القراء الأعزاء
تفقّدني بعض الأصدقاء والمهتمين بعد أن غاب مقالي الأسبوع الماضي عن النشر، وقد كانت لفتة لطيفة ونبيلة أسعدتني، والغياب يعود لكوني كنت على سفر صعُب عليّ معه أن أجد مُتّسعاً من الهدوء والخصوصية ليتسنى لي الكتابة، ومن هنا أقول لكل من سأل شكراً وتقديراً لاهتمامكم.
ومن الجميل أن أسئلة الغياب تلك قد أوقدت في ذهني أسئلة تشبهها وأهمها ذلك الذي يدور حول مدى اهتمام الناس بقراءة المقالات ومدى تأثيرها عليهم؟ ومن جانب آخر هل تصل الأفكار والآراء والمقترحات إلى المُخاطبين بها؟ وهل يتم الإستهداء بها إن كانت على قدر من النفع والفائدة؟ فمن يدري؟ طالما أنه من المؤكد أن بعض الأسئلة تبقى في هذه الخانة لا تُغادرها.
وعلى أية حال، فإن كتابة المقالات ونشرها تعتبر من أهم وسائل التعبير عن الرأي وإيصاله إلى الآخرين، باعتباره أحد أهم حقوق الانسان المدنية والسياسية والتي تنضوي تحت مظلة حرّية الضمير والفكر والوجدان، كما أنها تُعدّ ركيزة هامة من ركائز الديمقراطية الحديثة حيث يُقاس مدى ديمقراطية الدولة وفقاً للسقف الذي تمنحه لحرية الصحافة وحرية التعبير عن الرأي باعتبارهما حريتين متلازمتين.
والحديث عن الحقوق والحريات الأساسية يجرّني نحو موقف مملكة البحرين من حقوق الانسان والعناية التي تُوليها المملكة لها باعتبارها أحد أسس النهج الإصلاحي لصاحب الجلالة ملك مملكة البحرين المعظم حمد بن عيسى آل خليفة، الذي جعل من كفالة وتعزيز واحترام وحماية حقوق الانسان أساساً لا حياد عنه، والعمل على تحقيق ذلك بشكل مستدام في المملكة، يتأتى ذلك من استمرارية تحديث الخطة الوطنية لحقوق الانسان وآلياتها.
والتي كان أحدثها هو إطلاق الخطة الوطنية لحقوق الانسان 2022-2026 وفقاً للمعايير الدولية، التي تم الاشتغال عليها من قبل اللجنة التنسيقية العليا لحقوق الانسان، بمنهجية متطورة بُنيت على التشاور مع جميع مكونات المجتمع البحريني الأساسية الرسمية والأهلية إعمالاً لمبدأ الشراكة وتبادل الخبرات، فقد نظّمت اللجنة تسع ورش عمل شملت جميع الموضوعات الهامة تسنّى لي شخصياً حضور سبع ورش منها.
وقد انتهت الخطة الوطنية إلى أربعة محاور، تنضوي تحت كل محور أهداف تسعى إلى تحقيقها، وسأتوقف عند المحور الأول وهو محور الحقوق المدنية والسياسية، والذي يرمي إلى تحقيق سبعة أهداف يهمني منها لأغراض هذا المقال الهدف الثاني ألا وهو: تعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير، باعتبارها من الحريات الأساسية لتعزيز الديمقراطية وسيادة القانون، وباعتبارها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالعديد من الحقوق المدنية والسياسية الأخرى مثل الحق في الانتخاب والحق في التجمع السلمي والحق في حرية البحث العلمي والحق في ممارسة العمل النقابي والحق في حرية الصحافة، حيث خلصت الخطة الوطنية إلى ضرورة العمل على مواءمة التشريعات والسياسات الوطنية مع المواثيق الدولية المتعلقة بحرية الرأي والتعبير للإسهام في تعزيزها وأهمها تعديل قانون الصحافة والطباعة والنشر بما يُحقق رفع سقف حرية الصحافة ومواكبة مستجدات العصر ومتغيراته بتغطية جانب الاعلام الالكتروني، وتفعيل دور الصحافة في متابعة وتغطية المواضيع المتعلقة بحقوق الانسان.
ومن المؤكد أن تحقيق أهداف هذا المحور ولاسيما في الجانب المتعلق بالصحافة والنشر، يقتضي تمتع الأفراد صحفيين أو غيرهم بخواص أساسية وهي الموضوعية، المصداقية، التجرّد والابتعاد عن شخصنة المواضيع والأغراض غير المشروعة.
لذا فإنه ضمن منظومة حريات الضمير والفكر والوجدان هناك حريات مطلقة وأخرى يجوز تقييدها حماية للنظام العام والصالح العام وبما لا يمسّ حقوق وحريات الآخرين، فحرية الضمير مطلقة وحرية الرأي مطلقة ولكن حرية التعبير عن الرأي قابلة للتقيد للأسباب المشار إليها سابقاً فالتعبير عن الرأي يجب ألا يتسبب في المساس بالأمن العام أو ينطوي على تحريض على الفتن أو الفرقة أو المساس بالوحدة الوطنية وألا يمس بسمعة وشرف أو خصوصية الآخرين.
وختاماً فإن ثقافة حقوق الانسان وممارسة الحريات الأساسية في مجتمع متحضر متمدن، يجب أن تكون مترسخة في كل فرد بشكل مستقل حتى يتم ممارستها كأسلوب حياة، ويقتضي ذلك ضرورة الاشتغال على غرس هذه الثقافة في جميع الفئات العمرية لأنها متى ما أصبحت متأصلة في الأفراد تحقق التسامح والتعايش المشترك القائم على قبول الآخر رغم اختلافه على أسس من المساواة وعدم التمييز لأي سبب من أسباب التمييز التي يعرفها الجميع.
Hanadi_aljowder@hotmil.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك