعزاء،

أهنئكم‭ ‬جميعاً‭ ‬بحلول‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬المبارك،‭ ‬جعلنا‭ ‬الله‭ ‬من‭ ‬صائميه‭ ‬وقائميه،‭ ‬وتقبّل‭ ‬منا‭ ‬جميع‭ ‬أعمالنا‭ ‬الصالحة،‭ ‬ويهمني‭ ‬أن‭ ‬أبدأ‭ ‬مقالي‭ ‬بنصيحة‭ ‬ثمينة‭ ‬من‭ ‬نصائح‭ ‬الإمام‭ ‬الشافعي‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬لتلميذه‭ ‬يونس‭ ‬الصفدي‭ ‬عندما‭ ‬وقع‭ ‬خلاف‭ ‬بينهما‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬المسائل‭ ‬فقال‭ ‬له‭: ‬يا‭ ‬يونس‭ ‬تجمعنا‭ ‬مئات‭ ‬المسائل‭ ‬وتفرقنا‭ ‬مسألة‭ ‬واحدة،‭ ‬لا‭ ‬تحاول‭ ‬أن‭ ‬تنتصر‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬خلاف،‭ ‬إن‭ ‬كسب‭ ‬القلوب‭ ‬أولى‭ ‬من‭ ‬كسب‭ ‬المواقف،‭ ‬يا‭ ‬يونس‭ ‬لا‭ ‬تهدم‭ ‬جسراً‭ ‬شيدته‭ ‬بنفسك‭ ‬فربما‭ ‬تحتاج‭ ‬العبور‭ ‬عليه،‭ ‬يا‭ ‬اكره‭ ‬الخطأ‭ ‬ولا‭ ‬تكره‭ ‬المخطئ،‭ ‬واكره‭ ‬المعصية‭ ‬وارحم‭ ‬العاصي،‭ ‬وانتقد‭ ‬القول‭ ‬واحترم‭ ‬القائل،‭ ‬فأن‭ ‬مهمتنا‭ ‬أن‭ ‬نقضي‭ ‬على‭ ‬المرض‭ ‬لا‭ ‬ان‭ ‬نقضي‭ ‬على‭ ‬المريض‭.‬

والنصيحة‭ ‬تختزل‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأخطاء‭ ‬التي‭ ‬يقع‭ ‬فيها‭ ‬الكثير‭ ‬عند‭ ‬الخلاف،‭ ‬والتي‭ ‬قد‭ ‬تُقوّض‭ ‬أواصر‭ ‬العلاقة‭ ‬الإنسانية‭ ‬بينهما،‭ ‬مستبعدين‭ ‬تماماً‭ ‬بأن‭ ‬الخلاف‭ ‬يجب‭ ‬ألا‭ ‬يُفسد‭ ‬للود‭ ‬قضية،‭ ‬فالخلاف‭ ‬هو‭ ‬وليد‭ ‬اختلاف‭ ‬الأفكار‭ ‬والثقافات‭ ‬ووجهات‭ ‬النظر‭ ‬والمصلحة‭.‬

ومن‭ ‬المعلوم‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬تداعيات‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬أنها‭ ‬مساحة‭ ‬تتكدس‭ ‬فيها‭ ‬الأخبار‭ ‬والمعلومات،‭ ‬حيث‭ ‬تنقل‭ ‬لمستخدمها‭ ‬كمّا‭ ‬كبيرا‭ ‬جداً‭ ‬من‭ ‬المعلومات،‭ ‬بعضها‭ ‬صحيح‭ ‬وأكثرها‭ ‬عكس‭ ‬ذلك،‭ ‬فهي‭ ‬فضاء‭ ‬التعبير‭ ‬الذي‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تُحلق‭ ‬فيه‭ ‬المعلومة‭ ‬مُتحررة‭ ‬‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬‭ ‬من‭ ‬الرقابة،‭ ‬لذا‭ ‬فإن‭ ‬إعمال‭ ‬الفكر‭ ‬في‭ ‬قبولها‭ ‬وتصديقها‭ ‬منوط‭ ‬بالمتلقي،‭ ‬فليس‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يُنشر‭ ‬صحيحاً‭ ‬ولاسيما‭ ‬الأفكار‭ ‬المغلوطة‭ ‬أو‭ ‬الأخبار‭ ‬غير‭ ‬الموثوقة،‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تكون‭ ‬مجهولة‭ ‬المصدر‭. ‬

وضمن‭ ‬رسائل‭ ‬الواتساب‭ ‬قرأت‭ ‬مقالاً‭ ‬مؤخراً‭ ‬استوقفتني‭ ‬فكرته‭ ‬بعنوان‭ (‬ثقافة‭ ‬التسول‭ ‬ونزعتنا‭ ‬التسولية‭) ‬للكاتب‭ ‬د‭.‬عبدالله‭ ‬بن‭ ‬حمد‭ ‬العويشق،‭ ‬استقى‭ ‬فكرته‭ ‬من‭ ‬ذاكرة‭ ‬مقاعد‭ ‬الدراسة،‭ ‬إذ‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬الحصص‭ ‬كلّف‭ ‬المدرس‭ ‬جميع‭ ‬الطلبة‭ ‬مختلفي‭ ‬الجنسيات‭ ‬بمن‭ ‬فيهم‭ ‬الكاتب‭ ‬نفسه،‭ ‬بواجب‭ ‬دارسي‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬كتابة‭ ‬خطاب‭ ‬موجه‭ ‬إلى‭ ‬مسئول‭ ‬في‭ ‬بلدته‭ ‬لتزويدها‭ ‬بالكهرباء،‭ ‬وانتهى‭ ‬من‭ ‬الاستماع‭ ‬إلى‭ ‬واجبات‭ ‬جميع‭ ‬الطلبة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭: (‬خطابات‭ ‬العرب‭ ‬جميعها‭ ‬تسوليّة‭ ‬تبدأ‭ ‬بالثناء‭ ‬على‭ ‬المسؤول‭ ‬وجهوده‭ ‬القيمة،‭ ‬ثم‭ ‬تتوسل‭ ‬إليه‭ - ‬وتتسول‭ - ‬بأن‭ ‬يتكرم‭ ‬بالتوجيه‭ ‬لإجراء‭ ‬اللازم‭ ‬لتوفير‭ ‬هذه‭ ‬الخدمة‭ - ‬تفضلاً‭ ‬منه‭ ‬وإحساناً،‭ ‬ثم‭ ‬يختم‭ ‬الخطاب‭ ‬بمثل‭ ‬ما‭ ‬بدأ‭ ‬به‭ ‬ثناءً،‭ ‬أما‭ ‬خطابات‭ ‬زملائه‭ ‬من‭ ‬الجنسيات‭ ‬الأخرى‭ ‬فتختلف‭ ‬جذرياً،‭ ‬فيبدأ‭ ‬الخطاب‭ ‬بإشعار‭ ‬المسؤول‭ ‬بمسؤوليته‭ ‬المباشرة،‭ ‬وتقصيره‭ ‬في‭ ‬عدم‭ ‬توفير‭ ‬هذه‭ ‬الخدمة،‭ ‬وأن‭ ‬من‭ ‬واجبه‭ ‬تصحيح‭ ‬الأمر‭ ‬في‭ ‬أقرب‭ ‬وقت،‭ ‬ويختم‭ ‬الخطاب‭ ‬بأن‭ ‬أي‭ ‬تباطؤ‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬الخدمة‭ ‬سيؤدي‭ ‬إلى‭ ‬رفع‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬المسؤول‭ ‬الأعلى‭ ‬منه‭ - ‬بل‭ ‬بعض‭ ‬الطلاب‭ ‬ذكر‭ ‬أنه‭ ‬سيرسل‭ ‬نسخة‭ ‬من‭ ‬خطابه‭ ‬إلى‭ ‬المرجع‭ ‬المباشر‭ ‬للمسؤول‭).‬

والحقيقة‭ ‬بأنه‭ ‬للكاتب‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬رأيه،‭ ‬ولنا‭ ‬أيضاً‭ ‬حريّة‭ ‬الاختلاف‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الرأي،‭ ‬ذلك‭ ‬أنني‭ ‬أرى‭ ‬بأنه‭ ‬من‭ ‬المخالف‭ ‬لأصول‭ ‬البحث‭ ‬العلمي‭ ‬تعميم‭ ‬تجربة‭ ‬ضيقة‭ ‬النطاق‭ ‬في‭ ‬صفٍّ‭ ‬دراسي‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يفوق‭ ‬عدد‭ ‬طلابه‭ ‬عن‭ ‬ثلاثين‭ ‬طالباً‭ ‬مختلفي‭ ‬الجنسيات،‭ ‬وربما‭ ‬لم‭ ‬تتجاوز‭ ‬نسبة‭ ‬العرب‭ ‬منهم‭ ‬الربع،‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬المعلوم‭ ‬مستوياتهم‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والثقافية،‭ ‬ليقوم‭ ‬الكاتب‭ ‬بتعميم‭ ‬ما‭ ‬أسماه‭ ‬بثقافة‭ ‬التسول‭ ‬ونزعتنا‭ ‬التسوليّة‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬العرب،‭ ‬وهم‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬الجماعات‭ ‬البشرية‭ ‬التي‭ ‬تعتزّ‭ ‬بكرامتها‭ ‬وعزّة‭ ‬نفسها‭. ‬

وربما‭ ‬أغفل‭ ‬الكاتب،‭ ‬أو‭ ‬لم‭ ‬يضع‭ ‬بحسبانه،‭ ‬أن‭ ‬الأصل‭ ‬في‭ ‬اختلاف‭ ‬لغة‭ ‬وصيغة‭ ‬الخطاب‭ ‬قد‭ ‬جاء‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬ثقافة‭ ‬العرب‭ ‬الخاصة‭ ‬والقائمة‭ ‬على‭ ‬الأدب‭ ‬والاحترام‭ ‬والتقدير‭ ‬والرُقيّ‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬والخطابة،‭ ‬والتي‭ ‬تميّزنا‭ ‬كعرب‭ ‬وكمسلمين،‭ ‬أوَ‭ ‬ليس‭ ‬نحن‭ ‬أصحاب‭ ‬ثقافة‭ (‬ولئن‭ ‬شكرتم‭ ‬لأزيدنّكم‭)‬؟‭! ‬أليس‭ ‬من‭ ‬الواجب‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬ندفع‭ ‬بالتي‭ ‬هي‭ ‬أحسن؟‭ ‬أليست‭ ‬من‭ ‬طباعنا‭ ‬لطافة‭ ‬المعاملة‭ ‬وحسن‭ ‬المعشر‭ ‬ولطف‭ ‬المحادثة؟‭ ‬ولماذا‭ ‬قد‭ ‬نحتاج‭ ‬أن‭ ‬نلجأ‭ ‬إلى‭ ‬الصلافة‭ ‬في‭ ‬الخطاب‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬نتاج‭ ‬اللطافة‭ ‬أكثر‭ ‬فاعلية؟‭! ‬

وإن‭ ‬كان‭ ‬الكاتب‭ ‬قد‭ ‬اعتبر‭ ‬بأن‭ ‬العبارات‭ ‬اللطيفة‭ ‬والمعاملة‭ ‬الحسنة‭ ‬نزعة‭ ‬تسوليّة،‭ ‬فإنه‭ ‬قد‭ ‬جانب‭ ‬الصواب‭ ‬في‭ ‬رأيه،‭ ‬باعتبار‭ ‬أن‭ ‬خصوصية‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬العربية‭ ‬وأخلاقها‭ ‬وآدابها‭ ‬وقيمها‭ ‬وشيمها‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تفرض‭ ‬علينا‭ ‬البدء‭ ‬بالكلمة‭ ‬الطيبة‭ ‬والمعاملة‭ ‬الحسنة،‭ ‬وهي‭ ‬ميزة‭ ‬إيجابية‭ ‬تحتسب‭ ‬لمجتمعاتنا‭ ‬وربما‭ ‬تفتقر‭ ‬إليها‭ ‬مجتمعات‭ ‬زملائه‭ ‬من‭ ‬الجنسيات‭ ‬الأخرى‭.‬

وأخيراً،‭ ‬قد‭ ‬ألتقي‭ ‬مع‭ ‬الكاتب‭ ‬في‭ ‬فكرة‭ ‬واحدة‭ ‬وهي‭ ‬ضرورة‭ ‬التزام‭ ‬المصداقية‭ ‬والشفافية‭ ‬في‭ ‬الطرح‭ ‬وكشف‭ ‬مواطن‭ ‬الضعف‭ ‬والتنبيه‭ ‬إلى‭ ‬مواضع‭ ‬التقصير‭ ‬بحيادية‭ ‬وموضوعية‭ ‬كوسيلة‭ ‬لتحسين‭ ‬الأداء‭ ‬ولبناء‭ ‬المجتمع،‭ ‬والابتعاد‭ ‬عن‭ ‬التملق‭ ‬ووصف‭ ‬المسئول‭ ‬بما‭ ‬ليس‭ ‬فيه،‭ ‬ولكنني‭ ‬أؤمن‭ ‬أيضاً‭ ‬بضرورة‭ ‬الشكر‭ ‬والتقدير‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬مُنجز‭ ‬يستحق‭ ‬ذلك،،‭ ‬فالإنجاز‭ ‬يقتضي‭ ‬المدح‭ ‬والشكر‭ ‬لمزيد‭ ‬من‭ ‬التحفيز‭ ‬على‭ ‬العطاء‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬النقد‭ ‬البنّاء‭ ‬هو‭ ‬أيضا‭ ‬دافع‭ ‬للإصلاح‭ ‬وتصحيح‭ ‬الأوضاع‭ ‬وتحسينها‭. ‬

 

Hanadi‭_‬aljowder@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا