العدد : ١٧٠٥٤ - الأحد ٠١ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥٤ - الأحد ٠١ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

خاطرة

عبدالرحمن فلاح

هدية المغفرة!

لا‭ ‬يزال‭ ‬في‭ ‬جعبة‭ ‬رمضان‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الهدايا‭ ‬التي‭ ‬جاء‭ ‬يحملها‭ ‬إلينا‭ ‬مكافأة‭ ‬لنا‭ ‬على‭ ‬حسن‭ ‬استقبالنا‭ ‬له‭ ‬فيما‭ ‬مضى‭ ‬من‭ ‬أعمارنا،‭ ‬ونسأل‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬أن‭ ‬يوفقنا‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬إلى‭ ‬قيامه،‭ ‬وحسن‭ ‬استقباله‭ ‬ليكتبنا‭ ‬عنده‭ ‬من‭ ‬المتقين‭.‬

وهدايا‭ ‬رمضان،‭ ‬هدايا‭ ‬نفيسة‭ ‬ما‭ ‬أشد‭ ‬حاجة‭ ‬المسلمين‭ ‬إليها،‭ ‬والتنبه‭ ‬إلى‭ ‬عظمتها‭ ‬وجلالها،‭ ‬والمغفرة‭ ‬هدية‭ ‬رمضانية‭ ‬لا‭ ‬ترد‭ ‬ولا‭ ‬يستغنى‭ ‬بغيرها‭ ‬عنها‭.. ‬هدية‭ ‬المغفرة،‭ ‬هدية‭ ‬يحتاجها‭ ‬كل‭ ‬مذنب‭ ‬غلبه‭ ‬شيطانه،‭ ‬وضعفت‭ ‬أمام‭ ‬الشهوات‭ ‬نفسه،‭ ‬فوقع‭ ‬في‭ ‬الحرام،‭ ‬فلازمته‭ ‬نفسه‭ ‬اللوامة،‭ ‬وكاد‭ ‬اليأس‭ ‬من‭ ‬رحمة‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬ومغفرته‭ ‬أن‭ ‬يفضي‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬القنوط‭ ‬وهو‭ ‬شدة‭ ‬اليأس،‭ ‬فقرأ‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: (‬قل‭ ‬يا‭ ‬عبادي‭ ‬الذين‭ ‬أسرفوا‭ ‬على‭ ‬أنفسهم‭ ‬لا‭ ‬تقنطوا‭ ‬من‭ ‬رحمة‭ ‬الله‭ ‬إن‭ ‬الله‭ ‬يغفر‭ ‬الذنوب‭ ‬جميعًا‭ ‬إنه‭ ‬هو‭ ‬الغفور‭ ‬الرحيم‭) (‬الزمر‭ / ‬53‭)‬،‭ ‬فارتاحت‭ ‬نفوسهم‭ ‬إلى‭ ‬كرم‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬واطمأنت‭ ‬قلوبهم‭ ‬إلى‭ ‬عطائه‭ ‬وفضله،‭ ‬وتساءلوا‭ ‬في‭ ‬يقين‭ ‬لا‭ ‬تشوبه‭ ‬شائبة‭ ‬من‭ ‬شك‭ ‬أو‭ ‬ريبة‭: ‬كيف‭ ‬ييأس‭ ‬من‭ ‬يعبد‭ ‬إلهًا‭ ‬هو‭ ‬الغفور‭ ‬الرحيم‭ ‬يقبل‭ ‬التوبة‭ ‬من‭ ‬عباده،‭ ‬ويعفو‭ ‬عن‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬خطاياهم،‭ ‬ويحي‭ ‬الأمل‭ ‬في‭ ‬نفوسهم‭ ‬حدائق‭ ‬ذات‭ ‬بهجة‭ ‬تسر‭ ‬الناظرين‭.‬

إنه‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الآية‭ ‬الجليلة‭ ‬التي‭ ‬يحي‭ ‬بها‭ ‬موات‭ ‬القلوب‭ ‬قد‭ ‬جعل‭ ‬أبواب‭ ‬التوبة‭ ‬والإنابة‭ ‬إليه‭ ‬مشرعة‭ ‬لا‭ ‬تغلق‭ ‬أبدًا،‭ ‬ولم‭ ‬يستودع‭ ‬مفاتيحها‭ ‬أحدًا‭ ‬من‭ ‬خلقه‭ ‬سبحانه،‭ ‬فهو‭ ‬جل‭ ‬جلاله‭ ‬مالك‭ ‬الملك‭ ‬والملكوت‭ ‬لم‭ ‬يشرك‭ ‬أحدًا‭ ‬من‭ ‬خلقه‭ ‬وكيلًا‭ ‬أو‭ ‬نائبًا‭ ‬عنه،‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: (‬ما‭ ‬أشهدتهم‭ ‬خلق‭ ‬السموات‭ ‬والأرض‭ ‬ولا‭ ‬خلق‭ ‬أنفسهم‭ ‬وما‭ ‬كنت‭ ‬متخذ‭ ‬المضلين‭ ‬عضدا‭) ‬الكهف‭ / ‬51‭. ‬وقال‭ ‬عن‭ ‬ذاته‭ ‬العلية‭: (‬قل‭ ‬هو‭ ‬الله‭ ‬أحد‭(‬1‭) ‬الله‭ ‬الصمد‭(‬2‭) ‬لم‭ ‬يلد‭ ‬ولم‭ ‬يولد‭(‬3‭) ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬له‭ ‬كفوًا‭ ‬أحد‭ (‬4‭)) ‬سورة‭ ‬الإخلاص‭.‬

ولأنه‭ ‬سبحانه‭ ‬ليس‭ ‬معه‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬خلقه‭ ‬لا‭ ‬زوجة‭ ‬ولا‭ ‬ولد،‭ ‬فهو‭ ‬وحده‭ ‬سبحانه‭ ‬الغفور،‭ ‬وهو‭ ‬وحده‭ ‬جل‭ ‬جلاله‭ ‬الرحيم،‭ ‬بل‭ ‬لقد‭ ‬سبقت‭ ‬رحمته‭ ‬غضبه،‭ ‬فالمؤمن‭ ‬به،‭ ‬السائر‭ ‬على‭ ‬دربه‭ ‬المستقيم‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬مغفرته،‭ ‬ويغرف‭ ‬من‭ ‬فيض‭ ‬كرمه‭ ‬وجوده‭ ‬سبحانه،‭ ‬فلا‭ ‬ييأس‭ ‬أبدًا‭ ‬من‭ ‬رحمته‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬يفضي‭ ‬به‭ ‬يأسه،‭ ‬والمبالغة‭ ‬في‭ ‬لوم‭ ‬نفسه‭ ‬إلى‭ ‬القنوط‭ ‬من‭ ‬رحمته‭ ‬جل‭ ‬جلاله،‭ ‬وكثيرة‭ ‬هي‭ ‬الآيات‭ ‬التي‭ ‬يستشعر‭ ‬منها‭ ‬المسلم‭ ‬الرجاء،‭ ‬ودخول‭ ‬الجنة،‭ ‬وتأملوا‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: (‬والذين‭ ‬لا‭ ‬يدعون‭ ‬مع‭ ‬الله‭ ‬إلهًا‭ ‬آخر‭ ‬ولا‭ ‬يقتلون‭ ‬النفس‭ ‬التي‭ ‬حرم‭ ‬الله‭ ‬إلا‭ ‬بالحق‭ ‬ولا‭ ‬يزنون‭ ‬ومن‭ ‬يفعل‭ ‬ذلك‭ ‬يلق‭ ‬أثاما‭(‬68‭) ‬يضاعف‭ ‬له‭ ‬العذاب‭ ‬يوم‭ ‬القيامة‭ ‬ويخلد‭ ‬فيه‭ ‬مهانا‭(‬69‭) ‬إلا‭ ‬من‭ ‬تاب‭ ‬وآمن‭ ‬وعمل‭ ‬عملًا‭ ‬صالحًا‭ ‬فأولئك‭ ‬يبدل‭ ‬الله‭ ‬سيئاتهم‭ ‬حسنات‭ ‬وكان‭ ‬الله‭ ‬غفورًا‭ ‬رحيمًا‭(‬70‭)) ‬سورة‭ ‬الفرقان‭. ‬

وكان‭ ‬يكفي‭ ‬أن‭ ‬يمحو‭ ‬سبحانه‭ ‬سيئات‭ ‬عبده‭ ‬المخطئ‭ ‬لكنه‭ ‬سبحانه‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يبالغ‭ ‬في‭ ‬العطاء‭ ‬لأن‭ ‬عظمة‭ ‬العطية‭ ‬من‭ ‬عظمة‭ ‬المعطي‭ ‬سبحانه،‭ ‬فبدَّل‭ ‬السيئات‭ ‬إلى‭ ‬حسنات‭.‬

إقرأ أيضا لـ"عبدالرحمن فلاح"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا