العدد : ١٧٠٥١ - الخميس ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥١ - الخميس ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

شرق و غرب

إيران بعد أربعين سنة.. مأزق نظام وأزمة مجتمع

الأحد ٠٥ مارس ٢٠٢٣ - 02:00

بقلم: ماري جيغو

 

على مدى الأشهر الماضية، اهتزت إيران على وقع مظاهرات دامية، بعد وفاة شابة تبلغ من العمر 22 عامًا كانت قد ألقت القبض عليها من قبل شرطة الآداب لارتدائها الحجاب بشكل غير قانوني. تأتي هذه الاحتجاجات، التي لا تزال مستمرة، والتي لم يسبق لها مثيل منذ قيام الجمهورية الإسلامية على أيدي الخميني عقب الإطاحة بشاه إيران سنة 1979، على خلفية أزمة اقتصادية عميقة ومأزق المفاوضات النووية الإيرانية. في كتاب جديد صدر قبل بضعة أسابيع عن دار هارمتان في 334 صفحة بعنوان «جمهورية إيران الإسلامية.. أزمة نظام»، يقدم 15 باحثًا من الشخصيات الأكاديمية والفكرية المعروفة عدة رؤى سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية حول إيران، في ظل نظام ولاية الفقيه، وهم يلتقون حول فكرة مركزية وهي أن النظام الثيوقراطي الذي يسيطر عليه رجال الدين الملالي في طهران بقيادة المرشد الأعلى علي خاميني يجد نفسه اليوم في لحظة محورية في تاريخه. أحاط المؤرخ عطا أياتي والأكاديمي ريجولي روز نفسيهما بفريق يضم ثلاثة عشر باحثا، وهم في جزء كبير منهم من أصل إيراني، يتعاملون بالتالي مع القضايا الدبلوماسية والعسكرية والدينية، ولكن أيضا القضايا الإعلامية والرياضية وحتى السينمائية في الكتاب الذي يضم 329، وقد تم إثراء هذا الكتاب بأرشيفات دبلوماسية غير منشورة عن الجمهورية الإسلامية وخصومها منذ تأسيسها. ريجولي روز باحث في إحدى مؤسسات البحوث والدراسات كما أنه باحث مشارك في مركز (إيريز) ورئيس تحرير مجلة تعنى بالدراسات الاستراتيجية والجيوسياسية. في هذا الكتاب الجماعي المهم الذي يشخص الوضع الراهن في إيران من عدة جوانب، يعتبر الباحثان آتا آياتي وديفيد ريغوليه روز أن أربعة عقود من التقلبات والسياسات الصدامية قد أوصلت الجمهورية الإسلامية اليوم إلى أزمة قد تهز أركان الحكم الذي واجهها بتشديد قبضته الأمنية في ظل غياب الحلول الاقتصادية والاجتماعية وضيق دائرة الحريات إن لم نقل انعدامها. يعالج هذا العمل متعدد التخصصات الذي نُشر هذا الصيف الصعوبات السياسية والاقتصادية والبيئية والدبلوماسية التي تواجهها إيران وهو عمل مهم يصدر في وقت مفيد للغاية لفهم جذور الانتفاضة الحالية ومعناها. يرى المؤلفون في هذا الكتاب الجماعي أن إيران باتت اليوم تواجه أزمة متعددة الأوجه وهي التي ظلت تراهن على الاتفاق النووي لكسر عزلتها ورفع العقوبات وقد كاد يتحقق لها ذلك لولا أن إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما قد انتهت عهدتها في سنة 2016. منذ البداية يرسم الباحث عطا آياتي في مقدمة الكتاب صورة للجمهورية الإسلامية الإيرانية بعد مرور أكثر من أربعين سنة من قيامها أنها «دولة ثيوقراطية معزولة، حبيسة نهجها الديني والسياسي، مع مجتمع محاصر ومأزوم ونظام حاكم مهووس فقط بالبقاء والحفاظ على وجوده.. جمهورية إيران الإسلامية في طريق مسدود. خارجياً، إيران معزولة، وعليها أن تبحر في فوضى الشرق الأوسط».. وهي الفوضى التي أسهمت في زرعها. يعتبر بعض الباحثين الذين أسهموا في تأليف هذا الكتاب أن نظام طهران قد ظل منذ الثورة الخمينية سنة يتأرجح 1979 في سياسته الخارجية ما بين التجاوزات والتدخلات من ناحية مع مسحة من عدم الانحياز، «رغم أن دبلوماسيته ربما تكون أكثر حذراً مما يُعتقد عمومًا». يعود الضعف الهيكلي الذي ظل يعاني منه الاقتصاد الإيراني على مدى عقود كاملة أساسا إلى اعتماده بشكل شبه كلي على إيرادات صادراته النفطية رغم العقوبات المفروضة عليه من الغرب الأمريكي، فضلا عن استشراء المحسوبية والفساد. في ظل القيود الأمريكية الشديدة، وهو ما تسبب في انتشر مظاهر الفقر لدى قطاعات واسعة من السكان، وخاصة في المناطق المهمشة من البلاد. لقد كان من شأن اتفاق نووي جديد أن يجعل من الممكن رفع العقوبات وتخفيف عبء البلاد وما تتعرض له من ضغوطات وعقوبات، لكن احتمال التوصل إلى اتفاق يبدو غير مؤكد للغاية، وخاصة في ظل الظروف الدولية الراهنة، وما يعتبره المؤلفون من فقدان الثقة بين المفاوضين، ناهيك عن عودة المحافظين إلى السلطة، وتعمد نظام طهران مواصلة أنشطته النووية. ولعل ما زاد في تفاقم الأوضاع الاجتماعية الداخلية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية تفاقم المشاكل البيئية الحادة وتأثير ظاهرة الاحتباس الحراري مثل تلوث الهواء والإجهاد المائي والتصحر وغيرها من المشاكل البيئية الأخرى التي باتت تمثل تحديات كبيرة في المجتمع الإيراني. وبالتالي فإن الأوضاع البيئية المتفاقمة، في نظر المؤلفين، باتت تمثل بدورها نقطة ضعف إضافية شائكة للنظام الإيراني الحاكم في طهران، وقد جاء في أحد فصول الكتاب هذا التشخيص الذي يعكس التناقضات التي تعيشها البلاد: «إيران بلد يتخبط في أزمة خانقة ومع ذلك.. سكانها متعلمون، والنساء في الأغلبية في الجامعة، والسينما تتألق في الخارج وتتوج بالجوائز العالمية». منذ منتصف سبتمبر 2022، تشهد جمهورية إيران الإسلامية أخطر أزمة سياسية في تاريخها. تختلف هذه الأزمة اختلافًا كبيرًا عن تلك التي سبقتها، وذلك بسبب مدتها وانتشارها في جميع مناطق الدولة وخصوصياتها وتداعياتها. في عام 2009، أدت إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد لولاية رئاسية ثانية إلى خروج الناس إلى شوارع المدن الكبرى بالبلاد، وهتف العديد من الإيرانيين «أين ذهب صوتي؟». في نهاية عام 2017 وبداية 2018، أثار إعلان الحكومة إجراءات تقشف اقتصادية جديدة موجة من التظاهرات التي هزت البلاد بأكملها وقمعت الشرطة بسرعة وعنف. في شهر نوفمبر 2019، خرجت مظاهرة حاشدة ضد ارتفاع أسعار الوقود في جميع أنحاء الإقليم، وتم قمعها في حمام دم غير مسبوق. يقول أحد الأكاديميين في هذا الصدد: «... وهكذا ننتقل من التنافس الانتخابي في عام 2009 إلى منافسات النوع الاقتصادي والاجتماعي لعامي 2017 و2019 والتي تعكس تدهور مستوى معيشة السكان، وإفقار الطبقة الوسطى، وزيادة البطالة، وتضخم التضخم. خلال السنوات التي أعقبت أحداث عام 2019، استمر تدهور الوضع الاجتماعي والاقتصادي وبلغ التضخم 40%. في هذا السياق، في يونيو 2021، سينتخب إبراهيم رئيسي المحافظ المتشدد رئيساً للجمهورية. إن إدارة بلد يمر بأزمة اقتصادية، منغلق ومسيطر عليه بشكل متزايد، ومنخرط في مفاوضات دولية لا نهاية لها لإحياء اتفاق نووي محتضر، يمر في أيدي رجل دين لديه ماض مضطرب وينتخب بمعدل أقل مشاركة في تاريخ الجمهورية الإسلامية. في هذا السياق بالذات، نشأت الأزمة الحالية. مع مرور أكثر من عامين على قمع احتجاجات نوفمبر 2019، تجد إيران نفسها في وضع اجتماعي واقتصادي وصحي وأمني غير مستقر بشكل متزايد. من المؤكد أن سياسة إدارة ترامب المتمثلة في «الضغط الأقصى»، والتي واصلها خلفه جو بايدن، لم تنجح في الإطاحة بالجمهورية الإسلامية أو تقليص طموحات طهران النووية غير أن خطر الانهيار الاقتصادي لا يزال قائماً في البلاد التي حكمها الملالي. واجهت جمهورية إيران الإسلامية، على مدى ثلاثة وأربعين عامًا منذ تأسيسها، عديدا من الأزمات داخليًا وفي علاقاتها الدولية، لكن الاحتجاجات التي انتشرت في جميع أنحاء البلاد خلال الأشهر الماضية بعد وفاة شابة تبلغ من العمر 22 عامًا، تُدعى مهسا أميني، التي اعتقلتها فرقة الآداب لارتدائها حجابًا «غير لائق»، تشكل تهديدًا رهيبًا للنظام، ما حدا بالباحثين إلى القول إن إيران في خضم أزمة ربما تكون أخطر أزماتها منذ قيامها. يقدم هذا الكتاب وجهة نظر كاملة حول الوضع الحالي في الجمهورية الإسلامية الإيرانية وقد احتوى على مقالات تحليلية ذات جودة عالية، وخاصة منها تلك التي تتناول قضايا الاقتصاد أو الدبلوماسية في هذه الدولة التي أرسى قواعدها الخميني وأنشأ نظام ولاية الفقيه ليضمن استمرار طبقة رجال الدين في النظام والحياة السياسية بالبلاد. أما بقية الفصول الأخرى فقد تم تخصيصها للحديث عن الحرس الثوري، الذي يمثل الذراع الطويلة لنظام طهران، والتطرق أيضا إلى طبقة رجال الدين الشيعة وهيمنتها على دواليب صناعة القرار. فالباحث والأكاديمي محسن متقي يتحدث في المقال الذي أسهم به في هذا الكتاب الجماعي عما يسميه «إعادة تشكيل المجال الفكري الديني»، كما تطرق إلى الصناعة السينمائية، سواء في الداخل أو الخارج، والتي تتصدى في مختلف الأفلام المتوجة لأمهات القضايا المجتمعية، ولا سيما وضع المرأة. ومما زاد في إثراء هذا الكتاب احتواؤه على بعض الوثائق الأرشيفية المهمة، ومن بينها التقرير المؤقت الذي كتب عام 1979 لمجلس أوروبا والذي يظهر أن الثورة قد صودرت من قبل المتدينين منذ الأشهر الأولى، ما تسبب في قمع واعتداء على الحريات لا يزال مستمرا حتى اليوم. سلط فرهاد خسروخافار في مقاله المعنون «إيران مجتمع محاصر» الضوء على الاحتجاجات الحالية، التي زادت حديتها خاصة بعد خيبة الأمل الشعبية التي تفاقمت جراء فشل الإصلاحيين والحركات الاجتماعية حتى اليوم وازدياد تغول رجال الدين المحافظين الذين يسيطرون على دواليب الدولة. جاء في هذا المقال: «أصبح النظام الحاكم في طهران غير شرعي ولم يعد يحافظ على وجوده إلا من خلال القمع. فقد أصبح الإسلام السياسي فاقدا للمصداقية وحتى المساجد غالبًا ما تكون فارغة. هل سيتراجع القمع؟ من المحتمل أن يحدث ذلك عاجلا أو آجلا! لنأمل ذلك». «يتمثل السؤال الرئيس في معرفة ما إذا كان هذا المشروع «الثوري» – أي ما يسمى الجمهورية الإسلامية الإيرانية يمكن أن يقبل بمبدأ الإصلاح دون أن يحكم على نفسه بالزوال لتعود البلاد إلى تاريخها العريق كأمة فخورة بماضيها ومنفتحة على مستقبلها ومستقبل الآخرين بعد أكثر من أربعة عقود من القلاقل والأزمات والعقوبات والصراعات؟». تم تخصيص ثلاث مقالات في مستهل الكتاب لعرض التحديات الخارجية التي تواجه إيران. تولى خبير العلاقات الدولية سيباستيان فيسر كتابة المقال الأول وهو يتناول أولاً السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية ومسألة الموقف الدبلوماسي الإيراني من زاوية جديدة، وهو يقول: «.... حتى لو لم تكن الجمهورية الإسلامية النموذج المثالي في نظر ديمقراطياتنا الأوروبية، فإن سياسة طهران الخارجية اليوم هي تعبير عن شكل غير كامل ولكنه مدروس لظهور دولة على الساحة الدولية». يعتبر هذا الخبير أيضا «أن السياسة الخارجية الإيرانية هي قبل كل شيء سياسة بلد يرغب في تحرير نفسه من لعبة القوى العظمى والتحدث بصوت مساوٍ للآخرين؛ إن الجغرافيا السياسية للمنطقة تجبر إيران على مواجهة التحديات التي تتهدد وجودها وهو ما يدفعها إلى بناء شبكة من الأذرع الموالية لها وتوسيع نفوذها في المنطقة». في إشارة إلى ما بات يعرف بـ«الهلال الشيعي» الذي يشق المنطقة العربية. تتضح هذه الرؤية من خلال مقال آخر بقلم ديدييه شوديت، مدير نشر مركز الأبحاث CAPE، والذي ركز على تحليل الموقف الإيراني في مواجهة الأزمة الأفغانية، من الغزو الأمريكي إلى انتصار طالبان وانسحاب القوات الأمريكية بأمر من الرئيس الحالي جو بايدن. يقول هذا الباحث إن الإيرانيين، وبعيدًا عن كونهم خصومًا أبديين متغطرسين للولايات المتحدة الأمريكية منذ قيام الجمهورية الإسلامية على أيدي الخميني، لديهم بالفعل مصالح مشتركة مع الأخيرة في أفغانستان، بل إنهم تعاونوا معهم في عدة مناسبات. ومع ذلك، فإنه كان على الإيرانيين، المعروفين بميلهم للدبلوماسية الانتقائية، أن يقبلوا بهذا التعاون الظرفي، وينحنوا لعاصفة التطورات جيوسياسية، بما في ذلك التعامل مع اللاعب المحلي الذي يناسبهم بشكل أفضل والذي يتبين اليوم أنه نظام طالبان، الذي يعتبر وحده القادر على تحقيق الاستقرار في أفغانستان وهو قلق أيضًا للحفاظ على علاقات حسن الجوار مع العملاق الإيراني. وبعيدًا عن كونها مدفوعة برؤية أيديولوجية أو معادية للولايات المتحدة الأمريكية، فإن العلاقة التي تحافظ عليها طهران مع نظام طالبان في كابول هي قبل كل شيء خيار البراغماتية، الذي تفضله غالبًا دول - مثل تركيا – التي «تطمح إلى تحرير نفسها من وصاية القوى العظمى». يعتبر الباحث أيضا في مقاله أن المواجهة الممتدة على عدة عقود بين إيران وقسم كبير من المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي على وجه الخصوص حول موضوع الطاقة النووية تجسد رغبة إيران في أن تُعتبر بدورها قوة عظمى، وهو ما لا يقبل به الغرب. يسلط فرهاد خسروخافار الضوء على أن الانسحاب الأمريكي من خطة العمل الشاملة المشتركة، ذات العلاقة بالاتفاق النووي الموقع في سنة 2015 في ظل إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، كان له عواقب وخيمة على الاقتصاد الإيراني ولكن أيضًا على حركات الاحتجاج الاجتماعي في إيران. وباتباع نهج تاريخي، يسلط الكاتب الضوء على ظهور حركات ديمقراطية تعددية في إيران من عام 1990 إلى 2005، مع نهاية فترة حكم الرئيس «الإصلاحي» محمد خاتمي، يغذيها «اضطراب ثقافي» وفتح مساحات للنقاش بين الفاعلين في الحياة السياسية والاجتماعية، غير أن صعود الحكومات الشعبوية قد خنق كل شيء. جاء في هذا الفصل من الكتاب: «كل ما تبقى [للمجتمع الإيراني] هو الاهتمام بالبقاء في أدنى حد من متطلبات الحياة وفي وضع يائس حيث المجتمع فقير وتستمر السلطة في فرض نفسها من خلال التشديد على قمعها وحرمان المجتمع المدني من الحق في المشاركة في الحياة الاقتصادية والسياسية». يخلص هذا الكتاب الجماعي إلى اعتبار أن إيران واقتصادها ونظامها الحاكم في قلب أزمات لا نهاية لها على ما يبدو. عاش ألكسندر أوستن مدة لا بأس بها في طهران حيث عمل لصالح المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وهو يوضح في هذا الكتاب أن قلة من الدول في العالم كان عليها، أن تبحر في أقل من نصف قرن بقليل، في مثل هذه المياه المضطربة مثلما فعلت إيران. في الواقع، إذا لم يكن الاقتصاد الإيراني مزدهرًا قبل الثورة الإسلامية عام 1979 وأثبت أنه يعتمد بشدة على اقتصادات الدول الغربية فإن السياسات الاقتصادية التي نفذت في ظل النظام الثيوقراطي ما بعد سنة 1979 لن تؤدي إلا إلى تعزيز هذا التبعية وتجميد الاقتصاد الإيراني، ما جعلها تعاني جراء سلسلة العقوبات التي فرضت على إيران من 1979 إلى 2015، ثم من 2015 إلى يومنا هذا. يتخبط الاقتصاد الإيراني في الوقت الحالي في أزمة خانقة كما أنه يعاني من تغول الحرس الثوري الإسلامي في صلب هذا الاقتصاد الذي يعتمد بشكل أساس على النفط. وقد خصص الباحث مورجان لوتز مقالًا له في هذا الكتاب يسلط فيه الضوء على الغموض الذي يلف دور جهاز الباسداران، إلى جانب الدور الذي أسس من أجله والمتمثل في الحفاظ على النظام والنظام الذي أسسوا للدفاع عنه. يتطرق المؤرخ والعالم السياسي جوناثان بيرون في هذا الكتاب إلى الأخطاء الملحوظة في السياسة العامة، والتي أدت إلى تفاقم الأزمة البيئية في إيران، وتعميق الأزمات السياسية والاجتماعية التي تضرب البلاد اليوم، ما أدى إلى ظهور حركات احتجاجية تجمع بين الدفاع عن البيئة واستنكار النظام الحالي. تمثل طبقة رجال الدين عنصرا أساسيا في النظام الثيوقراطي الإيراني الحالي وهي طبقة تشهد أيضًا تغييرات ملحوظة. يقول حسن فريشتيان، الفقيه وعالم الدين المتخصص في الإسلام الشيعي في هذا الصدد: «إن تسييس الدين ينتهي بفصل الدين عن السياسة، وفي هذه الحالة، فإن ما يتبقى في السلطة لم يعد دينًا بل جهازًا سياسيًا-دينيًا يستخدم ما يسمى بالنظام الديني للحفاظ على شرعية سلطتها ومحاربة معارضيها، وهي ديناميكية ساهمت، في كثير من النواحي، في عدم اهتمام الشباب بالدين في إيران». يتضمن الكتاب فصلا كاملا يركز على إعادة تشكيل المجال الفكري الديني في إيران ما بعد الثورة، وهو ما مكن طبقة الملالي من إحكام قبضتها على الحياة السياسية والمجتمع. يتحدث عالم الاجتماع محسن متقي عن ظهور نموذج فكري ما بعد إسلامي يتميز بالإشارة إلى الإسلام لانتقاد الأسس الدينية والأيديولوجية التي يقوم عليها النظام الجديد الناتج عن الثورة وانتقاد الأجيال لقراءات وتفسيرات متباينة. كما يبدو أن وضع الصحافة في إيران يستدعي القلق في المجتمع الإيراني على نطاق أوسع. في خضم هذه الأزمات المعقدة والمركبة بتناقص عدد الصحف الورقية بشكل واضح، لا سيما أن الصحف التي تراقبها الدولة «مسيسة جدًا ولا تعكس دائمًا الاهتمامات اليومية للسكان». بالنسبة إلى شيرفين أحمدي، مدير صحيفة لوموند ديبلوماتيك الشهرية باللغة الفارسية، فإن النظام يحاول الحفاظ على السيطرة على المعلومات المقدمة للإيرانيين ليس من خلال فرض الرقابة عليها، ولكن من خلال إشباعها بالمعلومات وتشجيع إنشاء وسائل إعلام بديلة، وخاصة عبر الإنترنت، والتي ومن المفارقات أن يتحرروا من نظام ولاية الفقيه ويظهرون كوسيلة تعبير حرة نسبيًا للمجتمع الإيراني. تتبع هذه الدراسة تطور الفضاء الإعلامي الإيراني وخاصة خلال الفترة الممتدة ما بين 1979 إلى 2019. وكما يوضح المؤلف، فإن الفن الإيراني، غير المعروف كثيرًا بسبب الرقابة السائدة في إيران والعقوبات الصارمة التي تجبر البلاد على البقاء في عزلة، يعبر مع ذلك بقوة عن التطورات العميقة في المجتمع الإيراني. يوضح الناقد الأكاديمي والسينمائي بومشاد بورفالي أن مكانة المرأة وحالتها في السينما الإيرانية قد شهدت عدة مراحل منذ عام 1979: في البداية لم تكن موجودة على الشاشة أو خلف الكاميرا، أصبحت النساء الإيرانيات أكثر حضوراً في خضم تغييرات أساسية غير قابلة للقمع في المجتمع الإيراني. أما المصور الرياضي مانيلي بارسي فهو يسلط الضوء على «أربعين عامًا من علاقات القوة بين الرياضة والجمهورية الإسلامية»، مبينًا كيف أن لنظام الإيراني قد ظل دائما، ومن خلال تكريس ضوابط وقيود صارمة وقرارات تعسفية، أن يقمع حركة التغيير الاجتماعي التي وجدت في الرياضة كشكل من أشكال التعبير بنفس طريقة الفن. ويختتم الكتاب بتحليل المؤرخ عطا عياتي لأرشيف دبلوماسي غير منشور من مصادر مختلفة مثل وزارة الخارجية الفرنسية ومجلس أوروبا. تتيح هذه الوثائق المهمة إمكانية فهم التطورات الدبلوماسية والعقائدية للجمهورية الإسلامية الإيرانية من خلال أعين المراقبين والمحللين والمفكرين والساسة الذين عايشوا تلك الحقبة من التاريخ الإيراني، بما في ذلك حتى من الجهات الفاعلة المباشرة. يتميز كتاب «جمهورية إيران الإسلامية.. أزمة نظام» بثراء الطرح والتفاصيل المتنوعة والموثقة، فضلاء عن تنوع وجهات وزوايا النظر بتنوع مشارب الباحثين والمفكرين الذين أسهموا في تأليف هذا العمل الجماعي». يجد القارئ المطلع على الشأن الإيراني مفاتيح مهمة ومتعددة التخصصات للفهم بالإضافة إلى رؤية مقطعية لبلد لا تزال أزماته المعقدة والمركبة تطرح الكثير من الإشكاليات، سواء في الداخل أو في الخارج، كما أن تنامي قدراتها وإمكاناتها ونفوذها عوامل تثير مخاوف بعض القوى العظمى.

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا