العدد : ١٧٠٥٥ - الاثنين ٠٢ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠١ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥٥ - الاثنين ٠٢ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠١ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

مقالات

حرية الرأي والتعبير في الخطة الوطنية لحقوق الإنسان

بقلم: المحامية د. هنادي عيسى الجودر

الأحد ٢٦ فبراير ٢٠٢٣ - 15:05

القراء‭ ‬الأعزاء‭ ‬

تفقّدني‭ ‬بعض‭ ‬الأصدقاء‭ ‬والمهتمين‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬غاب‭ ‬مقالي‭ ‬الأسبوع‭ ‬الماضي‭ ‬عن‭ ‬النشر،‭ ‬وقد‭ ‬كانت‭ ‬لفتة‭ ‬لطيفة‭ ‬ونبيلة‭ ‬أسعدتني،‭ ‬والغياب‭ ‬يعود‭ ‬لكوني‭ ‬كنت‭ ‬على‭ ‬سفر‭ ‬صعُب‭ ‬عليّ‭ ‬معه‭ ‬أن‭ ‬أجد‭ ‬مُتّسعاً‭ ‬من‭ ‬الهدوء‭ ‬والخصوصية‭ ‬ليتسنى‭ ‬لي‭ ‬الكتابة،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬أقول‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬سأل‭ ‬شكراً‭ ‬وتقديراً‭ ‬لاهتمامكم‭.‬

ومن‭ ‬الجميل‭ ‬أن‭ ‬أسئلة‭ ‬الغياب‭ ‬تلك‭ ‬قد‭ ‬أوقدت‭ ‬في‭ ‬ذهني‭ ‬أسئلة‭ ‬تشبهها‭ ‬وأهمها‭ ‬ذلك‭ ‬الذي‭ ‬يدور‭ ‬حول‭ ‬مدى‭ ‬اهتمام‭ ‬الناس‭ ‬بقراءة‭ ‬المقالات‭ ‬ومدى‭ ‬تأثيرها‭ ‬عليهم؟‭ ‬ومن‭ ‬جانب‭ ‬آخر‭ ‬هل‭ ‬تصل‭ ‬الأفكار‭ ‬والآراء‭ ‬والمقترحات‭ ‬إلى‭ ‬المُخاطبين‭ ‬بها؟‭ ‬وهل‭ ‬يتم‭ ‬الإستهداء‭ ‬بها‭ ‬إن‭ ‬كانت‭ ‬على‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬النفع‭ ‬والفائدة؟‭  ‬فمن‭ ‬يدري؟‭ ‬طالما‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬الأسئلة‭ ‬تبقى‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الخانة‭ ‬لا‭ ‬تُغادرها‭.‬

وعلى‭ ‬أية‭ ‬حال،‭ ‬فإن‭ ‬كتابة‭ ‬المقالات‭ ‬ونشرها‭ ‬تعتبر‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬وسائل‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬الرأي‭ ‬وإيصاله‭ ‬إلى‭ ‬الآخرين،‭ ‬باعتباره‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬حقوق‭ ‬الانسان‭ ‬المدنية‭ ‬والسياسية‭ ‬والتي‭ ‬تنضوي‭ ‬تحت‭ ‬مظلة‭ ‬حرّية‭ ‬الضمير‭ ‬والفكر‭ ‬والوجدان،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬تُعدّ‭ ‬ركيزة‭ ‬هامة‭ ‬من‭ ‬ركائز‭ ‬الديمقراطية‭ ‬الحديثة‭ ‬حيث‭ ‬يُقاس‭ ‬مدى‭ ‬ديمقراطية‭ ‬الدولة‭ ‬وفقاً‭ ‬للسقف‭ ‬الذي‭ ‬تمنحه‭ ‬لحرية‭ ‬الصحافة‭ ‬وحرية‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬الرأي‭ ‬باعتبارهما‭ ‬حريتين‭ ‬متلازمتين‭.‬

والحديث‭ ‬عن‭ ‬الحقوق‭ ‬والحريات‭ ‬الأساسية‭ ‬يجرّني‭ ‬نحو‭ ‬موقف‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬من‭ ‬حقوق‭ ‬الانسان‭ ‬والعناية‭ ‬التي‭ ‬تُوليها‭ ‬المملكة‭ ‬لها‭ ‬باعتبارها‭ ‬أحد‭ ‬أسس‭ ‬النهج‭ ‬الإصلاحي‭ ‬لصاحب‭ ‬الجلالة‭ ‬ملك‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬المعظم‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬آل‭ ‬خليفة،‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬من‭ ‬كفالة‭ ‬وتعزيز‭ ‬واحترام‭ ‬وحماية‭ ‬حقوق‭ ‬الانسان‭ ‬أساساً‭ ‬لا‭ ‬حياد‭ ‬عنه،‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬ذلك‭ ‬بشكل‭ ‬مستدام‭ ‬في‭ ‬المملكة،‭ ‬يتأتى‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬استمرارية‭ ‬تحديث‭ ‬الخطة‭ ‬الوطنية‭ ‬لحقوق‭ ‬الانسان‭ ‬وآلياتها‭.‬

والتي‭ ‬كان‭ ‬أحدثها‭ ‬هو‭ ‬إطلاق‭ ‬الخطة‭ ‬الوطنية‭ ‬لحقوق‭ ‬الانسان‭ ‬2022‭-‬2026‭ ‬وفقاً‭ ‬للمعايير‭ ‬الدولية،‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬الاشتغال‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬اللجنة‭ ‬التنسيقية‭ ‬العليا‭ ‬لحقوق‭ ‬الانسان،‭ ‬بمنهجية‭ ‬متطورة‭ ‬بُنيت‭ ‬على‭ ‬التشاور‭ ‬مع‭ ‬جميع‭ ‬مكونات‭ ‬المجتمع‭ ‬البحريني‭ ‬الأساسية‭ ‬الرسمية‭ ‬والأهلية‭ ‬إعمالاً‭ ‬لمبدأ‭ ‬الشراكة‭ ‬وتبادل‭ ‬الخبرات،‭ ‬فقد‭ ‬نظّمت‭ ‬اللجنة‭ ‬تسع‭ ‬ورش‭ ‬عمل‭ ‬شملت‭ ‬جميع‭ ‬الموضوعات‭ ‬الهامة‭ ‬تسنّى‭ ‬لي‭ ‬شخصياً‭ ‬حضور‭ ‬سبع‭ ‬ورش‭ ‬منها‭.‬

وقد‭ ‬انتهت‭ ‬الخطة‭ ‬الوطنية‭ ‬إلى‭ ‬أربعة‭ ‬محاور،‭ ‬تنضوي‭ ‬تحت‭ ‬كل‭ ‬محور‭ ‬أهداف‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬تحقيقها،‭ ‬وسأتوقف‭ ‬عند‭ ‬المحور‭ ‬الأول‭ ‬وهو‭ ‬محور‭ ‬الحقوق‭ ‬المدنية‭ ‬والسياسية،‭ ‬والذي‭ ‬يرمي‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬سبعة‭ ‬أهداف‭ ‬يهمني‭ ‬منها‭ ‬لأغراض‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬الهدف‭ ‬الثاني‭ ‬ألا‭ ‬وهو‭: ‬تعزيز‭ ‬وحماية‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬حرية‭ ‬الرأي‭ ‬والتعبير،‭ ‬باعتبارها‭ ‬من‭ ‬الحريات‭ ‬الأساسية‭ ‬لتعزيز‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وسيادة‭ ‬القانون،‭ ‬وباعتبارها‭ ‬مرتبطة‭ ‬ارتباطاً‭ ‬وثيقاً‭ ‬بالعديد‭ ‬من‭ ‬الحقوق‭ ‬المدنية‭ ‬والسياسية‭ ‬الأخرى‭  ‬مثل‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬الانتخاب‭ ‬والحق‭ ‬في‭ ‬التجمع‭ ‬السلمي‭ ‬والحق‭ ‬في‭ ‬حرية‭  ‬البحث‭ ‬العلمي‭ ‬والحق‭ ‬في‭ ‬ممارسة‭ ‬العمل‭ ‬النقابي‭ ‬والحق‭ ‬في‭ ‬حرية‭ ‬الصحافة،‭ ‬حيث‭ ‬خلصت‭ ‬الخطة‭ ‬الوطنية‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬مواءمة‭ ‬التشريعات‭ ‬والسياسات‭ ‬الوطنية‭ ‬مع‭ ‬المواثيق‭ ‬الدولية‭ ‬المتعلقة‭ ‬بحرية‭ ‬الرأي‭ ‬والتعبير‭  ‬للإسهام‭ ‬في‭ ‬تعزيزها‭ ‬وأهمها‭ ‬تعديل‭ ‬قانون‭ ‬الصحافة‭ ‬والطباعة‭ ‬والنشر‭  ‬بما‭ ‬يُحقق‭ ‬رفع‭  ‬سقف‭ ‬حرية‭ ‬الصحافة‭ ‬ومواكبة‭ ‬مستجدات‭ ‬العصر‭ ‬ومتغيراته‭ ‬بتغطية‭ ‬جانب‭ ‬الاعلام‭ ‬الالكتروني،‭ ‬وتفعيل‭ ‬دور‭ ‬الصحافة‭ ‬في‭ ‬متابعة‭ ‬وتغطية‭ ‬المواضيع‭ ‬المتعلقة‭ ‬بحقوق‭ ‬الانسان‭.‬

ومن‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬تحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬هذا‭ ‬المحور‭ ‬ولاسيما‭ ‬في‭ ‬الجانب‭ ‬المتعلق‭ ‬بالصحافة‭ ‬والنشر،‭ ‬يقتضي‭ ‬تمتع‭ ‬الأفراد‭ ‬صحفيين‭ ‬أو‭ ‬غيرهم‭ ‬بخواص‭ ‬أساسية‭ ‬وهي‭ ‬الموضوعية،‭ ‬المصداقية،‭ ‬التجرّد‭ ‬والابتعاد‭ ‬عن‭ ‬شخصنة‭ ‬المواضيع‭ ‬والأغراض‭ ‬غير‭ ‬المشروعة‭.‬

لذا‭ ‬فإنه‭ ‬ضمن‭ ‬منظومة‭ ‬حريات‭ ‬الضمير‭ ‬والفكر‭ ‬والوجدان‭ ‬هناك‭ ‬حريات‭ ‬مطلقة‭ ‬وأخرى‭ ‬يجوز‭ ‬تقييدها‭ ‬حماية‭ ‬للنظام‭ ‬العام‭ ‬والصالح‭ ‬العام‭ ‬وبما‭ ‬لا‭ ‬يمسّ‭ ‬حقوق‭ ‬وحريات‭ ‬الآخرين،‭ ‬فحرية‭ ‬الضمير‭ ‬مطلقة‭ ‬وحرية‭ ‬الرأي‭ ‬مطلقة‭ ‬ولكن‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬الرأي‭ ‬قابلة‭ ‬للتقيد‭ ‬للأسباب‭ ‬المشار‭ ‬إليها‭ ‬سابقاً‭ ‬فالتعبير‭ ‬عن‭ ‬الرأي‭ ‬يجب‭ ‬ألا‭ ‬يتسبب‭ ‬في‭ ‬المساس‭ ‬بالأمن‭ ‬العام‭ ‬أو‭ ‬ينطوي‭ ‬على‭ ‬تحريض‭ ‬على‭ ‬الفتن‭ ‬أو‭ ‬الفرقة‭ ‬أو‭ ‬المساس‭ ‬بالوحدة‭ ‬الوطنية‭ ‬وألا‭ ‬يمس‭ ‬بسمعة‭ ‬وشرف‭ ‬أو‭ ‬خصوصية‭ ‬الآخرين‭.‬

وختاماً‭ ‬فإن‭ ‬ثقافة‭ ‬حقوق‭ ‬الانسان‭ ‬وممارسة‭ ‬الحريات‭ ‬الأساسية‭ ‬في‭ ‬مجتمع‭ ‬متحضر‭ ‬متمدن،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مترسخة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬فرد‭ ‬بشكل‭ ‬مستقل‭ ‬حتى‭ ‬يتم‭ ‬ممارستها‭ ‬كأسلوب‭ ‬حياة،‭ ‬ويقتضي‭ ‬ذلك‭ ‬ضرورة‭ ‬الاشتغال‭ ‬على‭ ‬غرس‭ ‬هذه‭ ‬الثقافة‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الفئات‭ ‬العمرية‭ ‬لأنها‭ ‬متى‭ ‬ما‭ ‬أصبحت‭ ‬متأصلة‭ ‬في‭ ‬الأفراد‭ ‬تحقق‭ ‬التسامح‭ ‬والتعايش‭ ‬المشترك‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬قبول‭ ‬الآخر‭ ‬رغم‭ ‬اختلافه‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬من‭ ‬المساواة‭ ‬وعدم‭ ‬التمييز‭ ‬لأي‭ ‬سبب‭ ‬من‭ ‬أسباب‭ ‬التمييز‭ ‬التي‭ ‬يعرفها‭ ‬الجميع‭.‬

 

Hanadi‭_‬aljowder@hotmil‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا