العدد : ١٦٨٦٠ - الثلاثاء ٢١ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ١٣ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٦٠ - الثلاثاء ٢١ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ١٣ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

قضايا و آراء

مـسـتقـبـل الـتـحـالـف الأمـريكي الأوروبي

بقلم: سنية الحسيني

الجمعة ١٠ مارس ٢٠٢٣ - 02:00

‮ ‬صعدت‭ ‬إلى‭ ‬الواجهة‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية‭ ‬أهمية‭ ‬تتبع‭ ‬العلاقات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬التي‭ ‬تربط‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬حيث‭ ‬تتصدى‭ ‬القوتان‭ ‬معا‭ ‬لروسيا‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحرب،‭ ‬رغم‭ ‬خلافاتهما‭ ‬حولها‭. ‬وتوصف‭ ‬العلاقات‭ ‬الأمريكية‭ ‬الأوروبية‭ ‬أو‭ ‬العلاقات‭ ‬عبر‭ ‬الأطلسي‭ ‬بأنها‭ ‬أهم‭ ‬علاقة‭ ‬ثنائية‭ ‬حول‭ ‬العالم،‭ ‬وأقوى‭ ‬اتحاد‭ ‬عالمي،‭ ‬يضم‭ ‬أعتى‭ ‬قوتين‭ ‬سياسيتين‭ ‬وعسكريتين‭ ‬واقتصاديتين‭ ‬تسيطران‭ ‬على‭ ‬معظم‭ ‬التجارة‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬فالطرفان‭ ‬أضخم‭ ‬شريكين‭ ‬تجاريين‭ ‬في‭ ‬العالم‭. ‬كما‭ ‬تعتبر‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬الحليف‭ ‬الثابت‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬منذ‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭. ‬ورغم‭ ‬مرور‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬75‭ ‬عاماً‭ ‬من‭ ‬العلاقات‭ ‬الأمريكية‭ ‬الأوروبية‭ ‬المميزة‭ ‬والمستقرة‭ ‬والقائمة‭ ‬على‭ ‬التفاهم‭ ‬والتعاون‭ ‬والتحالف‭ ‬المتعدد‭ ‬الجوانب،‭ ‬واجهت‭ ‬هذه‭ ‬العلاقة‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأزمات‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية،‭ ‬ورغم‭ ‬ذلك‭ ‬حافظت‭ ‬على‭ ‬استمرارها‭ ‬وبقائها،‭ ‬فهل‭ ‬هي‭ ‬علاقات‭ ‬غير‭ ‬قابلة‭ ‬للكسر،‭ ‬مهما‭ ‬بلغت‭ ‬الخلافات؟

تدخلت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬مبكرا‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬لإنعاش‭ ‬الوضع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والدفاعي‭ ‬الأوروبي،‭ ‬الذي‭ ‬عانى‭ ‬وضعاً‭ ‬كارثياً‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭. ‬واعتبرت‭ ‬العقيدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬أن‭ ‬بقاء‭ ‬أوروبا،‭ ‬التي‭ ‬تتشارك‭ ‬معها‭ ‬بالقيم‭ ‬الليبرالية‭ ‬الغربية،‭ ‬موحدة‭ ‬وقوية‭ ‬يشكل‭ ‬ضرورة‭ ‬لاستقرارها‭. ‬فلعبت‭ ‬خطة‭ ‬مارشال‭ ‬عام‭ ‬1948‭ ‬دوراً‭ ‬أساسياً‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬العلاقات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬عبر‭ ‬الأطلسي‭. ‬وكانت‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬قد‭ ‬بدأت‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬التي‭ ‬تلت‭ ‬الحرب‭ ‬مباشرة‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬اتحاد‭ ‬اقتصادي‭ ‬أوروبي‭ ‬عرف‭ ‬بالمجموعة‭ ‬الأوروبية‭ ‬للفحم‭ ‬والصلب‭. ‬ونسجت‭ ‬الاتفاقية‭ ‬العامة‭ ‬للتعريفات‭ ‬الجمركية‭ ‬والتجارة‭ ‬لعام‭ ‬1947،‭ ‬ومنظمة‭ ‬التجارة‭ ‬العالمية‭ ‬بعدها‭ ‬كأدوات‭ ‬لتنظيم‭ ‬التجارة‭ ‬عبر‭ ‬الأطلسي‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الاقتصادي‭. ‬وعمل‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬كآلية‭ ‬أساسية‭ ‬للتنسيق‭ ‬الدفاعي‭ ‬بين‭ ‬أمريكا‭ ‬وحلفائها‭ ‬الأوروبيين،‭ ‬حيث‭ ‬بقيت‭ ‬السياسات‭ ‬الأمنية‭ ‬الدفاعية‭ ‬محور‭ ‬العلاقات‭ ‬عبر‭ ‬الأطلسي،‭ ‬مع‭ ‬ضمان‭ ‬بقاء‭ ‬تلك‭ ‬العلاقة‭ ‬تحت‭ ‬قيادة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬فشكلت‭ ‬أوروبا‭ ‬عمقاً‭ ‬استراتيجياً‭ ‬لأمريكا‭ ‬وخطاً‭ ‬دفاعياً‭ ‬مهماً‭ ‬لصد‭ ‬الشيوعية‭ ‬منذ‭ ‬الخمسينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬وطوال‭ ‬سنوات‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة،‭ ‬وتعاون‭ ‬الطرفان‭ ‬الأمريكي‭ ‬والأوروبي‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬أفكار‭ ‬السوق‭ ‬الحرة‭ ‬والليبرالية‭ ‬الغربية‭.‬

بعد‭ ‬انهيار‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي،‭ ‬ركزت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬على‭ ‬ارتباطها‭ ‬بالدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬الموحدة،‭ ‬والتي‭ ‬تشكل‭ ‬قوة‭ ‬عالمية‭ ‬مهمة،‭ ‬تحتاج‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لدعمها،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬النظام‭ ‬الأحادي‭ ‬القطبية‭ ‬الحديث‭ ‬الظهور‭. ‬وركزت‭ ‬دراسات‭ ‬لمفكرين‭ ‬أمريكيين‭ ‬على‭ ‬إمكانية‭ ‬أن‭ ‬تشكل‭ ‬أوروبا‭ ‬بشقيها‭ ‬الأوروبي‭ ‬أو‭ ‬الأوراسي‭ ‬خطراً‭ ‬استراتيجياً‭ ‬حقيقياً‭ ‬على‭ ‬أمريكا،‭ ‬واعتبروا‭ ‬أن‭ ‬الاحتواء‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬لأوروبا‭ ‬أمثل‭ ‬الطرق‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬للتعامل‭ ‬معها،‭ ‬وضمان‭ ‬بقاء‭ ‬النظام‭ ‬الأحادي‭ ‬القطبية‭ ‬الذي‭ ‬تدعم‭ ‬أمريكا‭ ‬بقاءه‭ ‬واستمراره‭ ‬باستماتة‭. ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬الأوروبي،‭ ‬تبلورت‭ ‬استراتيجيتان‭ ‬أوروبيتان‭ ‬مختلفتان‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬توقيع‭ ‬معاهدة‭ ‬ماستريخت،‭ ‬المنشئة‭ ‬للاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬عام‭ ‬1992،‭ ‬والتي‭ ‬ركزت‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬القوة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والسياسية‭ ‬لأوروبا،‭ ‬وتبني‭ ‬سياسة‭ ‬خارجية‭ ‬وأمنية‭ ‬مشتركة‭ ‬لدول‭ ‬الاتحاد‭. ‬دعمت‭ ‬الإستراتيجية‭ ‬الأولى‭ ‬دول‭ ‬مثل‭ ‬فرنسا‭ ‬وألمانيا،‭ ‬وتقوم‭ ‬على‭ ‬اندماج‭ ‬أكبر‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬الاتحاد‭ ‬واستقلالية‭ ‬أكبر‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬تبعية‭ ‬أمريكية،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬تقود‭ ‬بريطانيا‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الثانية،‭ ‬والتي‭ ‬تميل‭ ‬نحو‭ ‬التقارب‭ ‬والتنسيق‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬ذوبان‭ ‬للسيادة‭ ‬الوطنية،‭ ‬واقتراب‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬السياسات‭ ‬والتوجهات‭ ‬الأمريكية‭.‬

وتدعم‭ ‬دول‭ ‬أوروبا‭ ‬الشرقية‭ ‬والوسطى‭ ‬التي‭ ‬انضمت‭ ‬إلى‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬منتصف‭ ‬التسعينيات‭ ‬و2004بالاضافة‭ ‬إلى‭ ‬هولندا‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الثانية‭ ‬الأقرب‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭.‬

ويمكن‭ ‬تتبع‭ ‬التباين‭ ‬بين‭ ‬تلك‭ ‬المواقف‭ ‬الأوروبية‭ ‬على‭ ‬جانبي‭ ‬تلك‭ ‬الاستراتيجيتين‭ ‬تجاه‭ ‬العلاقة‭ ‬مع‭ ‬واشنطن‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬شنتها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬على‭ ‬العراق‭ ‬عام‭ ‬2003،‭ ‬فتحالفت‭ ‬بريطانيا‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لغزو‭ ‬العراق،‭ ‬بينما‭ ‬دعت‭ ‬فرنسا‭ ‬وألمانيا‭ ‬ولوكسمبرج‭ ‬وبلجيكا‭ ‬لتبني‭ ‬سياسة‭ ‬عسكرية‭ ‬دفاعية‭ ‬مستقلة‭ ‬عن‭ ‬واشنطن،‭ ‬خلال‭ ‬تلك‭ ‬الحرب‭. ‬وطالما‭ ‬دعت‭ ‬فرنسا‭ ‬إلى‭ ‬استقلال‭ ‬عسكري‭ ‬أوروبي‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬تبعية‭ ‬أمريكية‭. ‬وكانت‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الأحداث‭ ‬التي‭ ‬أعادت‭ ‬تلك‭ ‬المشكلة‭ ‬الخلافية‭ ‬الأوروبية‭ ‬إلى‭ ‬الواجهة‭. ‬فاصطدمت‭ ‬المواقف‭ ‬الأوروبية‭ ‬المتباينة‭ ‬حول‭ ‬استمرار‭ ‬هذه‭ ‬الحرب،‭ ‬التي‭ ‬تدعم‭ ‬واشنطن‭ ‬بقاءها‭ ‬واستمرارها‭ ‬دون‭ ‬مواربة‭. ‬فضحت‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬بدايتها‭ ‬طبيعة‭ ‬التباين‭ ‬في‭ ‬التوجهات‭ ‬الأمريكية‭ ‬والأوروبية‭ ‬خصوصاً‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وقطبي‭ ‬الاتحاد‭ ‬فرنسا‭ ‬وألمانيا،‭ ‬ثم‭ ‬ظهر‭ ‬التفاوت‭ ‬بين‭ ‬مواقف‭ ‬دول‭ ‬الاتحاد‭ ‬بشكل‭ ‬فردي‭ ‬مع‭ ‬الموقف‭ ‬الأمريكي،‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬مع‭ ‬المجر‭ ‬التي‭ ‬عارضت‭ ‬قرار‭ ‬الاتحاد،‭ ‬الذي‭ ‬يفترض‭ ‬أن‭ ‬يصدر‭ ‬بالإجماع،‭ ‬بمنع‭ ‬استيراد‭ ‬الغاز‭ ‬من‭ ‬روسيا،‭ ‬بل‭ ‬وقعت‭ ‬المجر‭ ‬اتفاقية‭ ‬جديدة‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭ ‬لتوريد‭ ‬الغاز‭ ‬مدة‭ ‬15‭ ‬عاما‭.‬

وفي‭ ‬حين‭ ‬تضع‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬أوروبا‭ ‬في‭ ‬مأزق،‭ ‬لأنها‭ ‬على‭ ‬أرضها،‭ ‬وتستنزف‭ ‬مواردها‭ ‬وطاقاتها‭ ‬وتزعزع‭ ‬اقتصادها،‭ ‬خصوصاً‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬اعتماد‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬دولها‭ ‬على‭ ‬واردات‭ ‬الغاز‭ ‬القادمة‭ ‬من‭ ‬روسيا،‭ ‬كما‭ ‬تضع‭ ‬سلامتها‭ ‬وسكانها‭ ‬على‭ ‬المحك‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬لحظة،‭ ‬تبقى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬المنتصر‭ ‬الأكبر‭ ‬فيها‭. ‬فطالما‭ ‬ضغطت‭ ‬أمريكا‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬أوروبا‭ ‬لتخفيف‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬مصادر‭ ‬الطاقة‭ ‬والشراكة‭ ‬الروسية،‭ ‬ونجحت‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬إجبار‭ ‬دول‭ ‬أوروبا‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬ذلك‭. ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬المساعدات‭ ‬الأمريكية‭ ‬لأوكرانيا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬تبدو‭ ‬الأعلى‭ ‬رقمياً،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬نسبة‭ ‬تلك‭ ‬المساعدات‭ ‬الأمريكية‭ ‬لا‭ ‬تقارن‭ ‬مع‭ ‬نظيرتها‭ ‬الأوروبية،‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬تم‭ ‬حسابها‭ ‬بشكل‭ ‬فردي‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬مستوى‭ ‬دخول‭ ‬تلك‭ ‬البلدان‭ ‬مقارنة‭ ‬بدخل‭ ‬الفرد‭ ‬الأمريكي‭. ‬كما‭ ‬استفادت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬قدمت‭ ‬بديل‭ ‬الطاقة‭ ‬لدول‭ ‬أوروبا‭ ‬مقابل‭ ‬أربعة‭ ‬أضعاف‭ ‬ثمنه،‭ ‬والذي‭ ‬جعل‭ ‬المسؤولين‭ ‬الأوروبيين‭ ‬يتهمونها‭ ‬صراحة‭ ‬بالتربح‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬حسابهم‭.‬

كما‭ ‬شكلت‭ ‬الخلافات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والتجارية‭ ‬عبر‭ ‬الأطلسي‭ ‬سبباً‭ ‬جوهرياً‭ ‬لتوتر‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الطرفين‭ ‬الأمريكي‭ ‬والأوروبي،‭ ‬فبدأت‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬مفاوضات‭ ‬رسمية‭ ‬بينهما‭ ‬عام‭ ‬2013‭ ‬بشأن‭ ‬الشراكة‭ ‬التجارية‭ ‬والاستثمار،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬15‭ ‬جولة‭ ‬من‭ ‬المحادثات‭ ‬لم‭ ‬تنجح‭ ‬في‭ ‬سد‭ ‬الثغرات‭ ‬بينهما،‭ ‬وتم‭ ‬تعليق‭ ‬تلك‭ ‬المحادثات‭ ‬نهاية‭ ‬عام‭ ‬2016‭. ‬وباتت‭ ‬الثغرات‭ ‬أكثر‭ ‬اتساعاً‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الرئيس‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب،‭ ‬حيث‭ ‬شهدت‭ ‬علاقات‭ ‬الطرفين‭ ‬تراجعاً‭ ‬ملحوظاً،‭ ‬بسبب‭ ‬سياسته‭ ‬التجارية‭ ‬التي‭ ‬تمحورت‭ ‬حول‭ ‬‮«‬أمريكا‭ ‬أولاً‮»‬‭. ‬فاعتبر‭ ‬ترامب‭ ‬أن‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬يستخدم‭ ‬الأدوات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬عبر‭ ‬السوق‭ ‬الحرة‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬مميزات‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬بلاده‭. ‬وفرضت‭ ‬إدارته‭ ‬تعرفة‭ ‬جمركية‭ ‬على‭ ‬الواردات‭ ‬القادمة‭ ‬من‭ ‬أوروبا،‭ ‬خصوصاً‭ ‬الصلب‭ ‬والألومنيوم،‭ ‬كما‭ ‬تخلى‭ ‬ترامب‭ ‬عن‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬المتعددة‭ ‬الأطراف‭ ‬مع‭ ‬الشريك‭ ‬الأوروبي،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬الاتحاد‭ ‬يعتبر‭ ‬ذلك‭ ‬انتهاكاً‭ ‬لقواعد‭ ‬منظمة‭ ‬التجارة‭ ‬العالمية،‭ ‬ويفرض‭ ‬رسوماً‭ ‬جمركية‭ ‬عقابية‭ ‬على‭ ‬السلع‭ ‬الأمريكية‭. ‬وبقيت‭ ‬العلاقات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬بين‭ ‬الطرفين‭ ‬تواجه‭ ‬تحديات‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الرئيس‭ ‬الحالي‭ ‬جو‭ ‬بايدن،‭ ‬وتفاقمت‭ ‬الأزمة‭ ‬بشكل‭ ‬واضح‭ ‬بعد‭ ‬إقرار‭ ‬واشنطن‭ ‬قانون‭ ‬خفض‭ ‬التضخم،‭ ‬الذي‭ ‬يركز‭ ‬على‭ ‬تقليل‭ ‬واردات‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬الاتحاد،‭ ‬وتقديم‭ ‬إعانات‭ ‬وتخفيضات‭ ‬ضريبية‭ ‬للشركات‭ ‬الأمريكية‭ ‬خصوصاً‭ ‬المرتبطة‭ ‬بصناعة‭ ‬السيارات‭ ‬والبطاريات‭ ‬ومشاريع‭ ‬الطاقة‭ ‬المتجددة،‭ ‬والتي‭ ‬تعتبرها‭ ‬أوروبا‭ ‬سياسة‭ ‬تمييزية‭ ‬تضر‭ ‬بشركاتها،‭ ‬وتعتبر‭ ‬فرنسا‭ ‬ذلك‭ ‬انتهاكاً‭ ‬صريحاً‭ ‬لقواعد‭ ‬منظمة‭ ‬التجارة‭ ‬العالمية،‭ ‬مؤكدة‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬القانون‭ ‬يضع‭ ‬مليارات‭ ‬الدولارات‭ ‬وآلاف‭ ‬الوظائف‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬على‭ ‬المحك‭. ‬يأتي‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬عجز‭ ‬تجاري‭ ‬أوروبي‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الكتلة‭ ‬بلغ‭ ‬65‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬خلال‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬مقارنة‭ ‬بـ‭ ‬7‭ ‬مليارات‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬الذي‭ ‬سبقه‭.‬

كما‭ ‬يبرز‭ ‬الخلاف‭ ‬الأوروبي‭ ‬الأمريكي‭ ‬اليوم‭ ‬أيضاً‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الحرب‭ ‬التكنولوجية‭ ‬التي‭ ‬تشنها‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن‭ ‬أيضاً‭ ‬ضد‭ ‬الصين،‭ ‬ووضعها‭ ‬لقواعد‭ ‬صارمة‭ ‬على‭ ‬بيع‭ ‬الرقائق‭ ‬الإلكترونية‭ ‬الأمريكية‭ ‬للشركات‭ ‬الصينية‭ ‬لقطع‭ ‬الطريق‭ ‬على‭ ‬الصين‭ ‬لتطوير‭ ‬صناعة‭ ‬أشباه‭ ‬الموصلات‭ ‬والتي‭ ‬يمكن‭ ‬استخدامها‭ ‬عسكرياً‭. ‬وتطالب‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬شركاءها‭ ‬الأوروبيين‭ ‬بالتعاون‭ ‬معها‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬تطبيق‭ ‬هذه‭ ‬القواعد‭ ‬الصارمة‭ ‬على‭ ‬الصين،‭ ‬وتنقسم‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬أيضاً‭ ‬حول‭ ‬هذه‭ ‬القضية،‭ ‬فألمانيا‭ ‬والمجر‭ ‬ودول‭ ‬أخرى‭ ‬ترغب‭ ‬بالاحتفاظ‭ ‬بعلاقات‭ ‬إيجابية‭ ‬مع‭ ‬الصين،‭ ‬بينما‭ ‬لا‭ ‬تمانع‭ ‬أخرى‭ ‬باستمرار‭ ‬تبعيتها‭ ‬لواشنطن‭.‬

جاءت‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية‭ ‬لتكشف‭ ‬مدى‭ ‬تعقد‭ ‬العلاقات‭ ‬عبر‭ ‬الأطلسي،‭ ‬وتبين‭ ‬كم‭ ‬هي‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الطرف‭ ‬الأوروبي‭ ‬وفي‭ ‬مصلحة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يجعلها‭ ‬محل‭ ‬تساؤل‭. ‬إن‭ ‬المخاطرة‭ ‬بالعلاقات‭ ‬بين‭ ‬الطرفين‭ ‬مكلف‭ ‬لكليهما،‭ ‬وبشكل‭ ‬خاص‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬استمرارها‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬فرض‭ ‬أمريكا‭ ‬شروط‭ ‬هذه‭ ‬العلاقة‭ ‬مكلف‭ ‬لأوروبا،‭ ‬فهل‭ ‬هي‭ ‬علاقة‭ ‬زواج‭ ‬كاثوليكي‭ ‬صعب‭ ‬الفكاك‭ ‬منه‭ ‬رغم‭ ‬التحديات؟

{ كاتبة‭ ‬وباحثة‭ ‬من‭ ‬فلسطين

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا